لخّص رئيس مركز أبحاث الأمن القومي "الإسرائيلي"، الجنرال احتياط، عاموس يادلين، مداولات المؤتمر السنوي للتقديرات الاستراتيجية الذي أنهى أعماله في تل أبيب مساء الثلاثاء، بقوله إن العام 2018 قد يشهد مواجهة عسكرية في الجبهة الشمالية في حال لم تتوقف إيران عن محاولاتها لبناء قواعد عسكرية في سورية، وتشكيل عناصر موالية لها على غرار حزب الله اللبناني، وإقامة مصانع لإنتاج الصواريخ الدقيقة، وفي حال أصرت إسرائيل، وفق تصريحات رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ورئيس أركان الجيش، الجنرال غادي أيزنكوت، ووزير الجيش الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، على إحباط هذه المساعي.
وفيما تحدّث كل من نتنياهو وليبرمان وأيزنكوت عن حرب شاملة في لبنان وليس فقط ضد "حزب الله"، قال يادلين إن الحرب المقبلة "لن تكون حرب لبنان الثالثة، بل سيشارك فيها أيضاً سوريون وألوية شيعية وربما إيران نفسها بشكل مباشر، وبالتالي الاستعداد لحرب أقسى على أكثر من جبهة واحدة".
وجاء ذلك في ختام جلسات المؤتمر التي امتدت على مدار يومين متتاليين سبقتهما جلسة مغلقة بمشاركة أيزنكوت، والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي، جيسون غرينبلاط، ناقشت الأوضاع الاستراتيجية لإسرائيل والأخطار المحيطة بها، مقابل الفرص السانحة لها في ظلّ وضعها الاستراتيجي الحالي.
وتبيّن هذا العام أيضاً أنّ خريطة التهديدات للأمن "الإسرائيلي" لم تتغيّر برأي الخبراء الذين شاركوا في المؤتمر، بينما تحسّنت مكانة "إسرائيل" الاستراتيجية لدرجة جعلت مدير المركز، العقيد احتياط أودي ديكل، يذهب إلى القول "إن مكانة "إسرائيل" الاستراتيجية متينة بشكل لم يكن له مثيل في السابق"، وهو ما يتجلّى في العلاقات المميزة لها مع الإدارة الأميركية الحالية التي تتطابق رؤيتها لمجمل القضايا الاستراتيجية والأمنية الإقليمية والدولية مع الرؤيا "الإسرائيلية"، خلافاً لما كان في سنوات سابقة، من جهة، وبفضل شبكة ومنظومة العلاقات الجيدة التي طورتها "إسرائيل" في السنوات الأخيرة مع روسيا، وتجلّت في التنسيق الروسي "الإسرائيلي" في سورية والمنطقة، وانعكست بالزيارات المتكررة التي قام بها نتنياهو لموسكو، وتبادل زيارات الخبراء والمسؤولين الأمنيين بين الطرفين، من جهة ثانية.
وبحسب ديكل، فإن هذا الأمر يوفّر نقطة امتياز استراتيجية لـ "إسرائيل" باعتبارها باتت الطرف الذي يمكن له أن يكون حلقة الوصل بين واشنطن وموسكو، وتقريب وجهات النظر بما يفيد وضع "إسرائيل" الإقليمي.
لكن نقطة التفوّق أو الامتياز التي لا تقلّ أهمية بحسب مداولات المركز، هي التحول الذي حدث في نظرة دول المنطقة إلى "إسرائيل"، "فلم تعد الدول العربية، وأقصد السنية المعتدلة"، وفق تعبير ديكل، تعتبر "إسرائيل" دولة عدوة بل باتت "صديقاً محتملاً تريد إتمام الصفقات معه، وجزءاً من الحل لمشكلة المنطقة وهي إيران".
إلى ذلك، فإنّه وبالرغم من "متانة مكانة "إسرائيل" الاستراتيجية"، فقد ذهب المشاركون في جلسة حول التحديات التي سيواجهها الجيش إلى القول، إن "إسرائيل" ورغم قوتها الاستراتيجية الحالية، "تعاني من هوامش أمنية ضعيفة للغاية، ويمكن لوضعها الاستراتيجي في ظلّ التطورات المتلاحقة في المنطقة أن يتغير بين ليلة وضحاها.
وبحسب مدير المركز، فإن "على "إسرائيل" أن تستغل نقاط القوة الاستراتيجية، كي تحقّق أهدافها للسنوات المقبلة، وفي مقدمتها الوصول إلى حدود معترف بها، وتحديد طبيعة ونوعية التسوية التي تريدها مع الفلسطينيين".
3 سيناريوهات مستقبلية للمنطقة
وفي سياق البحث لسيناريوهات مستقبلية للمنطقة، اعتبرت الباحثة في المركز، كرميت فالانسي، أن هذه السيناريوهات "تتراوح من النقيض إلى النقيض، أي من تكريس حالة تنجح فيها إيران بفرض هيمنة شيعية وترسيم هلال شيعي يبدأ من طهران مروراً ببغداد ودمشق وصولاً إلى بيروت، مقابل سيناريو ينجح فيه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مع شركائه الطبيعيين وفي مقدمتهم مصر والأردن والإمارات العربية، في فرض هيمنة سنية يكون لإسرائيل فيها دور"، علماً بأن السعوديين لم يبلوروا، بحسب رأي فالانسي، لغاية الآن، سياسة واضحة تجاه "إسرائيل" "بفعل المعضلة التي تواجههم بين التحالف والتعاون مع "إسرائيل" في مواجهة إيران، مقابل المخاوف من ردة الفعل المعارضة والمناهضة لذلك في العالم العربي".
ولعله من المفيد في هذا السياق استذكار تصريحات نتنياهو قبل نحو ثلاثة أشهر، بأن "مشكلة "إسرائيل" في المنطقة هي مع الرأي العام العربي وليس مع الأنظمة العربية، فالأخيرة تريد العلاقات مع "إسرائيل"، وبعضها يتعاون معنا سراً، ونحن لا نعلن هذا التعاون لأن هذه الأنظمة لا ترغب بإشهاره". أما السيناريو الثالث، وهو ما يبدو أنه الأكثر ترجيحاً، فيتحدث عن "استمرار حالة عدم الاستقرار في المنطقة العربية دون أن يتمكّن أي طرف من حسم الأمور لصالحه".
لبنان في قلب المؤتمر
ولعل أكثر ما برز خلال المؤتمر السنوي هذا العام، هو ما رشح من كلمات رجال السياسة والوزراء الذين خاطبوا المؤتمر، وأبرزوا على نحو خاص تهديدات للبنان ككل، وليس فقط "حزب الله"، مع تكرار معادلة "حزب الله = لبنان"، بمعنى أن أي مواجهة مقبلة مع الحزب، لن تبقى مقتصرة على القتال ضده، وإنما سيتم شنّ حرب شاملة ضد لبنان ككل، وضد الدولة اللبنانية ومؤسساتها باعتبارها تتحمل مسؤولية سيادية عن أراضيها.
وكان أشدّ هذه التهديدات هو التهديد الذي أطلقه وزير الجيش الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، عندما قال إن "المواجهة المقبلة في حال اندلعت، لن تكون مثل أي حرب سابقة"، موضحاً أن "الحرب المقبلة، وفقاً لما شاهدناه في المنطقة، لن تكون قادرة على تحقيق أهدافها من دون مناورات برية واجتياح بري للأراضي اللبنانية، لأنه لا يمكن تحقيق ذلك من دون أقدام على الأرض".
وكان لافتاً في هذا السياق، الاستراتيجية التي طرح وزير التربية والتعليم وزعيم البيت اليهودي، نفتالي بينت، اعتمادها، وهي ما أطلق عليها اسم "استراتيجية العنكبوت"، وتقوم على "وجوب قيام "إسرائيل" بضرب العنكبوت في وكره، وعدم الاكتفاء فقط بضرب أذرعه". واعتبر بنيت أن "إسرائيل" وعلى مدار العقود الثلاثة الأخيرة، "لم تتخذ أي خطوات ضد إيران، واكتفت بضرب أذرعها، كما أنها لم تتخذ أي خطوات ضد الدول المضيفة لأذرع إيران"، في إشارة إلى لبنان وسورية وقطاع غزة، "ولم تقم بضرب لواء القدس الذي يرسل منفذي الأهداف الإيرانية، بحيث ساد وضع تعاني فيه "إسرائيل" من أذرع إيران من دون أن تدفع الأخيرة ثمناً لذلك".