20 حزيران 2015
ربما هي إعادة مكررة لقصة الحاخام والعائلة التي ضاق مسكنها عليها، فأدخل إليه الحاخام كلباً وحماراً وبقرةً... وكلما أخرج الحاخام حيواناً من مسكنها الصغير شعرت العائلة بارتياح معتبرةً أن الحاخام قدم لها كثيراً من التسهيلات، دون أن تتذكر أن هذا هو حقها الطبيعي، بل إن لها حقاً أكبر منه.
القصة تكرار، أيضاً، لما يحدث في كل رمضان من حيث ما تدّعيه سلطات الاحتلال من تسهيلات تقدم إلى الفلسطينيين، وكأنها تتمنَّن علينا بحق هو لنا.
ولكن لماذا لا يتذكر المواطن حقه الطبيعي في الوصول إلى القدس المحتلة، وأن التصريح الإسرائيلي مجرد وقت لإبعاد الكلب من داخل البيت إلى الساحة.
ليس غريباً ما حدث في قصة التصاريح، عندما أعلنت سلطات الاحتلال عن «تسهيلاتها» وأصدرت عشرات آلاف التصاريح لأعمار محدّدة... فتهافت المواطنون على مكاتب الارتباط المدني في المحافظات الفلسطينية، ومنهم من ذهب مباشرة إلى مكاتب الإدارة المدنية للاحتلال في مراكزها خارج المدن.
يقول مواطن مقرب من «حماس» إنه ذهب للحصول على تصريح ولكن ليس إلى الجانب الفلسطيني، بل إلى الجانب الإسرائيلي، متسائلاً: ما الهدف من الذهاب إلى الجانب الفلسطيني، خاصة في حالة المنع الأمني؟ ولدى الاستفسار عن وجود مواطنين يذهبون إلى مكاتب الاحتلال مباشرة للحصول على التصاريح... قال كان المئات منهم في ساحة «بيت إيل» مقر إدارة الاحتلال العسكرية المدنية في الضفة الغربية...
وفي الإطار نفسه، طلب مواطن آخر إذن مغادرة من عمله وتوجه لاستلام تصريحه.. وعند سؤاله هل تقدم بطلب، أكد ذلك، وقال التصاريح الإسرائيلية وصلت بـ «الشوالات» وهي موجودة في أحد نوادي رام الله، بعدما رفض الجانب الفلسطيني تسلمها لخلافات ذات قيمة في هذا المجال، فلا يمكن ولا يعقل أن يجبر الفلسطينيون مثلاً على التأكد من أن الموجودين على الحافلات لديهم تصاريح دخول أو أي إجراء ينوب عن سلطات الاحتلال.
لقد نسي كثير من المواطنين أن القدس هي العاصمة المحتلة وأنه حتى سنوات قليلة كان حق التنقل إلى القدس حقاً قانونياً. وكانت القدس جزءاً أساسياً من الضفة الغربية.
سلطات الاحتلال من خلال إصدارها هذا الكم الهائل من التصاريح لا تعترف بحق قانوني للفلسطينيين بقدر ما تهدف إلى زعزعة مفهوم السلطة عند المواطن الفلسطيني، فهي تريد أن تزرع في ذاكرة المواطن الفلسطيني أنه ليس للسلطة دور في تقديم تسهيلات حركية لهم حتى في الوصول إلى الأماكن المقدسة، وأن دور السلطة الفلسطينية لا يعدو كونه أكثر من وسيط أو ربما ناقل أو حتى «عتّال» يقوم بحمل رزم التصاريح الورقية وتوزيعها على المتقدمين لها. حتى عندما يكون هناك رفض لمنح أي تصريح، فإن الجانب الفلسطيني لا يملك إجابة سوى ترديد جملة «منع أمني»... وهي جملة كثيراً ما تتردد على ألسنة موظفي الشؤون المدنية.
ولكن لا تنسوا أن هناك بعداً اقتصادياً لموضوع التسهيلات، فإذا ما حلّلنا تجربة العام الماضي نرى أن كثيراً من المواطنين أنفقوا في مراكز التسوق الإسرائيلية والمتنزهات والشواطئ عشرات ملايين الشواقل، خاصة في أيام الجمع، لأن كثيراً من المواطنين يحصلون على التصاريح ليس من أجل الصلاة لأنهم بالأساس لا يؤدون فريضة الصلاة وإنما هي فرصة للتسوق والتنزه، وقد بدأت وكالات الأنباء تبث صوراً لعشرات الفلسطينيين وهم على شواطئ يافا وتل أبيب وغيرها.
إذن التصاريح بـ «الشوالات» ليست مِنِّة يقدمها لنا ضباط وقادة الاحتلال بقدر ما هي مسمار آخر تدقه إسرائيل بين المواطنين والسلطة التي تبدو عاجزة... في ظل فائدة اقتصادية للاحتلال ليست هامشية بل ذات قيمة.
فهل تعلمنا أن لا شيء مجانياً عند إسرائيل.. بل لكل شيء ثمنه.