24 حزيران 2015
قد تكون هذه هي المرة الاولى منذ بدء الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني، التي تنشر فيها الأمم المتحدة تقريراً متوازناً يتعلق بإسرائيل. هذا ليس تحصيل حاصل. على مدى السنين تم اعتبار الأمم المتحدة منظمة مبيعة ومعادية، وأن النتائج معروفة مسبقا. التقرير حول «الجرف الصامد» متوازن، مكبوح، وقد امتنع عن توجيه الاتهام بشكل واضح، وابتعد عن التسميات والتوصيات الشمولية، واستخدم الكثير من كلمات التحفظ، ووزع الانتقادات بشكل متساوٍ تقريبا بين اسرائيل و»حماس» (رغم أن «حماس» لم تُذكر بالاسم). تعالوا لا نستخف بهذا. اذا كانت «حماس» انتصرت في تقرير غولدستون على اسرائيل بشكل حاسم، فان التقرير الحالي ينتهي بالتعادل. وفي أعقاب غولدستون فان تقرير «الجرف الصامد» ليس سيئاً.
هناك اشكالية في هذا التوازن. يجب علينا ألا نخرج بالتعادل مع «حماس». وتقرير الأمم المتحدة لا يأخذ في الحسبان السياقات التاريخية، الاقليمية، الاخلاقية، والجوهرية لكل الحدث. مثل من الذي بدأ؟ يتجاهل التقرير حقيقة أن اسرائيل انسحبت من غزة حتى السنتيمتر الاخير، ولو أن «حماس» كانت معنية لاستطاعت أن تقيم في غزة واحة من النمو والازدهار. لكن الأمر الوحيد الذي تريده هو تدمير دولة إسرائيل. ويتجاهل تقرير الأمم المتحدة حقيقة أن اسرائيل هي الطرف الذي يدافع عن نفسه منذ الانسحاب من غزة.
ويتجاهل تقرير الامم المتحدة ايضا ما يحدث في المحيط. ففي الشرق الاوسط المشتعل ليس هناك قوة عسكرية تحذر المواطنين قبل القصف. الجميع يذبح الجميع دون تمييز في الدين، اللون، الجنس أو العمر، ولا يوجد أي اعتبار لمبادئ القانون الدولي والرؤوس تُقطع علناً. كل هذا لم يهم القاضية ميري ديفيس؛ لأن هذا لم يكن من صلاحيتها. لقد حصلت على حدث عسكري، عدد من القتلى والمصابين وقامت بفحص الامر من ناحية الحقائق، وحاولت أن تكون موضوعية، وهذا يُقال في صالحها. وهي لا تطلب تحويل الامر الى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي (فقط هي توصي)، ولا تقبل حجج ومبررات «حماس»، وتمتدح جهاز القضاء الاسرائيلي، وتقول إن الجيش الاسرائيلي قد بذل جهودا أكبر من التي تبذلها جيوش اخرى في تحذير المواطنين.
هاجم بعضنا، أول من أمس، التقرير، وقال إنه كان سخيفاً. يبدو أنهم كتبوا الرد قبل قراءة التقرير بكثير. من جهة اخرى لم تكن ثمة تهجمات على القاضية نفسها مثل تلك التي كانت على القاضي غولدستون. الوضع الحالي يتطلب تفكيرا مختلفا، لقد آن الأوان لكي نكون أكثر حكمة وعلى حق أكثر. هذه هي أدوات اللعبة، ومن الافضل التأقلم معها. ويثبت التقرير الحالي لاول مرة أن المباراة غير مبيعة تماما، وأنه يمكن التأثير في النتيجة. وأنه يجب الجلوس مع لجنة الامم المتحدة في المرة القادمة، وبذل الجهود والتعاون.
وماذا الآن؟ الآن يجب الكف عن الحديث لأنفسنا عن روايتنا، وأن نواجه بعض الادعاءات. لو كنت في مكان المستوى السياسي لقمت بكتابة رد تفصيلي ومنطقي ومنمق فيما يتعلق بكافة ادعاءات التقرير، وفي بعض الاماكن كنت سأطلب فحص الادعاءات. فقط خطوة كهذه ستمنع وصول الموضوع الى محكمة الجنايات في لاهاي، وتساعد اسرائيل على إحداث «اغلبية اخلاقية» في التصويت الذي سيتم حول التقرير في الامم المتحدة. هناك بضعة امور يجب أن تقلقنا وهي تحتاج الى الفحص.
حسب اعتقادي، فإن الهجوم على ما ورد في التقرير بأن الفلسطينيين لم يهاجموا المدنيين عندما خرجوا من الانفاق بل هاجموا اهدافا عسكرية فقط، هو هجوم لا حاجة له. لماذا؟ لأن هذه هي الحقيقة. وقد سمعتها خلال «الجرف الصامد» من رجال الجيش الاسرائيلي. الهجوم على الفيلبوكس قرب ناحل عوز كان مخططا. كان في استطاعة «مخربي حماس» الدخول الى الكيبوتس، لكنهم هاجموا الموقع العسكري. والشيء ذاته بخصوص التسلل عن طريق الانفاق. كان واضحا للجيش طوال عملية «الجرف الصامد» أن «حماس» تستخدم الانفاق لمهاجمة أهداف عسكرية. لا أعتقد أن «حماس» تراجعت وغيرت نظريتها. أفهم أن «حماس» بدأت تستوعب قوانين العالم الجديدة، وقد لاءمت نفسها مع الظروف، وفهمت أن مقاتلين مسلحين يخرجون من الانفاق لمهاجمة نساء وأولاد في أسرتهم لن يعود بالفائدة على الصعيد الدولي، ويجب الاعتراف بذلك.
الاستثناء الوحيد حسب اعتقادي هو «اجراء هنيبعل». وهذا سيتسبب دائما بالانتقادات الدولية الشديدة، لكن يجب أن نقول للعالم إن الوضع هو كالتالي: نظرا لأن الفلسطينيين أثبتوا قدرة غير انسانية في الاتجار بالمخطوفين وجثثهم أو أشلاء من جثثهم، يجب أن يعرفوا أنه في كل مرة يخطفون فيها جنديا اسرائيليا ستُفتح عليهم أبواب جهنم. لو كان الفلسطينيون يحترمون ميثاق جنيف لما اضطررنا الى هذه الأمور. لكنهم لا يحترمونه، وبالتالي نحن ايضا لا نحترمه. وفي النهاية، عندما ينقشع الغبار عن التقارير التي تصفر في الجوارير، سنبقى هنا في الشرق الاوسط.
عن «معاريف»