16 حزيران 2015
قال هنري كيسنجر ذات مرة «ان تكون مصابا بجنون الاضطهاد لا يعني انك لست مضطهدا». والعكس هو الصحيح ايضا: ان تكون مضطهدا لا يعني انك لست مصابا بجنون الاضطهاد.
تقف محافل معادية تريد الشر لنا خلف حركة المقاطعة الدولية الـ «بي.دي.اس». بعضهم عرب معنيون باضعاف اسرائيل سياسيا. بعضه من اليسار في العالم ممن يعطفون على القضية الفلسطينية. والى جانب ذلك، فان حكومتنا التي انتخبت منذ زمن غير بعيد تعاني من متلازمة جنون اضطهاد شديدة. ففرضيتها الاساسية هي أن العالم كله ضدنا. ربما باستثناء شيلدون ادلسون ورئيس وزراء كندا.
خطة فك ارتباط شركة اورانج العالمية عن بارتنر الاسرائيلية، وقرار اتحاد الطلاب البريطانيين الانضمان لـ «بي.دي.اس» هما مؤشرات اولية على ميل سيتعاظم فقط. والعقوبات الاقتصادية تأتي الى العالم بحجم واسع عندما تتضارب سياسة الدولة مع القيم الاساس للاسرة الدولية. وتتعاظم المقاطعة الدولية ليس بسبب العناصر المعادية لاسرائيل او اللاسامية. فهؤلاء كانوا موجودين دوما.
مريح لحكومة اسرائيل أن تشير الى الظاهرة كتعبير عن مؤامرة لاسامية عالمية. مريح ايضا لجهات كثيرة اكثر اعتدالا ان توحد الصفوف من اجل رد صهيوني مناسب. كثيرون في مطارحنا يعشقون معادلة: اسرائيل ضد كل العالم.
اما الوضع في الساحة الدولية فهو مختلف. مرغوب فيه أن نفهمه ونستوعبه كي نتمكن من مواجهته. فكل الاسرة الدولية، بلا استثناء، ترى في سيطرتنا العسكرية والمدنية في الضفة الغربية احتلالا لشعب آخر، وفي المستوطنات كالحاق أذى غير شرعي. ويرى الرأي العام فينا، بما في ذلك في الغرب، القوة الشديدة، المحتل، وفي الفلسطينيين الجهة المضطهدة. نحن نعيش في عصر ما بعد الاستعمار، في ظل احترام حق تقرير المصير للشعوب واحترام حقوق الانسان.
طالما كنا وافقنا على مسيرة سياسية جدية وأعربنا عن استعداد حقيقي لاقامة دولة فلسطينية مقابل ترتيبات أمنية مرضية، كنا اقل عزلة ولم نكن عرضة لخطر المقاطعات والعقوبات. اما اليوم، حين يعارض رئيس الوزراء حل الدولتين، ووزراؤه في معظمهم مع الضم، فان افضل اصدقائنا في العالم، بما في ذلك رئيس حليفتنا الاكبر، يبتعدون عنا. نتائج الانتخابات هي دليل للعالم بان اسرائيل ونتنياهو هما واحد. ولا يمكن لاي معركة اعلامية ان تجدي نفعا. جلعاد اردان وتسيبي حوطوبلي يمكنهما ان يجتهدا في كل شبكات الاتصال، ولكن هذا لن يجدي نفعا. وحتى لو كان على رأس سلكنا الدبلوماسي كيسنجر، بيل كلينتون والام تريزه، ما كان هؤلاء لينجحوا في تحويل سياسة الاستيطان على ارض الفلسطينيين شرعية ومحبوبة.
هناك سبيل لوقف المقاطعة والعقوبات القائمة والمرتقبة. تغيير السياسة. ليس كما يقول نتنياهو لسياسة تنازلات احادية الجانب بل مفاوضات عنيدة على حل الدولتين، التنسيق مع الولايات المتحدة، في ظل العودة الى القيم الاساس للدولة، على اساس رؤيا السلام، الديمقراطية والمساواة.
مشكوك ان تكون هذه قيم ونوايا نتنياهو. وهو لا يريد أن يفهم، في اعادة صياغة لاقوال كلينتون عن الاقتصاد، «لان هذه هي المستوطنات، يا غبي».
عن «معاريف»