بسم الله الرحمن الرحيم
سؤال:
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما هو سبب ظهور المذاهب الأربعة ؟
وجزاكم الله عنا كل خير
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وبعد.
الأخ الكريم / الأخت الكريمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إجابة على سؤالكم، نفيدكم بما يلي:
أولاً : في الإنسان يوجد ثوابت، ويوجد متغيرات.
النصوص قطعية الدلالة تغطي الثوابت، والنصوص ظنية الدلالة تغطي المتغيرات.
يعني الله عز وجل أمرنا بدفع الزكاة، يوجد مدينة ويوجد ريف، لو أعطيت إنسان يسكن في المدينة كيس من القمح هذا بلاء كيف يطحنه، كيف يخبزه، أعطه مبلغ من المال يحسن الانتفاع به، الله عز وجل قال:
﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ﴾
ولم يذكر كيفية دفع الزكاة، فجاء العلماء واجتهدوا قال بعضهم تدفع الزكاة عيناً، وقال بعضهم تدفع الزكاة نقداً، فهؤلاء اختلفوا مع هؤلاء وهذا الاختلاف ليس اختلاف تناقض إنما اختلاف تنوع وغنى، فالعلماء المجتهدون اتفاقهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة، يوجد عندنا نص قطعي الدلالة ونص ظني الدلالة.
ثانياً : أوضح لكم هذا بمثال:
أعطي فلان ألف وخمسة مائة درهم، هذا النص قطعي الدلالة لا يحتاج لا إلى مفسر ولا مجتهد ولا فقيه.
لو قلت لكم أعطي فلان ألف درهم ونصفه، على من تعود الهاء؟ على الألف تصبح ألف وخمس مائة، على الدرهم ألف ونصف درهم هذا النص احتمالي.
أنا كإنسان عندما أتي بنص احتمالي هذا من ضعفي باللغة، أنا أريد معنى واحد ولكن جئت بعبارة فضفاضة، فكل تشريع يحتاج إلى تفسير وشرح واجتهادات، أما الإله إذا جاء بنص احتمالي معنى ذلك أنه يريد كل الاحتمالات رحمة بعباده، وهذا فرق كبير جداً بين النص الاحتمالي الإلهي والنص الاحتمالي البشري.
الآن لماذا ظهرت المذاهب ؟
لأن الله عز وجل بالكتاب والنبي بالسنة كان يوجد نص احتمالي مقصود والاحتمالي يراد به كل المعاني توسعة على العباد ورحمة بهم.
امرأة أصبحت معذورة ولم تستطع طواف الإفاضة عند الأحناف عليها بدنة يعني جمل ثمنه مائة وخمسين ألف، وعند السادة الشافعية ينتظرها قومها تغدو أميرة الحج، وعند المالكية تطوف البيت ولا شيء عليها.
تصور امرأة ميسورة نقول لها أطعمي الفقراء، وامرأة ابنها في جدة وزوجها تاجر نقول لها انتظري، وامرأة ملحقة بفوج لا تملك قوت يومها نقول لها طوفي البيت ولا شيء عليك.
أهم شيء اختلاف الفقهاء أراده الله لأن يوجد آيات ظنية الدلالة وعندما الإله يصوغ آية ظنية الدلالة أراد كل المعاني المحتملة وكل الفقهاء اجتهدوا، لذلك أعظم تشريع فيه تغطية لكل الحالات التشريع الإسلامي عن طريق هذه المذاهب وهذه ليست اختلافات بل هذه تنوع وغنى، وأي إنسان قلد أي مذهب فعبادته صحيحة من دون تعصب، وأنا ضد التعصب المذهبي، أحدهم شافعي تزوج واحدة حنفية جاء الولد حنفشعي.
يوجد تعصب مقيت مذهبي هذا مرفوض، أما إذا أخذ من كل مذهب رخصة هذا اسمه تلفيق ورقة في الدين، أحدهم يقول ما هو المذهب الذي يقول أن على الحلي لا يوجد زكاة، وباق مذهب يوجد قصر وجمع.
الدكتور محمد راتب النابلسي
والحمد لله رب العالمين