23 حزيران 2015
أصبح تشكيل الحكومة «فزّورة» مثل فوازير رمضان. فبدأت القصة بُعيد تشكيل الحكومة عندما لم تستطع الإقلاع بسبب الخلافات داخلها، وفي ظل وجود حكومة موازية لها في قطاع غزة، ولأن أي حكومة تحت الاحتلال وفي ظل القيود المجحفة المترتبة على «اتفاق أوسلو» لن تستطيع أن تحكم، فالحكم بيد الاحتلال وما تبقى من فتات «شؤون إدارية وخدمية» يقرر به الرئيس وليس الحكومة التي هي مجرد واجهة لا أكثر.
بدلًا من مواجهة الحقيقة ومعالجة الأسباب التي تحول دون نجاح الحكومة طالب الحمد الله بإجراء تعديلات على الحكومة بتغيير وزراء ليسوا على انسجام معه، خصوصًا أن تشكيلة الحكومة قد فرضت عليه مثلما قال بعظمة لسانه في برنامج «حكي على المكشوف»، ويريد هذه المرة أن يضيف وزراء منسجمين معه، أو أن يشكل حكومة تكون منسجمة مع رئيسها، وطلب منه الرئيس أبو مازن الانتظار لأسباب عدة حتى تتضح الصورة بعد الانتخابات الإسرائيلية، وهل سيكون هناك تحرك سياسي لإحياء ما يسمى «عملية السلام» أم لا؟ إضافة إلى أن أي تعديل على الحكومة أو تغييرها بحاجة إلى توافق مع «حماس».
وشهدنا فصولًا جديدة من القصة بالجولات السياحية للحكومة لإثبات وجودها في قطاع غزة التي انتهت بمحاصرة الوزراء وتقييد حركتهم على خلفية الخلاف حول الموظفين المستنكفين بقرار والموظفين الذين عينتهم «حماس»، إلى أن تقدم نائب رئيس الحكومة، وزير الاقتصاد، بالاستقالة، بينما غاب النائب الآخر عن العديد من الاجتماعات دون تقديم استقالته بعد فشل مساعيه للتوفيق بين الحكومة والحكومة الموازية، وبلغت الحكاية ذروتها بالملاسنة ما بين رئيس الحكومة ووزيرة التربية والتعليم التي خرجت من الاجتماع بعد إعلانها أنها باقية في الحكومة.
وبعد ذلك، شهدنا فصولًا جديدة بإعلان الرئيس في اجتماعات المجلس الثوري أن الحكومة ستستقيل خلال أربع وعشرين ساعة، وقام مستشاره في اليوم التالي بالإعلان عن استقالة حكومة الحمد الله، وأن الرئيس كلّفه بتشكيل حكومة أخرى، ثم نفى الناطق المعتمد باسم الرئيس استقالة الحكومة، وأعلن أن الأمر برمته أُحيل إلى اللجنة التنفيذية للبت فيه. «فماذا عدا عما بدا» لكي تبت التنفيذية في أمر بمثل هذه الأهمية، وهي في العادة تكون آخر من تعلم، وتقوم بدورها المشهود بالمصادقة أو بالصمت على ما يقرره الرئيس.
في ضوء ما سبق، هناك عدة سيناريوهات مُحتملة لشكل الحكومة القادمة:
السيناريو الأول: أن تستمر الحكومة بصورتها الحاليّة، ولكن بتغيير بعض الوزراء الذين على خلاف مع الحمد الله، وإضافة وزراء جدد لإنهاء ظاهرة تسلم وزراء أكثر من حقيبة وزارية، وهذا السيناريو قابل للحدوث لأن الحكومة الحاليّة مستمرة لم تُقل ولم تَستَقل كما تبين بعد الدربكة التي حصلت.
العقبة التي تحول دون حصول هذا السيناريو أنه بحاجة إلى مواقفة «حماس»، لأن الحكومة إذا عُدِّلت من دون موافقتها سنعود إلى نقطة الصفر، وستشكل «حماس» في هذه الحالة حكومتها أو هيئة وطنية لإدارة القطاع؛ الأمر الذي يفسح المجال لتحول الانقسام إلى انفصال، وسيعزز من احتمال إقامة «دويلة» غزة، وفرص عقد صفقة أمن وهدنة طويلة الأمد مقابل رفع الحصار. وتبقى موافقة «حماس» ممكنة إذا أعطيت شيئًا مثل صرف رواتب موظفيها ودمجهم في الهيكل الوظيفي للسلطة.
السيناريو الثاني: تشكيل حكومة من منظمة التحرير بمشاركة بعض المستقلين، وهذا يعني أن دور «فتح» في الحكومة سيكبر، ويمكن أن تلعب الحكومة في هذه الحالة دورًا سياسيًا أكبر (مثلًا في المفاوضات إذا تم الاتفاق على استئنافها، لا سيما بعد إبداء الحمد الله مرونة حيال شروط استئنافها).
والعقبة أمام هذا السيناريو أن الجبهة الشعبية حتمًا، وربما الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب، لن يشاركوا في هذه الحكومة لأنهم دعوا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وهذا إن حصل سينزع عنها الغطاء السياسي وسيحدث خلافًا بين فصائل المنظمة، وسيعزل حركة فتح التي ستبدو في جهة مع فصائل لا يوجد لها أي تمثيل يذكر. كما أن هذا السيناريو يعني تكريس الانقسام وتعميقه وعودته إلى نقطة الصفر وربما أقل منها.
السيناريو الثالث: تشكيل حكومة وحدة وطنية قوية، وإذا كانت برئاسة الرئيس يكون الوضع أفضل، ومثل هذه الحكومة ستكون قادرة أكثر من غيرها بكثير إذا جاءت ضمن رؤية تريد تغيير المسار بالكامل وليس ترقيعه أو تحسينه، وعلى التعامل مع التحديات والتهديدات الخارجية والداخلية، وتوظيف الفرص وتقليل الخسائر والأضرار، إضافة إلى قطعها لطريق إقامة «دويلة» غزة والدولة «المؤقتة» بالضفة، ولكن ما يحول دون تشكيل مثل هذه الحكومة عقبة الالتزام بشروط اللجنة الرباعية الدولية، وإصرار الرئيس مثلما أخبر لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي، بأنها «لن تتضمن إلا أطرافًا تعترف بإسرائيل وتنبذ العنف وتوافق على مبادئ الرباعية، وبالتالي فهي لن تضم حركة حماس»، وأن الحكومة يجب أن تكون حكومته، بمعنى أن برنامجها برنامجه.
ومع ذلك قال فابيوس أن الرئيس أبو مازن أبلغه بأنه سيحاول تشكيل حكومة وحدة وطنية، وبالتالي فإن مسألة العلاقات مع هذه الحكومة يمكن أن تُطرح، أي إذا وافقت الفصائل على شروط الرباعية فستكون الحكومة حكومة وحدة وطنية وإلا فلا.
حجة الرئيس تبدو للوهلة الأولى قوية، وهي أن تشكيل حكومة لا تلتزم بالتزامات «أوسلو» سيعرضها للمقاطعة الدولية والأميركية، وربما الأوروبية، وإلى العقوبات والعدوان الإسرائيلي، ولكنها حجة تنهار أمام حالة التشظي والانهيار التدريجي التي تواجهها السلطة إذا استمرت ضمن دائرة الالتزامات الشريرة، وآخر دليل على تحول السلطة بلا سلطة الطريقة التي تعاملت بها سلطات الاحتلال مع التسهيلات والتصاريح التي بدت فيها السلطة مجرد وكيل ثانوي لا يعرف ولا يقدر على معارضة ما يقرر له.
لدى أبو مازن حجة وجيهة جدًا يمكن أن يستخدمها للدفاع عن تشكيل حكومة وحدة وطنية إن أراد، وهي أن إسرائيل عقدت مع «حماس» صفقة تبادل الأسرى واتفاقات التهدئة، وتجري منذ فترة مفاوضات بين «حماس» وإسرائيل – وإن بشكل غير مباشر عن طريق طرف ثالث - للاتفاق على هدنة طويلة الأمد مقابل رفع الحصار؛ ما يعني أن «حماس» تفاوض إسرائيل، وعلينا ألا نخضع لمطالبها بعدم مشاركة «حماس» في الحكومة كون المصلحة الوطنية تقتضي ذلك. فالمجتمع الدولي ولا الولايات المتحدة، وطبعًا ولا أوروبا، سيكونون قادرين على مقاطعة هذه الحكومة لفترة طويلة لأنهم بذلك سيقاطعون كل الفلسطينيين وسيقفزون بالمنطقة إلى المجهول.
لاحتواء ردود الأفعال، يمكن أن يتضمن برنامج حكومة الوحدة إضافة إلى الحفاظ على الحقوق الوطنية الاستناد إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
يمكن أن تكون حكومة الوحدة الوطنية حكومة الدولة الفلسطينية التي اعترف بها العالم، ويمكن أن تساعد على إنهاء الانقسام إذا جاءت كخطوة في سياق تطبيق شامل لاتفاق القاهرة، إذ سيكون هناك طرف واحد يتحدث باسم الفلسطينيين، وهذا سيقويهم على كل المستويات والأصعدة، وفي حالتي المجابهة أو المفاوضات.
إن تشكيل حكومة وحدة وطنية صعب لأنه يهدد جماعات مصالح الانقسام التي نمت وترعرعت وازدادت نفوذًا وثروة. كما أنه يمس بنمط العلاقات التي تربط الأطراف الفلسطينية مع الأطراف والمحاور والجماعات العربية والإقليمية والدولية، وسيهدد نظام السيطرة الفردية على مختلف مكونات النظام السياسي الفلسطيني في ظل غياب وتغييب جميع المؤسسات في السلطة والمنظمة، فضلًا عن فقدانها الشرعية لانتهاء الفترة القانونية للمؤسسات المنتخبة وعدم اعتماد المقاومة والوفاق الوطني كأساس للشراكة وتجديد المؤسسات الأخرى في المنظمة إلى حين التمكن من إجراء الانتخابات.