بقلم: ايال ليفي
22حزيران2015
في صفحة فيس بوك التابغة لشلومي حاتوخا لن تجدوا صوراً لمراسيم إنهاء صف البستان للأولاد. إنها صفحة واعدة، وهي رسالة حاتوخا في الحياة. يركز حاتوخا في السنوات الأخيرة في صفحته على شهادات، مقاطع أفلام، وصور من أجل البحث عن أقرباء كجزء من الصراع الذي يديره حول خطف الحكومة الإسرائيلية أولادً من اليمن، والشرق، والبلقان. هذا المساء (أمس) يوم الذكرى بهذه القضية المؤلمة.
«أحاول ألا يشغلني هذا الموضوع طول العام، لكن توثيق القصص التي تصل يجعل الموضوع مكثفا جدا». واعترف حاتوخا: «أطلب أن يرسلوا لي صورة وقصة، فأقوم بالنشر. هناك من توجد له أمنية شخصية في إيجاد الاخوة، أو اولئك الذين يريدون تحقيق وصية الوالدين. هذه مآس من الصعب فهم حجمها».
-هل تستطيع تحديد ما حصل في حينه بالارقام؟
*»يدور الحديث عن آلاف. أنا شخصيا أعرف عن مئات الحالات. نشرتُ اضافة الى اليميين عن التونسيين والليبيين أيضا. بل كان هناك اشكناز اختطفوا، وناجون من الكارثة. أعرف عن ثلاث أو اربع حالات كهذه، منذ قيام الدولة، وخلال 20 سنة بعد قيامها، لكن تركيز الخطف كان في الخمسينيات، والعام 1953 كان الأصعب».
ما زال أولاد اليمن هم الأغلبية بين المخطوفين. حسب القصص التي جمعها، كان هناك طريقتان للخطف: الطريقة الاكثر انتشاراً كانت من خلال الأمهات اللواتي أنجبن في المعابر، حيث كانوا يأخذون الاطفال وبعد ذلك ببضعة ايام يقولون إن الطفل مريض، وقد نقل الى المستشفى، وهناك يقولون إنه مات.
في حالات اخرى ثمة أمهات أنجبن في القرى الزراعية، وتم أخذ الطفل بعد أن مرض، وتوجهوا الى الطبيب المحلي الذي بدوره يحوله الى المستشفى. هناك ايضا يُقال لهن إن الولد قد مات.
«لا توجد جثة»، كما يصف شلومي، «فكر في أنه في الطرف الثاني من العالم يستيقظ اليوم يمنيون أو مغاربة ويكتشفون أنه تم تبنيهم. في جميع الحالات تبين أنهم قالوا للأم إن طفلها توفي».
- ماذا كان الدافع؟
*»لولا الحاجة إلى التبني لما حدث شيء. تستطيع اليوم رؤية ما هم مستعدون لفعله. السفر الى آخر العالم، دفع الكثير من المال. دافع قوي جدي. كان الحل في أولاد اليهود الشرقيين. من أجل حدوث ذلك يجب أن تتعامل معهم كبهائم. وتقول لنفسك إنهم لا يتلقون الرعاية الكاملة، غير متطورين. وكان الهدف الربح المادي. كانت دولة اسرائيل في وضع اقتصادي متدن. وكانت ثمة شهادات حول اطفال تم توزيعهم حسب المفتاح الحزبي».
حاتوخا نشيط في جمعية «عمرام» التي تختص بهذا الموضوع، وتبقيه على جدول العمل اليومي. وقد اكتشف أن عائلته ايضا جزء من القضية بعد موت جدته، وقالت له أمه عن السر العائلي. «جدتي أنجبت توأما في المستشفى في بيتح تكفا. سألوها اذا كانت مستعدة لتعطيهما للتبني، لأن لديها الكثير». وقال: «تلفظت بأدب. طلبوا منها الذهاب الى البيت والعودة كل يوم للارضاع. وصلت في اليوم التالي فقالوا لها إن احدى الطفلتين ماتت. وقالت لي أمي إنه بعد بضعة ايام سألت الجدة عن ابنتها. لا تستطيع أن تفقد ولدا ولا تفكر في الامر».
- لماذا لم تروِ لك الجدة ذلك؟
* «الكثير من الآباء شعروا بالذنب والخجل. هذا حدث للآباء الذين كانوا يتركون ابنهم في المستشفى. كان هناك طاقم طبي يطلب الأولاد. الولد يختفي. وحينما فهموا خلال السنين أنهم خُدعوا كانت هذه صفعة حقيقية. ولاحظوا أمرا غريبا، ليس هناك جثة ولا قبر ولا شهادة وفاة. وهناك من تلقى فيما بعد أمر التجنيد».
ملاحقة العدالة
أعلنت جمعيتا «عمرام» و»شحريت» عن يوم للتعارف، حيث يصادف اليوم (أمس) الذكرى الثانية. وفي هذا الاطار سيتم اقامة نشاطات في القدس، حيفا، وتل ابيب.
«لدينا الكثير من العمل في هذا الشأن»، تقول ياعيل غولان، من منظمي الذكرى ونائبة مدير المعهد وصحافية سابقة – مساعدة منتج برنامج «عوفده». «ما زال هناك من يعتقد أن هذه قصة وهمية، لكنها ليست كذلك. رغم صعوبة استيعاب ذلك إلا أن هذا قد حدث».
في أيلول نشرت غولان قصتها الشخصية في الفيس بوك. وحصلت على مئات التعليقات. «جدي وجدتي جاءا من دمشق في العام 1949 مع ستة اولاد. الأصغر بينهم كان رافي الذي كان ابن خمسة أشهر. وصلوا الى المعبر، وهناك مرض الطفل الصغير، فاقترح الجيران أخذه الى المستشفى لأنه لا يوجد علاج في المعبر. أخذوه وتركوه. وعندما عادوا للزيارة قيل لهم إنه مات. كانوا أناساً متعلمين ومتدينين. سألوا كيف مات، فمرضه لم يكن مرضا شديداً. وأجابوهم «مات». جدي قال لهم إنه انسان متدين، ولهذا يريد الجلوس سبعة ايام حداد. طلب رؤية الجثة، فقالوا لا توجد جثة. وطلب شهادة الوفاة، وقالوا لا توجد. أين القبر؟ لا يوجد قبر. جلسوا من اجل رافي سبعة ايام، لكن استغرقهم الأمر وقتا طويلا للوصول الى شهادات متشابهة لدرجة مخيفة. في المستشفى الحكومي أخذوا الولد، ببساطة. وتألم جدي وجدتي حتى موتهما، فالولد لم يتركهما. ولم يؤمنا أن دولة اليهود التي وصلا إليها تفعل أشياء كهذه».
- هل تحدثت مع جدتك عن ابنها؟
* «كل حديث مع الجدة، بغض النظر عن مضمونه، كان يؤدي الى رافي وكيف اختطف. كان عمره نصف عام، بحثنا عنه سنوات. تحدثت أمي في القناة الاولى عند ران عفرون في أواخر السبعينيات. وقد وصلتنا معلومات، وتم أخذ الـ دي.ان.إيه، لكن هذا لم يساعد. أنا الجيل الثالث وأشعر بواجبي تجاههم وتجاه المجتمع الاسرائيلي لمعرفة القصة. هذا امر يحتاج الى تصحيح. هذه قصة تربت عليها قبيلتنا. ببساطة نريد العدل».
جاء يوم الذكرى متزامنا مع موت عوزي مشولام، الذي توفي قبل عامين. مشولام معروف بنضاله في موضوع المخطوفين، قبل عشرين سنة تموضع في بيته مع مؤيديه وكانوا مسلحين. سجن ست سنوات ونصف وبعدها هاجر الى كندا وهناك توفي في العام 2013.
«أطلق الحاخام مشولام على ذلك اسم خطف يهود اليمن، الشرق، والبلقان». تقول نعمه قطيعي، وهي ناشطة في جمعية «عمرام». «كان يريد التدقيق في التفاصيل. وقد خاض صراعا مهما ودفع ثمنا باهظا».
قطيعي ايضا اكتشفت في مرحلة متأخرة أنها جزء من القصة. «جدتي أنجبت طفلا في المعبر، وكان معها اربع نساء أنجبن ايضا. الممرضات ضغطن عليهن لكي يتركن الاطفال في الحاضنات، وبعد بضعة أيام قالوا إنهم مرضوا وأخذوهم الى المستشفى. يبدو أن جدتي شكت بالامر، وقالت لجدي تعالي نذهب ونبحث عن الطفل. جدي قال لها اتركي الامر، فهو مريض وسيعود. لم تكن مستعدة لتسمع، فذهبت لتبحث الى أن وجدت الطفل وأعادته. وقالوا لباقي النساء إن اطفالهن ماتوا. وفقدت جدتي منذ تلك اللحظة الثقة بالمؤسسة. لم تعرف القراءة والكتابة، لكن أبي ساعدها في البحث عن جميع المقالات والمعلومات فيما يتعلق بهذا الامر، وهي لم تغفر أبداً».
-كيف دخلت الى هذا النضال؟
* «بشكل عاطفي. تضامنت مع الخوف. ماذا كنت سأفعل لو أنهم أخذوا ابنتي؟ يصعب على المجتمع الاسرائيلي الاعتراف بالمظالم التي فعلها. ليس فقط تجاه الشرقيين، بل طوائف اخرى وقادمين جدد. هذه إشارات لمجتمع مريض، لذلك مطلوب التصحيح والاعتراف. ونطمح في أن يكون اعتراف رسمي وأن يعرف كل ولد هذه القضية مثل باقي القضايا الصعبة في التاريخ الاسرائيلي. لا يمكن القول إن هذا لم يحدث».
بدون لجان
أقيمت اربع لجان تحقيق لفحص موضوع الاطفال المخطوفين. كانت آخرها في العام 1995، بعد قضية عوزي مشولام والضجة التي أثارها. وترأس اللجنة القاضي من محكمة العدل العليا يعقوب كدمي. وفي العام 2001 تم تقديم تقرير من ألف صفحة.
كانت الخلاصة أن 56 من المفقودين لا يوجد بخصوصهم أدلة قاطعة، ويمكن أنه تم تقديمهم للتبني. بخصوص 733 آخرين قالت اللجنة إنهم ماتوا. هذا لا يقنع قطيعي واصدقاءها، وهم غاضبون لأن بروتوكولات تلك الجلسات بقيت سرية وسيتم فتحها فقط بعد عشرات السنين. لديهم جميع الأدلة بدون تلك اللجنة.
«عندي الاخوة والاخوات والامهات الذين تم خطف اولادهم من بين أيديهم، وشهاداتهم تكفي». وتضيف قطيعي: «لا أنتظر مجيء لجنة تحقيق لكي تروي ما حدث». حاتوخا ايضا غير مستعد للتراجع: «ليس واضحا ما الذي سيحدث اذا اعترفت الدولة بهذا الامر، ترسل رسائل وتقوم بفحصوات الـ دي.ان.إيه. تستخدم قوتها من اجل اصلاح الظلم. تخيل كم حالة من لم الشمل ستحدث؟ لكنهم يخافون، الخوف من النتيجة والخوف من الخسارة. يصعب على الدولة الاعتراف بأنها خطفت وتاجرت بالاولاد».
قد يزيد ذلك الانقسام داخل الشعب.
«ليس هناك رغبة عند اليمنيين في حدوث حرب أهلية. فهم مسالمون. العائلات تريد أن يقوم أحد ما ويقول إن هذا قد حدث».
عن «معاريف»