لست بصدد التأريخ السريع للعلاقات الفلسطينية الأمريكية، فهذه العلاقات هي الوجه الآخر للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية. ولست بتكرار نفس المقولات التي تؤكد انحياز السياسة ألأمريكية لإسرائيل، فهذه من بديهيات السياسة الأمريكية، ولسنا بحاجة للدهشة والاستغراب لأى موقف او قرار أمريكي لتبنى الموقف الإسرائيلي. فالقول ان احتكار وفشل الولايات المتحدة للمفاوضات على مدار عقدين، هذا يعتبر قصور في قراءة السياسة والموقف الأمريكي ، وقد لا يخرج عن مبررات فشل في إدارة العملية التفاوضية. ليس من الحكمة السياسية الانتظار كل هذه السنيين لنصل لهذه النتيجه، والأمر نفسه ينطبق على قرار الرئيس الأمريكي ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والشروع في نقل سفارته من تل أبيب إلى القدس الغربية. هذا الموقف كان متوقعا، واحتمالاته قويه، وبدأت إرهاصته مع حملته الانتخابية, وأذهب أبعد من ذلك أن هذا القرار بات الآن مرتبطا برغبة الرئيس ترامب في رئاسة ثانيه وهذا حال كل رؤساء الولايات المتحدة، فالرغبة في رئاسة ثانيه تبدأ من اليوم ألأول لتولى الرئاسة. ولو سألت أي رئيس أمريكي في اليوم الأول لرئاسته لقال لك أحكم لرئاسة ثانيه. ولست بصدد المقارنة بين قوة الدولة الأحادية في العالم وبين قوة السلطة الفلسطينية ، ولا أقول قوة الشعب الفلسطيني التي لا تقهر مهما كانت قوة الولايات المتحدة. وهذا يعنى الحاجه لرؤية سياسيه واضحه في التعامل مع موقف الإدارة ألأمريكية، وعندما أقول رؤية فهذا يعنى استراتيجية واضحه في أهدافها وآلياتها. لا بد أن يكون الهدف واضحا، وهنا ما هو الهدف من الحرب الكلامية التي باتت تحكم العلاقات. هل الهدف الدخول في مواجهة غير محسوية ، ولا تتدرك تداعياتها؟ أم ان الهدف الدخول في حالة من العداء ؟والعداء هنا مع الإدارة ألأمريكية فقط؟ ام أن الهدف مجرد الضغط على الإدارة الأمريكية للتراجع عن قرارها؟ وإذا كان الهدف الأخير هو هدف هذه الحرب الكلامية، فهذا هراء سياسي ، وعدم تفهم لآليات وميكانيزمات السياسة الأمريكية ، وعدم فهم لمكونات وبيئة القرار الأمريكي الذى تلعب البيئة الداخلية، وقوة اللوبي الصهيوني دورا مؤثرا ومباشرا في قرار الرئاسة وقرار الكونجرس الأمريكي ، فالذي يحكم القرار هنا المال والصوت وهما ما تتحكمان فيه إسرائيل. تحديد الهدف مطلوب وأساس اى حراك سياسى .لكن ان تخرج هذه التصريحات وبهذه القوة الكلامية وكأننا نسجل نقطة، و رغبة في الشهرة السياسية من أصحابها، الوطنية لا تقاس بهذه التصريحات. تسارع من الكل على شن هذه الحرب الكلامية. قد يفهم البعض أنى أدعو للإذعان والخضوع, فهذا بعيدا تماما فموقف الطفلة عهد التميمى اقوى من الكثير من التصريحات. ما أقصده ان يكون لنا هدف واضح ومحدد وقابل للتحقيق والتنفيذ. والعنصر الثاني تحديد ألآليات المؤثرة على القرار السياسي الأمريكي . وهنا نعم يمكن التأثير ، ويمكن تعديل القرار، ولكن لا أتوقع إلغائه بشكل كامل، لكن التفسير والتعديل قد يحمل في سياقه التراجع. والسؤال هل نملك آليات للتأثير ؟ قد يتساءل البعض وما آليات التأثير؟ اعتقد كثيره، وليس بالضرورة امتلاك عناصر القوة الصلبة من جيش ومال، وهذا غير متوفر. لكن يملك الفلسطينيون عناصر كثيره من القوة الناعمة، والقوة الدولية الداعمة ، والقوة العربية والإسلامية، في حلول ولا تسويات بدون التسوية السياسية للقضية وركيزتها قيام الدول الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. لعل من أهم عناصر التأثير التي يملكها الفلسطينيون، قدرتهم في التأثير على مكانة وهيبة الولايات المتحدة في المنطقة بل والعالم، هذه المكانة وهذا الدور منوط بالموقف الفلسطيني والقضية الفلسطينية، ويمكن للفلسطينيين تحجيم هذا الدور في المنطقة ، وهى منطقة استراتيجية للمصالح الأمريكية. وبالتالي يمكن التأثير على هذه المصالح. والتأثير الآخر توضيح وتبيان أن هذه القرارات والسياسات الأمريكية الداعمة لإسرائيل لها مردود عكسي حتى على أمن إسرائيل، بمعنى إرسال رساله قويه ان الهدف منها لن يتحقق بدون الاستجابة للمطالب الفلسطينية ، وتفهم الحقوق المشروعة للفلسطينيين. التأثير في البيئة السياسية الأمريكية الداخلية وإن كانت هناك تحديات وصعوبات كثيره للإقناع في بيئة تسودها الأصولية المسيحية والشعبوية، لكن هذا لا يمنع من محاولة التغلغل والتأثير، وهنا لدينا ديبلومسيان ناشطان الدكتور رياض منصور والدكتور حسام زملط، وهما يتعايشان داخل المجتمع الأمريكي وغيرهما من النخب الفكرية والأكاديمية البارزة، ويمكن ان يقدما تصورا استراتيجيا للتأثير على عناصر التأثير في الرأي العام الأمريكي من منطلق ان السياسة الأمريكية الداخلية توصف بسياسة الباب المفتوح .ولا شك هذا يحتاج لدعم عربي وإسلامي ومن الدول الصديقة .ومن أهم الآليات الثبات على الموقف الفلسطيني وعدم التراجع تحت ضغط التهديدات السياسية والمالية ، فخبرة التعامل مع السياسة ألأمريكية في النهاية ستكتشف خطأ سياساتها وقرارتها. ومن الآليات تفعيل للآليات القانونية حتى داخل السياسة ألأمريكية ، وعلى المستوى الدولي تفعيل دور الشرعية الدولية، والمسؤولة الدولية، وتفعيل لدور القوى البديلة كالدور الأوروبي والصيني والروسي وإحياء دور القوى المتصاعدة كالهند. هذه لآليات تحتاج إلى بنية سياسه فلسطينية داخليه قويه ومتماسكه ومتوحدة حول رؤيتها الوطنيه، وبدون هذه البنية السياسية ستبقى الخيارات والقرارات الفلسطينيه عديمة الجدوى ، وكمن يحرث ألأرض لغيره. توحيد اللغة السياسيه، وتركيز التصريحات السياسيه، وتوظيف المفردات السياسيه في مكانها الصحيح والسليم, الكل يمكنه ان يصرخ ، لكن المهم ان تصل الصرخة والصوت . هذه خيارات تحتاج لوقت ، ففي السياسة لا نملك عصا سيدنا موسى عليه السلام.