كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أن السلطات السعودية طلبت من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عندما استدعته على وجه السرعة إلى الرياض، خلال أزمة احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الشهر الماضي، العمل على إقامة حلف داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان مؤلف من عدد من المليشيات المتشددة من أجل مواجهة "حزب الله".
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين لبنانيين أن الهدف الأساسي من الخطة السعودية السرية، التي فشل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تنفيذها، كان زعزعة الأمن والاستقرار في لبنان في إطار خطة سعودية أشمل لمواجهة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
كما نقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤولين عرب وغربيين، أن أحداً لم يفهم بعد الأهداف الحقيقية التي جعلت محمد بن سلمان يقدم على خطوة التصعيد في لبنان، واستغرب هؤلاء المسؤولون الحملة السعودية المبالغ فيها على دور "حزب الله" باليمن.
وأشاروا إلى أن عناصر الحزب الموجودون في اليمن لا يتجاوز عددهم الخمسين، وبالتالي فإن السلطات السعودية أخطأت في استخدام بيروت لتكون صندوق بريد للخروج من أزمتها المتفاقمة هناك، وبالتالي ردّ الصواريخ الإيرانية التي يطلقها الحوثيون على العاصمة الرياض.
وانتقد الباحث في مركز التقدم الأميركي في واشنطن بريان كاتوليس، ما وصفه بالحسابات الخاطئة لسياسات محمد بن سلمان الخارجية، قائلًا إن "ولي العهد السعودي يحتاج إلى فهم أعمق للديناميات السياسية في الشرق الأوسط، وأن عليه الاستثمار في العلاقات الدبلوماسية".
وأضاف أن "الصراع على النفوذ والسلطة في الشرق الأوسط تغير بشكل جذري، بينما السياسات السعودية تتخبط ولا تحقق النتائج المرجوة".
وفي شأن استدعاء الحريري إلى الرياض، أشار تقرير "نيويورك تايمز" إلى لقاء رئيس الحكومة اللبنانية في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني في بيروت بمستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، علي أكبر ولايتي، الذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير وأثارت غضب المسؤولين السعوديين عليه، فتسلم رسالة عاجلة من الرياض طلبت منه الحضور فوراً إلى العاصمة السعودية من أجل قضاء يوم في الصحراء بصحبة ولي العهد.
وبحسب "نيويورك تايمز"، فإنه لدى وصول الحريري إلى مطار الرياض نُقل الحريري إلى منزله حيث انتظر ساعات طويلة من دون أن يقابله أي من المسؤولين السعوديين. وفي اليوم التالي لم يأت موكب ولي العهد لنقله لمقابلة الأمير محمد بن سلمان، فاضطر إلى قيادة سيارته بنفسه الى قصر الأمير الذي رفض مقابلته، بل استقبله رجال أمن سعوديون، وكأنه موظف سعودي وليس رئيس حكومة بلد ذو سيادة. وتتابع الصحيفة "سلموه خطاب الاستقالة بعدما جردوه من هاتفه الخلوي، ومنعوه من العودة إلى منزله الذي يملكه بالرياض لتغيير ملابسه، لكونه كان يرتدي سروال "جينز" و"تيشير".
وتابعت الصحيفة الأميركية أن الحريري لم يرَ محمد بن سلمان بعد خطاب الاستقالة التي وضعت منطقة الشرق الأوسط برمتها على حافة الهاوية، خصوصاً بعد الصاروخ الباليستي الذي أطلقته جماعة الحوثي على الرياض، ثم توالي الأخبار في الليلة نفسها عن اعتقال الشخصيات السعودية النافذة من أمراء ووزراء ورجال أعمال.
وأشارت الصحيفة إلى أن كثيراً من التفاصيل حول ما تعرض له الحريري من ضغوط في الرياض لم يتم الكشف عنها. وتنقل عن دبلوماسيين غربيين في بيروت أن السعوديين توقعوا أن تؤدي استقالة الحريري إلى تحرك شعبي ضد "حزب الله" لكن تصرف الشارع اللبناني والرئيس ميشال عون الذي رفض قبول استقالة الحريري خيب أمل السعوديين، كاشفة أن التوبيخ الذي سمعه وزير الشؤون الخليجية ثامر السبهان في واشنطن من مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى دايفيد ساترفيلد، بسبب المحاولات السعودية لزعزعة الاستقرار في لبنان، إضافة إلى التحركات الدبلوماسية الفرنسية وقيام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة ولي العهد السعودي، أقنعت السعوديين بالإفراج عنه والسماح بعودته إلى بيروت، حيث تراجع عن استقالته بعد نحو شهر بشعبية أكبر وبمزيد من التقارب مع "حزب الله".
وختمت الصحيفة أن أسباب الاحتجاز وبالتالي الاستقالة لم تكن مبررة، خصوصاً أن بعض التنازلات كانت لتحصل من دون إحداث هكذا عاصفة، معتبرة أن تفاصيل إضافية حول احتجاز الحريري ما زالت غامضة وغير معروفة، خصوصاً أنها محرجة للرجل وأنه في أكثر من مناسبة رفض الكشف عنها.