غـزة "تــهــديـد وجــودي" لإســرائــيـل !

cms-image-000004541
حجم الخط

26 حزيران 2015

بقلم: تسفي برئيل
الثلاثاء القادم يتوقع أن ينتهي النقاش الذي يجري منذ سنة ونصف بين ايران والقوى العظمى بالتوقيع على الاتفاق النووي النهائي. تقول التقديرات إنه اذا لزم الامر تأجيل التوقيع بضعة ايام فان الاتفاق هو أمر مفروغ منه. في حين أن الخطوة الاستراتيجية الأهم في الشرق الاوسط في العقود الاربعة الاخيرة، ستتحقق فإن اسرائيل صامتة. هل سمع أحد ما عن التهديد الايراني في الآونة الاخيرة؟ هل تحدث أحد ما عن الاتفاق النووي وتأثيراته؟.
اسرائيل منشغلة اليوم عن التهديد الايراني، لأن هناك خطراً أكبر يحلق فوقها: تقرير مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة. يمكن الصراخ بأن الحديث يدور عن دعاية مناهضة لاسرائيل أو لاسامية، والقول إننا لن نقرأه، أو التلويح بالانظمة الظلامية مثل كوريا الشمالية، سورية، وايران، من اجل التباكي على تحيز الأمم المتحدة – في الحقيقة ليس التقرير، بل عملية «الجرف الصامد» هي التي كشفت الدوافع الأكثر ظلامية التي قد تكشف عنها دولة في سلوكها تجاه المواطنين. بالمناسبة، التقرير يُبدي مراعاة كبيرة وليونة تجاه اسرائيل، حيث لا يساويها بتلك الدول، بل هو يتعامل معها كدولة محترمة يتوقع منها التصرف حسب القانون الدولي وقوانين الحرب.
تقرير الامم المتحدة لا يمزق شعار التسويق الكاذب الذي يقدمه الجيش على أنه الجيش الاكثر اخلاقية في العالم فقط، بل يتعامل ايضا مع اسرائيل و»حماس» بالتساوي: مقاتلون مقابل مقاتلين، مواطنون مقابل مواطنين. لكن مشكلة اسرائيل الكبيرة ليست اذا كان التقرير متوازنا أو منحازا، بل التخلف الاسرائيلي الموجود في كون القيادة والجمهور يعتبرون التقرير- وليس سبب كتابته- هو سبب المشكلة.
تقريران، أحدهما للامم المتحدة والثاني لاسرائيل، يتصارعان. الاول يعرض موقف العالم من اسرائيل، والثاني يعرض كيف تنظر اسرائيل الى نفسها. من هنا ينبع الغضب الكبير على تقرير الامم المتحدة. هذه معركة حول الشكل والصورة، حول الحفاظ على المرآة المهشمة التي قالت لاسرائيل دائما إنها الأجمل وإن سياستها صادقة وعادلة وإن الاخلاق اليهودية تسيطر فيها.
لكن ما وراء هذا الصراع المهم على الشكل والصورة، وتحت تهديد التوصية بمحاكمة اسرائيل في محكمة الجنايات الدولية، يجب قراءة التقرير وكأنه وثيقة مراقب الدولة. فهو يتعامل مع الاعراض المخيفة التي تبينت في «الجرف الصامد»، لكنه يستوجب علاجا جذريا يقدم الاجابات على اسئلة صعبة، بدءاً من عملية اتخاذ القرارات للخروج الى الحرب ومرورا بطريقة تطبيقها وانتهاءً بالنظرية الامنية لاسرائيل. هذه النظرية تستند الى فرضية أن اسرائيل توجد دائما في خطر وجودي، وأن مصدر قوتها الوحيد هو الجيش الاسرائيلي. ولا تجد أي فرق بين «حماس» و»حزب الله»، بين السلطة الفلسطينية وبين ايران. فجميعها تشكل تهديدا وجوديا، ويجب وضع الجيش في مواجهتهم.
المشكلة هي أن الشرعية التي تطلبها اسرائيل لادارة هذه الحروب لا تطلبها فقط من مواطنيها بل من دول العالم. فجأة يظهر هذا التقرير ويهدد باخراجها من أسرة الشعوب. اسرائيل نفسها التي نجحت في تجنيد العالم ضد ايران وأقنعته بأن يتعامل مع «حماس» و»حزب الله» على اعتبارها منظمات ارهابية، تحولت بنفسها الى دولة سلاح يسعى العالم الى ترويضها. دولة كهذه لا يمكنها أن تسحر العالم أكثر بعيونها الزرقاء. فهي ستجد صعوبة في الاقناع بأن ايران هي التهديد، أو أن الاتفاق معها يهدد وجودنا. واصدقاؤها ايضا يشتمون ذلك. غزة تحولت بالفعل الى تهديد وجودي على اسرائيل، ليس بسبب «حماس» بل بسبب 1462 قتيل من مواطنيها، ثلثهم اولاد ذكروا في التقرير.

 عن «هآرتس»