ما زالت "الدولة العبريّة" تُراهن على إحداث فوضى أوْ حتى حربٍ أهليّةٍ في لبنان نتيجة الأزمة التي أحدثتها رئيس الوزراء سعد الحريري.
ففي دراسةٍ جديدةٍ لمركز بيغن-السادات، التابع لجامعة "تل أبيب"، جاء أنّه من خلال تعزيز التعاون وراء الكواليس، يُمكن للمملكة العربية السعودية و"إسرائيل" أنْ تستفيدا بشكلٍ كبيرٍ من الأزمة السياسيّة في لبنان والتطورّات الإقليميّة التي قد تنجم عن ذلك.
وتابعت أنّه يتحتّم على الرياض و "تل أبيب" بذل قصارى جهدهما للتعاون مع القوى العظمى المشاركة في سوريّة والعراق، وخاصّةً الولايات المتحدة، في محاولة لتحول التوازن الاستراتيجيّ نحو مصالحها المتساوقة.
ورأت الدراسة أنّ السعودية أيدّت نية الحريري الاستقالة واتهمت إيران وحزب الله مباشرة بصواريخ تهريب إلى اليمن وتعليم الحوثيين كيفية تشغيلهم، وذهبت الرياض إلى حدّ القول بأنّ إطلاق الصاروخ باتجاه المطار يمكن اعتباره "إعلان حرب" من قبل لبنان.
وأردفت الدراسة أنّه الآن، يبدو أنّ العداء بين السعودية وإيران قد وصل إلى ذروةٍ جديدةٍ ويُهدد بأنْ يُصبح أكثر علنيةً، ممّا يُثير المخاوف من مواجهةٍ عسكريّةٍ مباشرةٍ، خاصّةً في ضوء الخطاب المتدهور للسعودية ونجاح طموحات إيران في الهيمنة بالعراق، سوريّة، واليمن، مُشدّدّةً على أنّ الرياض تتحرّك نحو سياسةٍ خارجيّةٍ أكثر عدوانيّة وأقّل دبلوماسيّة لأنّها تُعمّق مشاركتها في الشرق الأوسط بشكلٍ عامٍّ ولبنان على وجه الخصوص.
ورأت الدراسة أنّ هذه التطورات لها تأثير على "إسرائيل"، التي تهددها أيضًا طموحات الهيمنة الإيرانيّة، ولأنهما تتقاسمان تهديدًا مشتركًا، فإنّ من مصلحة كلٍّ من "إسرائيل" والسعودية أنْ تُعمقا تعاونهما السريّ، لا سيما من خلال الوسائل الدبلوماسيّة، حتى وإن كانت هناك قيود على هذا التعاون، وتشمل هذه القيود عدم وجود شرعية محلية في الرياض للتعاون مع "إسرائيل"، تركيز السعودية على الشؤون الداخلية، وإشراك القوى العظمى في المنطقة، ويمكن التغلب عليها من خلال تشديد التعاون السريّ، وتُركّز السياسة الخارجية لكلا البلدين على القضية الإيرانيّة.
ولفتت الدراسة إلى أنّه حتى الآن أشادت واشنطن بالحريري وحكومته على معركتهم المزعومة ضدّ الإرهاب، مُشيرةً إلى أنّ تغيير الموقف الأمريكيّ يُمكن أنْ يُعزز ردع "إسرائيل" تجاه حزب الله الذي استغل الغطاء الذي تلقاه من الحكومة اللبنانية الشرعية مع الحريري في رأسه.
وأوضحت أيضًا أنّ الإعلان الأمريكي بأنّ لبنان الآن هو حزب الله سيكون رسالة مدويّة لإرسالها إلى الأمريكيين، ومن شأن ذلك أنْ يُضفي الشرعية على هجومٍ "إسرائيليٍّ" في المستقبل على البلد اللبنانيّ بأكمله وبنيته التحتية كجزءٍ من عمليةٍ عسكريّةٍ ضدّ حزب الله.
وهناك فرصة أخرى للتعاون السعوديّ "الإسرائيليّ" تتعلّق بالاتفاق النوويّ: ويتعين على البلدين، بمساعدةٍ من واشنطن، الاستفادة من الوضع في لبنان لشنّ هجومٍ دبلوماسيٍّ في أوروبا وروسيا والصين، وزيادة الضغط لتحسين شروط الاتفاق.
كما يمكن أنْ تستفيد "إسرائيل" والسعودية من الأزمة السياسية في لبنان لتدمير مشروع الصواريخ الباليستية الإيرانيّة، ويتعيّن على البلدين اغتنام الفرصة ومحاولة التأثير على جدول الإعمال في الكونغرس وخاصة مجلس الشيوخ المسؤول عن التخطيط وتحديد تفاصيل السياسة العامّة التي حددها البيت الأبيض.
وشدّدّت الدراسة على أنّ التخلي عن الساحة السياسية اللبنانيّة لحزب الله يعني الاستيلاء الإيرانيّ على لبنان، وعليه يُمكن للرياض و"تل أبيب" استخدام الوضع لزيادة الضغط على السياسة الأمريكية في الساحة السورية وفي العراق، لافتةً إلى أنّه حتى الآن، ركزّت الولايات المتحدة على محاربة "داعش" وتخلّت عن قضية الميليشيات الشيعيّة المدعومة من إيران والتي تعمل في كلا البلدين.
وتابعت الدراسة، يُمكن أنْ يكون مفيدًا للحكومة الروسية التي تعمل حاليًا مع إيران في سوريّة، وإذا تعاونت الرياض و"تل أبيب" مع موسكو، فإنّ الضغط المشترك قد يؤتي ثماره من خلال تقليص وجود طهران في سوريّة، وإبعاد الإيرانيين الذين ما زالوا بالقرب من الحدود العراقيّة، وقد تُوافق روسيا أيضًا على عدم وجود الوجود الإيرانيّ في سوريّة على الحدود مع "إسرائيل".
وفي الوقت نفسه، أضافت الدراسة، يجب على "إسرائيل" أنْ تُواصل استخدام القوة الشاقّة عند الضرورة، ومن الأفضل، عند القيام بذلك، أنْ تطبق "إسرائيل" استراتيجية "المنطقة الرمادية"، التي تسمح بقدرة الغموض والإنكار، وهذا من شأنه أنْ يقلل من احتمال ردّ الفعل من نظام الأسد أوْ إيران أوْ حزب الله.
واختتمت الدراسة "الإسرائيليّة" قائلةً إنّه يجب على "تل أبيب" ألّا تفشل في الاستفادة من احتمال سقوط الحكومة اللبنانيّة كليًا في أيدي حزب الله من أجل تمهيد الطريق لعملية عسكريّةٍ مستقبليّةٍ في لبنان، حتى لو لم يتم التخطيط لهذه العملية في المستقبل القريب.
وأوضحت أنّه في مصلحة "إسرائيل" إنشاء وتراكم شرعية في وقتٍ مبكرٍ، سواءً في العالم العربيّ السُنيّ وبين القوى الكبرى العاملة في المنطقة، على حدّ تعبيرها.