عماد العلمي وغيبوبة الغياب.. لقد أوجعنا هذا الرحيل يا أبا همام!!

thumbgen (4).jpg
حجم الخط

 

شكل سماع خبر إصابة المهندس عماد العلمي (أبو همام)، القيادي في حركة "حماس"، بطلق ناري في رأسه صدمة وتساؤلات لكل من عرفه أو تعامل معه في ساحتنا الفلسطينية، فالرجل لا أعداء له داخل صفوف الحركة الوطنية والكل ينظر إليه بتقدير واحترام. كما أنه شخصية محبوبة بين إخوانه في حركة حماس، وكنت أعتبره "الشهيد الحي" بيننا، لعلمي بأن الإسرائيليين يطلبون رأسه، وأنه في دائرة الاستهداف.

وقد حاولت إدراج قصة حياته في كتابي الموسوم "هكذا عرفناهم: شهداء وأحياء"، إلا أني وجدت أن هناك صفحات نضالية وجهادية في حياته لا يرغب في الحديث عنها – آنذاك - فأرجأت موضوع الكتابة عنه لحين صدور الجزء الثاني من الكتاب.

كان الأخ عماد يميل في حياته للصمت والعمل بهدوء، ويتجنب الأضواء ويفضل الابتعاد عنها، بالرغم من عمله في بعض الفترات على رأس الدائرة الإعلامية، الأمر الذي يستدعي منه التعاطي مع الفضائيات والظهور على شاشاتها.

حقيقة، إن الأخ عماد العلمي يُعدُّ من أنبل رجالات الحركة الإسلامية منذ التحاقه بها في بداية السبعينيات، وذلك على يد الشيخ الشهيد أحمد ياسين، والذي كان هو الأب الروحي لجيلنا من الشباب بعد انتكاسة عام 1967، حيث شهدت تلك الفترة تحولات فكرية واسعة، دفعت الكثير من الشباب المنتمين للفكر الناصري أمثالنا بالانتقال إلى مربع العمل الإسلامي، والذي كان الإخوان المسلمون هم حاضنته الفكرية وواجهته الدعوية والحركية.

التحق الأخ عماد بالحركة الإسلامية في عام 1974، أي بعد أنهى الثانوية العامة، وكان من بين أهم الكوادر الشبابية فيها، نظراً لأنه جاء من خلفية ارستوقراطية، كونه ابن أحد العائلات المشهورة من ناحية المكانة والمقام في غزة وهي عائلة العلمي؛ أي أنه كان (ابن أكابر)، وكنا نفخر بأن حركتنا لم تقتصر فقط على أبناء المخيمات، حيث استطاعت أن تصل حتى إلى أبناء الذوات.

بعد تخرجنا من الجامعات المصرية في نهاية السبعينيات، عدنا إلى قطاع غزة، وشكلت حركيتنا الدعوية وأنشطتنا الفكرية كشباب جامعي متميز من ناحية الفكر والأخلاق ظاهرة لفتت أنظار الكثيرين وشدَّت انتباههم، وشجعتهم للالتحاق بالحركة الإسلامية، والتي أصبحت لها عناوين غير المساجد، كالجمعيات الخيرية والنوادي الرياضية والنقابات العمالية والتعليمية والكتل الطلابية في الجامعات.. لقد شهد قطاع غزة حالة من شدِّ الرحال باتجاه معسكر الإسلاميين ومن يمثلهم كقيادات دعوية وحركية، أمثال الشيخ أحمد ياسين والأستاذ عبد الفتاح دخان والأستاذ حماد الحسنات والشيخ عز الدين طه والشيخ محمد النجار والحاج محمود محسن والدكتور إبراهيم اليازوري... الخ

كان الأخ المهندس عماد العلمي من بين ذلك الجيل أو الرعيل الأول من جيل الشباب، الذي يعود الفضل في تنظيمه إسلامياً للشيخ أحمد ياسين، حيث كانت مدونة السلوك القويم لهؤلاء الشباب هي من شكلت الانطباعات الإيجابية عن الحركة الإسلامية، ورفعت أسهمها بين الناس، وعاظمت من حظوظ الالتحاق بها، وخاصة مع تعالي نبرتها الوطنية، وتحركها باتجاه القيام بعمليات مقاومة للاحتلال.

كانت بداية معرفتي بالأخ عماد العلمي في غزة عام 1972، حيث كانت تجمعنا كشباب إسلامي الأنشطة الصيفية، ثم خلال سنوات تواجدنا في مصر للدراسة، حيث تمَّ قبوله في كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية فيما سبقته بعامين إلى كلية الهندسة بجامعة الأزهر، حيث كانت تجمعنا اللقاءات الإسلامية والمناسبات الدينية في القاهرة من حينٍ لآخر.

بالطبع، كانت زيارتنا السنوية لقطاع غزة، والجلوس مع الأستاذ والمربي الشيخ أحمد ياسين وتبادل الحديث معه حول أحوالنا الدعوية والحركية، وأوضاع العمل الإسلامي تحت الاحتلال، هي أهم ما كان يشغل بالنا جميعاً.. كنا نسمع منه وننقل له مشاهداتنا عن الحالة الدينية في مصر، وما هي عليه أوضاع الإسلاميين هناك من حراك وحيوية ومن تمدد وانتشار.. كانت تلك الأحاديث تبعث التفاؤل والأمل وتعزز وضعية الاطمئنان لمستقبل الإسلام في المنطقة، حيث إن مصر هي الدولة المركزية الأهم بالنسبة لنا كفلسطينيين، وأن التمكين للصحوة الإسلامية وحركة النهوض الديني فيها معناه تعزيز إمكانيات الأمة باتجاه دعم قضيتنا ونصرتها.

سبع سنوات قضيناها في الدراسة والترحال بين القاهرة وغزة، وكانت متابعاتنا فيها لمشهد صحوة الإسلام تزيدنا – يوماً بعد يوم - ثقة وقوة ويقيناً بمشروعنا الإسلامي، ومكانة قضيتنا الفلسطينية؛ باعتبارها القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية.

بعد التخرج من مصر، سافرت مع بعض الإخوة للإمارات للعمل هناك، فيما مكث الأخ عماد في غزة، حيث فتح له مكتباً هندسياً مع بعض الزملاء لممارسة المهنة التي أحبها؛ أي الهندسة المدنية.

في 8 كانون الاول 1987 كانت الانتفاضة، حيث تحرك الأخ عماد ملبياً متطلباتها كأحد المرابطين على الثغور، وكان أحد جنودها السرِّيين إلى جانب الأخ إسماعيل أبو شنب، حيث عمل مع الأخ الشهيد صلاح شحادة (رحمه الله) في المكتب الإعلامي، والذي ترأسه بعد اعتقال الأخ صلاح عام 1988.. سعدت بالعمل مع الأخوين صلاح وعماد لأكثر من عام، حيث غادرت بعد ذلك لاستكمال دراسة الدكتوراه في أمريكا في مايو 1989.

إن تلك الفترة بيومياتها المثيرة وضغوطاتها الكبيرة، اتاحت لي معرفة الأخ عماد العلمي بشكل لا يخامره الشك بأنني أعمل إلى جانب أخ فيه من الوطنية والشجاعة والخلق الحسن ما يستحق أن يمنحه لقب القائد، الذي يعرف كيف يكسب إخوانه ويشدهم إليه، ويجعل كل واحد منهم يشعر تجاهه بالاحترام والتقدير، حيث كان بأدبه الجمِّ، وتواضعه وحسن إدارته، يحافظ على ارتباطهم وإحساسهم بعروتهم الوثقى، واعتزازهم بانتمائهم الإسلامي، وبالحركة التي مثلت لهم موثقهم مع الله، وشكلت رؤيتهم الوطنية لمشروعهم النضالي في التحرير والعودة.

الاعتقال والإبعاد عن الوطن

بعد ستة أشهر من اندلاع الانتفاضة، اعتقلته قوات الاحتلال برفقة المئات من أبناء الشعب الفلسطيني، وحكم عليه بالسجن لمدة عامين، وذلك بتهمة "التنظيم والتحريض من خلال اللجنة الإعلامية التابعة لحركة حماس، والقيام بنشاطات إعلامية بغرض تخليد أعمال الحركة، وذلك وفق ما جاء في لائحة الاتهام التي قدمت ضده. وفي عام 1990، أفرج عنه من سجون الاحتلال ليعود ويمارس نشاطه في إطار عمل الحركة، ليعاد ويتم اعتقاله في كانون الثاني 1991، إلا أن قوات الاحتلال والتي خبرت العلمي في زنازينها عام 1988، آثرت ان لا تتعب نفسها معه مرة أخرى؛ لأنها تعرف تماماً أنها لن تنتزع منه أي اعتراف، ليتم إبعاده برفقة ثلة من قادة حركة حماس، وهم: مصطفى اللداوي، ومصطفى القانوع وفضل الزهار، حيث كان يوم إبعادهم أحد الأيام المشهودة في تلك الانتفاضة من مواجهات عارمة في كافة أنحاء قطاع غزة والضفة الغربية.

واصل الأخ عماد العلمي نشاطه في إطار حركة حماس، وتنقل بين عدة دول عربية، وكان له دور كبير وفعَّال في دعم القضية الفلسطينية والانتفاضة في كافة مراحلها، قبل أن يصبح عضواً في المكتب السياسي للحركة وممثلاً لها في طهران لعدة سنوات.

اللقاء في لبنان وسوريا

في عام 2001 التقيته لساعات في دمشق، حيث جمعنا حديث الذكريات في مكتبه بحي اليرموك، وكانت فرصة لي للتعرف على تطور عمل الحركة ومجالات تحركها في الساحة التي يتواجد فيها أكبر مخيم فلسطيني في العالم العربي.. وكما عهدته في صدقيته وطهارته وأخلاقه، حيث لم يتغير شيء من قائمة الفضائل التي عرفناها في شخصيته، بل ربما كان أكثر ثورية وصرامة في مظهره وأسلوب حياته.

بعد عودتي إلى أرض الوطن في يشباط 2006، وعملي كمستشار سياسي لرئيس الزوراء السابق إسماعيل هنية، سافرت أكثر من مرة إلى سوريا، حيث كانت تجمعنا مع الأخ عماد في مكتبه لقاءات تنظيمية وأخرى اجتماعية في بيته بـ"حي دمَّر" في العاصمة دمشق، وكم كنت أجد نفسي أمام أخ متفانٍ في خدمة إخوانه، ويعمل لقضيته ليل نهار، زاهد في حظوظ الدنيا بالشكل الذي يفرض عليك احترامه، والشعور بأنك أمام رجل يعمل لآخرته، ويدرك بأن حياته هي "مشروع شهيد".. ولذلك، تجد في مظهره جديِّة وهيبة أكثر من غيره من قيادات حركة حماس.. وعندما كانت تطرأ خلافات أو تباينات في وجهات النظر داخل الصف حول بعض المسائل التنظيمية، كنت تجد مواقفه الحكيمة وسعة صدره من ناحية، ولكنه في المقابل لا يقبل الدنية في المواقف أو مجانبة قول الحق، وهو كما كان الخليفة عمر بن الخطاب (رض) يقول: "يعجبني الرجل إذا سيم خطة ضيم أن يقول لا بملء فيه".. هكذا عرفت الأخ عماد (أبو همام) في محطات تنظيمية في الداخل والخارج.

في شباط 2012، عاد إلى أرض الوطن، بعد فترة غياب امتدت لعقدين من الزمن، وفي أول تصريح له فور عودته عبر معبر رفح، قال العلمي: "عودتي لفلسطين هي لحظة انتصار للمقاومة، التي حررت غزة، وكما عدنا لها اليوم سنعود للقدس إن شاء الله".. حمله إخوانه في قيادة حركة حماس على رؤوسهم، وأخذ موقعه التنظيمي الذي يستحق في المكتب السياسي ومجلس الشورى العام.

وفي الحرب الأخيرة على قطاع غزة عام 2014، كان إلى جانب إخوانه في قيادة الحركة وإدارة المعركة الدائرة مع جيش الاحتلال إلا أنه أصيب في إحدى قدميه، وتمت معالجته في تركيا، حيث عاد من جديد إلى موقعه في قيادة الحركة، قبل أن يقرر الترجل عن فرسه لظروف صحية ألمت به بعد ذلك.

كانت لقاءاتنا الكثيرة في مكتبه، حيث كنت أسعد في اصطحاب الكثير من السياسيين والدبلوماسيين الأجانب الراغبين في اللقاء به، والتعرف على شخصيته وفكره السياسي، وكان يترك من خلال منطق الحوار والحسِّ الوطني والمرونة السياسية انطباعات إيجابية لدى كل من التقاه.

خلال عملنا بمجلس الشورى العام كنا نلمس فيه لغة وطنية جامعة، والتزاماً بما يتوافق عليه إخوانه، وكانت قيادته من خلال موقعه كنائب لرئيس المكتب السياسي تمنحه فضاءً من الصلاحيات تجعل من مكتبه مقصداً للكثير من إخوانه، للتعاطي مع تساؤلاتهم ومشاكلهم، وكان الكل يأنس إليه، ويجد في مجلسه الراحة والاحترام.

أتذكر في أكثر من مناسبة أنه تمَّ طلب اللقاء بي لمراجعتي حول بعض التصريحات السياسية، التي صنَّفتها جهة الرصد الإعلامي في الحركة بأنها "تغريدات خارج السرب"!!

كان الرجل لشدة طيبته وحبه لإخوانه و"العِشرة الطويلة" التي جمعتنا في محطات العمل، يحرص عند اللقاء أن يشاركه "جلسة المراجعة أو المحاسبة" أحد الأخوة كبار السن في قيادة الحركة؛ لأن ما بيننا من حالة التآخي والاحترام كانت تجعله - ربما - يشعر بالحرج من طرح الأسئلة والتساؤلات التي قد تستفزني، وهو يعلم ما بيننا من الصحبة والتوافق على مستوى حركية الوعي، والتطابق - إلى حدٍّ ما - في وجهات النظر، مما كان يجعله يتفهم الموقف، ويلتمس لي فيه عذراً، ويترك عن قصد للأخ الآخر طرح المحرج من الاستفسارات.

لم أشعر يوماً تجاهه إلا بكل الاحترام والتقدير، وأنني أمام رجل نذر حياته لله، فلا يعرف الكِبر طريقه إلى نفسه، ولم أشهد عليه عنجهية أو استعلاء، حيث غلبت عليه الطيبة، وكان ودوداً في تعاملاته مع إخوانه، ومع كل رفقاء العمل الوطني.. ولعل الإشادة التي أبداها لي أحد قيادات حركة فتح الذين تعاملوا معه في المعتقل عام 1989، حيث ذكر بأن الأخ عماد كان وحدوياً ومحبَّاً للحوار، وكان له "سهم خير" في تخيف الاحتقان بين كوادر فتح وحماس، كما أنه - وفي سياق العتاب - كان حزيناً لكل ما جرى من صراعات تنظيمية واتهامات صبغت بعض مراحل الانتفاضة، وأوغلت الصدور.

إن ما كتبه عنه رفيق الزنزانة والإبعاد د. مصطفى اللداوي في مقال له بعنوان: "ويبقى العلمي عقلاً وضميراً"، هو الأصدق توصيفاً وتعبيراً، حيث أشار بأنه كان يسعى دائماً للمصلحة العامة، ولا يسعى لمصلحة شخصية خاصة، وأضاف: "إنه عمادٌ الذي عرفته في السجن، وسكنت معه في زنزانةٍ ضيقة، ورافقته في الإبعاد، وعشتُ معه وقريباً منه ردحاً من العمر، فعرفته لا يغضب لنفسه، ولا يُستفز لذاته، ولا يسعى لمصالحه، ولا يقاتل من أجل مكاسبه، ولا ينافس لرفعةٍ، ولا يعاند نكايةً، ولا يظلم نقمةً، ولا يتآمر انتقاماً، ولا يحالف خبثاً، ولا يصادق جبناً، ولا يسكت عن خطأ، ولا يرضى عن انحراف، ولا يقبل بزيفٍ أو ضلال". وأضاف كذلك: "إن الصمت والهدوء من طبيعته، فهو صامتٌ لا يتحدث إلا قليلاً، ولكنه إن تحدث فالدرُ كلامه، والفيصل حكمه، والحكمة قوله، كلماته معدودة، يعدها السامعون، ويحفظها المتلقون، وصوته خافتٌ لا يكاد يدركه المحيطون، لكنه عميق الفكرة، صائب الرأي، صادق القول، جادُ المسعى، حاسم الحكم، لا يرائي فيه ولا يداهن، ولا ينافق ولا يساوم، ولا يقوله رضىً لفريقٍ أو حرصاً على مكانة، بل يقول كلمته بحقٍ ولو أغضبت، ويصدرها كطلقةٍ ولو أصابت، ويقطع بها كسيفٍ ولو أوجعت".

فعلاً؛ هذا هو عماد (أبو همام) الذي عرفناه عن قرب، وتعايشنا معه تنظيمياً لسنوات، وقد خرج أكثرنا بانطباعات طيبة عنه، فهو أقرب في أخلاقياته العالية لجيل المصطفين الأخيار، وفي سلوكياته كان رجل النهج والأثر، وممثل القدوة الحسنة التي تحتذى.

إن كل تلك الرحلة الطويلة التي ابتدأناها منذ أوائل السبعينيات وحتى تلك الطلقة الطائشة التي غيبته قبل أن نلتقيه، فلم نره لأكثر من عام بسبب تلك الحالة المرضية، وصار من الصعب علينا أن نلقاه إلا في أحلامنا.

الحلم جنين الواقع.. فلِم الغياب؟!

أتذكر أنني مع بعض الإخوة المقربين جداً منه حاولنا ترتيب زيارة له، إلا أننا كنا نواجه برد عائلي أن حالته الصحية لا تسمح – الآن - بذلك!! ومن كثرة إلحاحي وتفكيري في مسألة زيارته، شاهدته يوم 25 تموز 2017 في المنام برؤية أسعدتني، وكتبت يومها التغريدة التالية: أخي الحبيب عماد العلمي... الأحلام وحدها لا تكفي للمشاهدة، ولا تغني عن اللقاء!! بعد أن انهيت صلاتي فجراً، ذهبت إلى فراشي لاستكمال ساعات النوم، والتي كنت أحياناً أنشغل فيها بالكتابة، ولكني هذه المرة ولظرفٍ صحي عابر آثرت الإخلاد إلى النوم.

لحظات من هذها "التعسيلة" أو الغفوة الصباحية، وإذ بي أجد نفسي اتحاور مع بعض الأخوات في شأننا الوطني.. وفجاءة توقفت سيارة ونزل منها الأخ عماد العلمي (أبو همام) مبتسماً وبعافية وشباب، قلت له: يا هلا أخي أبا همام، والله زمان القمر ما طل.. سعداء برؤيتك.. وبعد حديث قصير دار بيننا، اتفقنا أن نذهب إلى مكان آخر لنواصل الحديث حول الهم الوطني. وجدنا أنفسنا بعد قليل في مشهد آخر أمام بيت د. موسى أبو مرزوق، والرجل يحمل الورود وتجهيزات طعام الغذاء، الذي دعانا اليه.. وقبل أن يأتي وقت لغذاء، داهمت مناني أشعة الشمس الدافئة، وأيقظتني عنوة.. ابتسمت، وحمدت الله على هذا الحُلم، الذي سعدت فيه برؤية أخي عماد بعد فترة غياب طالت قليلاً، توجست فيها خيفة عليه وعلى أوضاعه الصحية، والتي كانت الإجابة كلما سألنا عنه، أنه "شويه بعافية".

أخي الحبيب عماد (أبو همام) اشتقت إليك، وإلى طلتك البريئة البهاء، والمليئة بالطهر والوطنية والصفاء.. بعد الإفطار، قلت لزوجتي: لقد شاهدت أخي عماد الليلة في المنام، وسأحرص اليوم – إن شاء الله - على الاتصال به أو حتى زيارته إن تيسرت الأمور خلال اليومين القادمين، للاطمئنان على حالته الصحية. ومضت الأيام ولم نتمكن من الزيارة، إلا أني أرسلت له عن طريق أبنه وأخيه الكثير من السلام.

على لساني وفي عقلي كلام كثير، ولكن أوجاع اللحظة والغياب، وحالته الخطرة في المستشفى تقدم أولوية الدعاء له بالرحمة والمغفرة وتمنيات الشفاء على أي تساؤلات أو تفسيرات أخرى، ليس اليوم مجال إثارتها أو حتى التفكير بها.

سنفتقدك يا أبا همام.. سنفتقد فيك الأخ العزيز؛ رفيق الدرب والكثير من سنوات رحلة العمر، سنفتقد فيك علماً من أعلام الزمن الجميل، ورجلاً صالحاً كان يُذكِّرنا دائماً بأخلاقه العالية، وأدبه وتواضعه بصحابة رسول الله (ص).

ليالينا دموعها موجعة يا أبا همام، ولكن إيماننا بالله هو ملهمنا للصبر والسلوان.. كم كنت حريصاً على المصالحة وإنهاء الانقسام، وكم بذلت من الجهد في سبيل ذلك، ولكن - للأسف - ظلت تلك المصالحة معضلة تراوح في المكان، فيما الزمن يعدو بنا بلا راية ولا عنوان!!