فلسطين لا تستبدل بمال

582881513841958.jpg
حجم الخط

 

وقاحة الصهاينة تجاوزت كل مدىً، نتنياهو يتهم الأوروبيين بـ»تدليل» الفلسطينيين، لأنهم رفضوا الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة الصهيونية.

الكابينيت يوافق على قانون إعدام الفلسطينيين، وكأنهم يحتاجون إلى قانون لإعدام شعبنا، وكأنهم لا يقتلون منا ويجرحون المئات كل يوم.

يؤاف مردخاي يهدد محمود العالول نائب رئيس حركة فتح (على طريقة البطلجية) بسبب تصريحه بأن من حق شعبنا مقاومة محتليه بكل الوسائل والسبل. بالفعل، رأينا قمعاً في التاريخ، نازياً وفاشياً وتترياً، لكن أي مشاهد وهو يرى القمع الوحشي الصهيوني للفلسطينيين، يخرج بانطباع، أن الأخير يتفوق على كل مدارس القمع تلك.

مستوطنون يقتلون طفلاً فلسطينياً، تراه مرمياً على قارعة الطريق، وهم يحملون أسلحتهم، ويقومون بتصويره بدون مبالاة. ترى جندياً صهيونياً، يقعد على جسد طفلٍ فلسطيني، ويشد بيديه على رقبته ليكتم أنفاسه، والدم يتدفق من فم الطفل.

ثلاثة وعشرون جنديا مدججاً بالسلاح يحيطون بالفتى الفلسطيني فوزي الجنيدي وهو معصوب العينين ويقتادونه بوحشية كبيرة، في منطقة باب الزاوية في الخليل وكأنهم يواجهون جيشاً عرمرماً، أعداد هائلة من الجنود، تهاجم امرأة فلسطينية تحمل طفلها! يقتلون مُقعداً هو إبراهيم أبو الثريا، كان قد فقد ساقيه بسبب عدوانهم على قطاع غزة. ومشاهد وحشية صهيونية كثيرة أخرى، نراها كل يوم في انتفاضة شعبنا الباسلة، المدعومة قولا وفعلا ونشاطات يومية من الأمتين العربية والإسلامية وشعوب العالم الحرة على الصعيد العالمي.

كم كانت مؤثرة ابتسامة إبراهيم بعد استشهاده، وكأنه يتحدى قتلته الجلادين، وفيه نقول: حملوكَ.. آلهةً.. تغنّي. توقدُ الفعلَ المقاومَ.. بالهتافِ.. وبالعلَمْ. وفي عينيكَ آمالُ الحقيقة والتمنّي.

رصدوك.. قتلوا بكلّ الحقدِ ساقكَ ثمّ أخرى.. بالرصاص.. وبالتجنّي. نهضتَ من جسدِ الحقيقةِ والركام.. كي تقاوم.. في الزّحام. قتلوك ثانيةً.. فماتوا هم.. زرعوكَ ورداً في الجهات لتقوم حيّاً من ممات.. أمشي أرفع الرايات لعينيك.. بل لساقيك.. أنشد الكلمات.. أهتفُ وأغنّي.

في حقيقتهم، فإن هؤلاء الجنود مرعوبون من الفلسطيني، طفلاً كان أو شابّاً، امرأةً أو رجلاً، شيخاً أو وليداً. حيّا أو ميتاً. الفلسطيني يذكّرهم بحقيقة غربتهم عن أرضنا، بحقيقة انتمائه لهذه الأرض، وبالتالي يستشرسون في قمعهم الناتج عن الحقد العالي على الإنسانية عموماً.

لم يعاصر شكسبير مأساة الشعب الفلسطيني ولا جرائم الفاشية الصهيونية بحقه على مدى يقارب القرن، رغم ذلك أبدع مسرحيته «تاجر البندقية» التي يصور فيها نفسية المرابي اليهودي «شايلوك»، وإصراره على قطع رطل لحم من جسد مَدين فقير له لم يفِ بدَينه للمرابي في موعده. كذلك كان الشاعر ت. س. إليوت عندما نشرت زوجته فاليري، مخطوطة قصيدته الأكثر ذيوعاً في الشعر الحديث «الأرض اليباب» أو بالعنوان الآخر «الخراب». وبسبب نشر هذه القصيدة من قبل صديقه عزرا باوند، جرى اتهام الأخير بمعاداة اليهود. نصيب الفيلسوف الألماني مارتين هايدغر كان أشد قسوة، عندما اتهمته الحركة الصهيونية «بالاصطفاف إلى جانب الرايخ الثالث» و»العداء للسامية»، رغم تأكيد الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا في كتابه «هايدغر والسؤال»، أن هايدغر أدان النازية فلسفياً، وبأشكال مختلفة أخرى، خاصة من خلال تحذيره من خطر تدمير الإنسان، وهو ما أكده أيضاً الفيلسوف اليهودي الليتواني الأصل إيمانوئيل ليفيناس، الذي شكك بالتهمة.

مما لا شك فيه، أنه وبعد الحراكات الجماهيرية الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية الصديقة، ردّاً على قرار الرئيس ترامب حول القدس، ازداد إحراج معظم دول النظام الرسمي العربي في علاقاته الإسرائيلية، هذه التي باتت صديقة وشريكة لأنظمة الديكتاتورية العربية، وقد قصرت أهدافها بالضغط على الفلسطينيين للقبول بالتصفية الإسرائيلية ـ الأمريكية لقضيتهم. في سياق إعادة توصيف المخاطر والتهديدات وإعادة تعريف الأصدقاء والأعداء، إذ أصبحت المقاومة «إرهابا«، وارتفعت أصوات جوقة من علماء الدين التابعين لهذه الأنظمة (ممن يتحركون بالريموت كونترول) ممن ينكرون وجود شعب فلسطيني وينفون وجود فلسطين من الأساس.

من جانب آخر، نشر موقع ديبكا الصهيوني، أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تلقى رسالة طارئة من محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية، يطالبه فيها بوقف جميع نشاطاته والتوجه فورا إلى الرياض. الاستدعاء وثيق الصلة باعتقال الملياردير صبيح المصري، إذ يبدو أن محمد بن سلمان باعتقاله من يوصف بأنه مسير الأمور المالية للسلطة الفلسطينية يمارس الضغط على معارضة أبو مازن لقرار ترامب وخطته، من أجل بيع الضفة الغربية والقدس بمليارات الدولارات. فقد كشف تقرير الصحافي الأمريكي جيفري رونسون، ونشره موقع «محافظ» الأمريكي، عن أن ولي العهد السعودي يمارس ضغوطا على رئيس السلطة الفلسطينية للقبول بالصفقة ( (B القاضية بتنازله عن الضفة الغربية والقدس المحتلتين لإسرائيل مقابل 10 مليارات دولار عوضا عنهما. وكشف التقرير أن الخطة تتضمن إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة، يتم تسمينها بعمليات نقل غير محددة للأراضي في شبه جزيرة سيناء، وإنه عندما سأله عباس، عن مكان الضفة الغربية والقدس الشرقية في هذه الخطة، أجابه بن سلمان بالقول: إنه «بإمكاننا الاستمرار في التفاوض حول هذا الموضوع». وأكد التقرير على أن هذه الفكرة من بن سلمان كان مصدرها إسرائيل.

كما أن الإدارة الأمريكية شددت على السعودية بضرورة إعلان وفاة المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل، وفي هذا الطلب يكون الأمير السعودي قد ضمن عنصرا جوهريا في الخطة، وهو موافقة المملكة على الانضمام إلى الشراكة الإستراتيجية بين مصر وإسرائيل، عبر معاهدة السلام الخاصة بالقاهرة وتل أبيب، بدون تنازلات إسرائيلية للدولة الفلسطينية، وكان ثمن ذلك السيطرة على جزيرتي تيران وصنافير.

أذكر مقولة للراحل محمد حسنين هيكل، عندما سئل عن موعد تنفيذ قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فأجاب: «عندما تريد السعودية وتصمت مصر».

ولي العهد السعودي، الذي يدّعي محاربة الفساد، اشترى قصر لويس التاسع عشر في باريس بأكثر من 300 مليون دولار، واشترى أغلى لوحة في التاريخ «سالفاتور موندي» أي (مُـخلِّص العالم) للفنان العالمي الشهير ليوناردو دافنشي بمبلغ 450 مليون دولار، ويختا يعود لملك الفودكا الروسي بـ494 مليون دولار! هذا الملياردير (الذي لم يحصل أموال بكدّه وبعرق جبينه) تماما مثل ولي نعمته والوصي عليه صاحب العقارات ترامب، يعتقد أن الوطن صفقة مالية أيضاً! بالله عليكم (سأمتنع عن طرح السؤال، فأنتم تدركون ما أعني، أحبائي القرّاء).

على صعيد آخر، نشر مؤخراً تقرير موسع أعد من قبل البروفيسور مايكل تشوسودوفسكي، وإسرائيل شاحاك (أعدّ في عام 2013)عن مشروع دولة «اسرائيل الكبرى».

بدايةً حريّ التوضيح للدقة، بأن شاحاك توفي في عام 2001، ولا يمكن بالطبع أن يعد تقريرا بتاريخ مسجل بعد وفاته. تشوسودوفسكي اعتمد في تقريره على ما تضمنته مؤلفات شاحاك، وتحديدا المقالات التي كتبها في عام 1988 في صحيفة «جيروزاليم بوست» وتطرق فيها إلى المشروع كما كتب عنها في مؤلفه القيّم «الديانة اليهودية، التاريخ اليهودي، وطأة ثلاثة آلاف سنة». تحدث عن المشروع وشاحاك الراحل عبدالوهاب المسيري في مؤلفه «البروتوكولات اليهودية والصهيونية».

جوهر الفكرة، أنني لا أستهين بالتقرير مطلقاً، لكن المشروع المطروح، معروف منذ ثمانينيات القرن الماضي، بدءًا من ثيودور هرتزل، وهو من طرحه، مرورا بمشروع برنارد لويس عام 1974 وصولاً إلى خطة ينون 2008، لم يغادر عقول الصهاينة، ولذلك رفضوا وسيرفضون ترسيم حدود دولتهم. هذا الموضوع، ورغم كتابة صاحب هذه السطور مقالات عديدة عنه، لكن وعلى ضوء ما جرى طرحه، يتوجب استعراضه في مقالة جديدة.

 

عن جريدة "القدس العربي" اللندنية