19 حزيران 2015
على خلفية ما قيل إنه خلاف أثير في الاجتماع الأسبوعي الأخير للحكومة، عاد حديث التعديل الحكومي، والذي كان قد أثير قبل بضعة أشهر مجدداً، ولكن دون الحديث عن أن السبب من وراء التعديل، هو تخفيف العبء عن الوزراء الذين يحملون مهام حكومة مقلصة، تم تشكيلها قبل عام كحكومة توافق وطني، من أجل إنهاء الانقسام وتنفيذ مهام محددة مرتبطة بهذا الهدف، وهي توحيد مؤسسات الدولة في شطري الوطن، ومن ثم التحضير لانتخابات رئاسية وعامة، توحد نهائياً الوطن الذي كان قد انقسم إلى شطرين كنتيجة تلت انتخابات المجلس التشريعي الثاني والتي جرت مطلع العام 2006.
كذلك لا يبدو أن حديث التعديل قد جاء هذه المرة كأداة ضغط على حركة حماس لتتقدم على طريق تمكين الحكومة من السيطرة على غزة، بل إن المطالبة بالتعديل جاءت أولاً من قبل رئيس الحكومة كمطلب منه للرئيس محمود عباس.
لا شك بأن تشكيل الحكومة يخضع لاعتبارات عديدة، ويكاد يكون أمر تحديد أسماء الوزراء بالجملة والمفرق بيد الرئيس باعتباره رئيس حركة فتح، وبهذا فإن قادة فتح المقربين من الرئيس وذوي الوزن في صفوف الحركة يؤثرون على بوصلة ترشيح الوزراء أكثر من رئيس الحكومة نفسه، والجميع يعرف ما صاحبَ أول لحظة لتشكيل حكومة الدكتور رامي الحمد الله الأولى، ثم ما تلاها ببضعة أسابيع، حين أظهر الرجل بعض الضيق من عدم كونه حتى شريكاً في تسمية أو تحديد الفريق الوزاري.
طبعاً حكومة الحمد الله الثانية خضعت لمحدد إضافي وهو التوافق بين فتح وحماس، وبالتالي قبل الرجل أن يرأس تشكيلاً وزارياً تم تحديد أعضائه سلفاً، من أجل دفع عجلة المصالحة وإنهاء الانقسام، وحين تبين أن ذلك الأمر بات بعيد المنال، بدأ الحديث عن التعديل الحكومي لمواجهة مهمات الحكومة الكثيرة، وبذا تركز الحديث على توسيع الحكومة لمواجهة تلك المشكلة، أما الآن فإن الأمر مختلف، وجاء بدافع وضع حد لوزراء يناكفون أو على الأقل غير متوافقين مع رئيس الحكومة، ولو تم التوافق على الخطوة، فلربما يتم _ بالمرة _ توسيع الحكومة، حتى يكون هناك عدد كاف من الوزراء لمتابعة تنفيذ مهمات الحكومة المختلفة.
رد الرئيس على مطلب رئيس الحكومة، والذي يعتبر تنفيذه بمثابة منح صلاحيات أو توسيع نفوذ رئيس الحكومة ضمن نطاق دائرة مركز القرار السياسي في وضع معقد، ربما يكون من شأنه ألا يبقي رئيس الحكومة _ على الأقل _ بصورة التكنوقراط أو المستقل، بل يمكن رئيس الحكومة من أن يضع قدمه على أول طريق التحول إلى أحد مراكز القوة السياسية، لذا رد الرئيس بالطلب من رئيس الحكومة بتقديم استقالته حتى يتم بعد ذلك تشكيل حكومة جديدة، وهذا أولاً من شأنه أن يبقي على تقليد أن يتم تشكيل الحكومة في مكتب الرئاسة بكل أعضائها _ رئيس الحكومة والوزراء _ حيث لا أحد يعرف وهذا يشمل رئيس الحكومة نفسه، من سيفوز بالمقاعد الحكومية، وربما أن الحمد الله نفسه لا يضمن أن يعود رئيساً للحكومة مجدداً!
لكن هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر كما يعرف الجميع؛ لأنها ستثير مجدداً التراشق الإعلامي بين فتح وحماس، حيث ستعتبر حماس تلك الخطوة إسقاطاً لاتفاق الشاطئ، ما يبرر لها القيام أو حتى الإعلان عن اتفاق تهدئة تلوح تباشيره في الأفق أو أن أخباره انتشرت في الأنحاء خلال الأسابيع القليلة الماضية، ومما لا شك فيه أن حماس ستعتبر حكومة ثالثة للحمد الله أو لغيره بمثابة حكومة انقسام لا تمثل شطري الوطن، لكنها في الوقت ذاته ستحتار في الرد الميداني؛ فهي وإن كانت ستعتبر ذلك أمراً يسهل عليها توقيع وإعلان اتفاق الهدنة مقابل فك الحصار أو صفقة الأمن مقابل الغذاء سياسياً، فإن الرد العملي ربما يكون أصعب، فهي قد حرصت خلال السنوات السبع الماضية على التمسك بإسماعيل هنية رئيساً لحكوماتها في غزة والتي كانت تقوم بتعديلها دون الإعلان _ صراحة _ عن تغييرها، لأنها ظلت تقول إنها حكومة شرعية وامتداد لحكومة الوحدة الوطنية الحادية عشرة التي أعقبت اتفاق مكة، أما الآن فإن تشكيل أو الإعلان عن حكومة في غزة سيعني أن حماس تعلن صراحة الانفصال بغزة وتستجيب لمخطط إسرائيل بإقامة دولة غزة وما إلى ذلك.
تداعيات الأمر خطرة، ولا شك بأن العض الذاتي للأصابع الفلسطينية قد دخل مرحلة الخطر الشديد، وما بين تعديل الحكومة واستقالتها يكمن صراع الإرادات الذي يعتبر معه شد الخيط للآخر قطعاً لترابط هش بين أوصال فلسطينية محتلة.
وفي نهاية المطاف فإن الوجع والألم كله فلسطيني، ومن يربح يجعل من طرف فلسطيني آخر خاسراً، فإن لم يربح الجميع من الجانب الإسرائيلي فالجميع خاسرون، حتى لو أن الشيطان قد هيأ لهم الأمر على غير صورته الحقيقة أو أنه قد ظهر لهم على عكس ذلك!