حذر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط من أن المساسُ بمدينة القدس لن يقبله عربيٌ، مُسلماً كان أو مسيحياً ، وأن العبث بهذا الملف هو لعبٌ بالنار ودعوة لانزلاق المنطقة إلى هاوية الصراع الديني والعنف والإرهاب.
جاء ذلك في كلمته مساء اليوم الخميس أمام "الاجتماع المُستأنف" لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب برئاسة جيبوتي، وذلك لبحث التحرك العربي لمواجهة القرار الأميركي بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها.
وقال أبو الغيط: إن اجتماعنا اليوم تجديدٌ للالتزام الذي قطعناه على أنفسنا هنا في 9 ديسمبر الماضي بمواصلة الجهد والحفاظ على زخم الحملة السياسية والدبلوماسية والإعلامية المناهضة للقرار الأميركي الباطل والمرفوض بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها.
وأضاف أبو ابو الغيط، إن التئام شملنا اليوم، بعد أسابيع قليلة من اجتماعنا السابق، هو رسالةٌ ستصل لمن يهمه الأمر، من المناوئين للمواقف العربية قبل الداعمين والأصدقاء، بأننا نقف صفاً واحداً متراصاً في مواجهة أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية أو تمييعها عبر المصادرة المُسبقة على قضايا الحل النهائي.
وتابع إنها رسالةٌ بأننا نتحدث بصوتٍ واحدٍ مسموع، وبخطابٍ موحد وواضح وأن موقفنا العربي المُشترك من قضية القدس صار واضحاً للجميع، وقد تضمنه القرار 8221، الصادر في 9 ديسمبر الماضي، مشددا على أن اجتماع اليوم يمثل فُرصة لإعادة تقييم الوضع، والوقوف على مستجداته.
وقال أبو الغيط :إنه من دونِ مبالغةٍ أو تهويل، فإن الزخم الذي تحقق على الصعيد الدولي، بدايةً من التصويت برفض القرار الأميركي في الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 128 دولة، وليس انتهاء بالمواقف الدولية المختلفة وآخرها الموقف الأوروبي الإيجابي والمحمود كما عبرت عنه المنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موجريني لدى لقائها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالمجلس الوزاري الأوروبي في 22 يناير الماضي ، يُمثل أرضيةً يُمكن، بل ويتعين، البناء عليها، بتوسيع دائرة الدول الرافضة للقرار الأمريكي، والسعي إلى تطوير مواقف هذه الدول وحشدها لتأييد الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
وأضاف إن عملنا في مواجهة هذا القرار الأميركي الباطل، وحصار تباعته، والحد من آثاره السلبية، هو عملٌ طويل الأمد، ويرتكز على استراتيجية توظف نقاط القوة في الموقف العربي، وتوزيع الأدوار بين الدول العربية على نحو يُفضي إلى الحصول على أكبر تأثير ممكن على مواقف الدول وعواصم القرار، مشيرا إلى أنه تم تناول بعض من الأفكار والخطط في هذا المجال خلال لقائنا في لجنة وزارية عربية مُصغرة عقد في العاصمة الأردنية "عمّان" في 6 يناير كانون الثاني/ الماضي.
وتابع أبو الغيط: "إننا نرصد جميعاً دلالات تؤشر على أن الأمر لا يتعلق بملف القدس وحده، وإنما بموقف الجانب الأمريكي من قضايا الوضع النهائي كافة، وبمدى التزامه من الأساس بحل الدولتين كصيغة لإنهاء الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
وأضاف: لقد تابعتنا، بمزيد من القلق والانزعاج، قرار الولايات المتحدة تخفيض مشاركتها السنوية في ميزانية الأونروا بمقدار 65 مليون دولار أمريكي، علماً بأن الحصة الأميركية تُمثل ثُلث ميزانية الوكالة"، ولا يخفى ما يُمثله هذا التوجه من تهديد لقضية اللاجئين، وهي واحدة من قضايا الحل النهائي الأساسية، فضلاً عما ينطوي عليه من تبعاتٍ سلبية لن تطال الدول المستقبلة للاجئين الفلسطينيين فحسب، وإنما ستنال من الاستقرار والأمن في الإقليم.
وأكد أبو الغيط أن ملف اللاجئين، مثله مثل ملف القدس، يُمثل قضيةً من قضايا الحل النهائي، لا تقبل المصادرة أو التفتيت أو التصفية، وأن المسؤولية الأخلاقية العالمية عن مأساة اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948 ثابتةٌ ولا مجال للتنصل منها أو التحلل من التزاماتها.
وشدد على أن الجهد العربي كله، سياسياً كان أو مُجتمعياً، رسمياً كان أو شعبياً، موجهٌ لغايةٍ أساسية هي مساندة الموقف الفلسطيني، ودعم القرار الفلسطيني، والشد على أيدي القيادة الفلسطينية التي نثق في قدرتها وحكمتها، ودقة إدراكها للمصالح الفلسطينية والعربية، فضلاً عن إسناد الشعب الفلسطيني، وبخاصة المقدسيين، الذين لولاهم ولولا صمودهم ونضالهم اليومي، ما كان للعرب أو المسلمين وجودٌ في هذه البقعة المقدسة.
واختتم أبو الغيط كلمته بالقول: إنه بقدر الوحدة في رؤيتنا والتنسيق في تحركاتنا، سيكون نجاحنا في التصدي لهذا التحدي الخطير الذي لا يواجه دولة عربية أو مجموعة من الدول، وإنما يضرب في القلب من كياننا الجامع، إذ يستهدفنا في هويتنا وديننا وتاريخنا وثقافتنا، وهي أسمى ما يحوز شعب، وأثمن ما تملك أمة.