الوجوه المستبشرة والوجوه الباردة

thumbgen (21).jpg
حجم الخط

 

لم يكن من السهل أن تتعامل مع الوجوه المشرقة المستبشرة، وهذا ليس غريبا! لأنك في مجال عملك السياسي والتنظيمي تجد التقطيب والعبوس والشكوى والتذمر لدى الغالب هو سيد الموقف.
السياسي أو الكادر تنظيمي المنتكس مهما علا أو تدنى مرتبة، تجده يتبارى في إبراز تبرمه وشكواه مربوطا بالاتهامات والتهديدات، وكأن الفراغ أوالهواء، أوالخيال هو المسؤول عن كل مشاكلنا سواء العامة أو الخاصة، وفق العبارة المأثورة "الحق على الطليان" أو الحق على الذين فوق!.
فنحن لا علاقة لنا! نحن الأبرياء أبدا، وهم المذنبون! أما من هم؟ فتجد قائمة طويلة تبدأ من رأس الهرم في السلطة لتصل لاتهام عامل البلدية بالنظافة! وكأن مهمته تثقيف الناس بالوعي البيئي؟ أما انا فلا حق علي، ولا واجب
قلت أنه ليس من السهل أن تنظر بالوجوه المشرقة والمستبشرة والدافئة في ظل عملك السياسي الاحترافي، الذي أدمنت معه النظر الى الوجوه الباردة والكالحة.
إن منظر النفور المتأصل في العلاقة بين السياسي أوالكادر المنتكس وإدارة الظهر والعبوس منظر مألوف، وكأن كل واحد منهم "يحمّل الناس ألف جميلة" أنه من "النخبة" كما يتوهم، أو أنه قائدهم، لمجرد أنه جالس فوق رقابهم، وهو بالحقيقة يفرغ حمولته النفسية في وجوه الناس متأففا، وتراه يكرر نفسه معك أو على المرئي والمسموع وكأنه جهاز مذياع أو مسجل باسطوانة مشروخة.
لم يكن من السهل النظر في الوجوه المستبشرة نعم، ولكنه كان من أجمل ما صادفت، وأفضل ما رأيت، بعد فترة طويلة من العام الماضي التي امتلأت بحريق الأفئدة، وعذاب الروح بين السياسي المتنطّع، والكادر المتذمر والجار غير المرحب والصديق الشكّاء.
لذا فإن اطلالة الرحابة حين تتعملق من بين عشرات العيون الشاخصة تعطيك إشارة لطيفة من السهل قراءتها، وهي: أنك أنت من تغرق في بحر الكآبة والعبوس والخروج عن مسار الحياة الطبيعية.
في طوباس وضعنا حجر الأساس للبِشر والفرح، وأطلقنا النفير من عيون الصناديد، وجميلات العفاف والثقة والأدب الجم الممسكات بناصية النهار وعيون الغزلان. 
من بين جنبات الصمت المريح،وقدرة الانصات والتفهم وعبر الرؤوس المنحنية بخفة تدون بمحبة على ورق الحرير كلمات البديع، ومن منصة الترحيب والعيون الضاحكة والأجسد المقبلة على الحياة، تغرِف من ألق اللحظة واشباعات النغم ما يجعل من الهدير أغنية، ومن النفير علامة استعداد لاقتحام الصعاب وبناء المستقبل.
في مدينة طوباس، وفي بداية الدورة التي خطّتها النفوس المؤمنة بالتغيير تكون البداية الحقيقية للعام 2018 لتحويل البؤس المتعملق في أرواح السياسيين المنطفئة، أو لتحويل الجمود المعشعش في عقول الناقدين السلبيين المكتئبين الى فعل حقيقة يحث على الحضور كما يحث على العمل.
البِشر دواء لكثير من الأوباء والأمراض، وما قول سيد الخلق (تبسمك في وجه اخيك صدقة) إلا في نطاق الحث والسعي على الايجابي، وصولا لحياة الاشراق الكلي، وهو تماما ما رأيته في وجوه كل الحضور من أخوات وأخوة في طوباس النغم الأخضر القادم من جميع البلدات المجاورة. 
لن أقبل منكِ يا نفسي استصعاب النظر بالوجوه الباسمة المشرقة المنفعلة التي ترفض الركود والموات والبؤس، وهي تعبر البائس والمائل والمحبِط.
ولن استصعب النجاة -شئت يا نفسي أم أبيتِ- إن خضتُ معهم البحر اللجيّ، كما سأصبح كما أرادوني هم: على جادة الصواب وطريق الحق الذي يبدأعنوانه بالبشارة كما هو الأساس الذي انطلق به النور من بين عيني سيدنا المسيح العربي الفلسطيني الأول.
ما كان لأي انطلاقة أن تعبر البحر إن لم يصاحبها مركب نجاة، وأشرعة تتصدى للعواصف الهائجة وقائد كطارق بن زياد، ونفس لا يهدأ كما أنفاس الثوار الحارقة، وهذا ليس سهلا وإنما دربُ إشراق طويل.