أثارت المواجهات الذي حدثت مؤخرًا بين حركة "حماس" وبين "التنظيمات الجهادية" في قطاع غزة، من حوادث إطلاق نار، وإطلاق قذائف داخل مدن القطاع وباتجاه إسرائيل؛ الكثيرَ من التساؤلات حول أسباب الصدام المتصاعد بين الطرفين؟، وكذلك التداعيات المحتملة لتلك المواجهات، خاصةً أن التغيرات الإقليمية قد ساهمت بشكل ملحوظ في تنامي قوة التنظيمات الجهادية في القطاع، سواء بسبب الأحداث التي تلت ثورة 25 يناير في مصر، والتي أدت إلى تكوين روابط وعلاقات جيدة بينها وبين التنظيمات المناظرة لها في سيناء، أو بسبب تنامي نفوذ "التنظيمات الجهادية" العابرة للحدود في المنطقة، وعلى رأسها "داعش" الذي أصبح له مناصروه ومؤيدوه داخل غزة.
أولا- أسباب الصدام بين الطرفين:
أدى تمركز التنظيمات الجهادية في قطاع غزة إلى دخولها في صدامات متتالية مع حركة حماس التي تُسيطر على القطاع منذ 14 يونيو 2007، بسبب الخلافات الأيديولوجية العميقة بين الطرفين، وكذلك الاختلاف في الرؤى والأهداف، وتعد تنظيمات "جيش الإسلام"، و"جيش الأمة"، و"جماعة التوحيد والجهاد"، و"أنصار الله"، من أشهر التنظيمات الجهادية الموجودة في القطاع، وهن المؤكد أن هناك عدد من الأسباب التي أدت إلى تصاعد المواجهات بين الطرفين في الفترة الأخيرة، ومن أهمها:
العداء الفكري بين التيارين، والذى ظهر بوضوح وبصورة علنية في مطلع عام 2006، عندما قررت حركة حماس خوض الانتخابات، وأعلنت وقتها المجموعات الجهادية وقادتها عن موقفهم العدائي تجاه "حماس" بسبب مواقفها السياسية، وخاصة موقفها من "تطبيق الشريعة"؛ حيث انتقدتها تلك المجموعات لأنها لم تعلن قيام "الإمارة الإسلامية" ولم تُقم الحدود بعد سيطرتها على القطاع، وكذلك انخراط الحركة في العملية السياسية وفقًا لدستور "وضعي علماني" (على حد وصفهم)، بالإضافة لعدد من الخلافات الفرعية الأخرى حول بعض المواقف السياسية التي تبنتها حماس، ورأت فيها خروجًا عن مبادئ الشريعة، واعترافًا ضمنيًّا بإسرائيل.
الصدام المسلح، الذي بدأ بقوة بين الطرفين في عام 2009، فيما عرف بأحداث مسجد ابن تيمية في رفح، عندما أعلن الشيخ عبد اللطيف موسى الملقب بـ"أبو النور المقدسي" أمير جماعة التوحيد والهجرة، عن إقامة إمارة إسلامية في مدينة رفح، وهو ما ردت عليه حركة "حماس" بصورة أكثر عنفًا عندما قامت بمحاصرته هو ورفاقه في المسجد في 14 أغسطس، وحدثت اشتباكات واسعة تسببت في هدم المسجد، ومقتل حوالي 24 من بينهم الشيخ موسى نفسه، بالإضافة إلى إصابة عشرات آخرين، وظل هذا الصدام يحدث بين حين وآخر حتى تصاعد في الفترة الأخيرة.
المُطاردات الأمنية من قبل أجهزة حماس تجاه العناصر المنتمية للتنظيمات الجهادية، وفي الأيام الأخيرة أصدر ما يُسمى بـ"تجمع أهالي المعتقلين في سجون سلطة غزة"، بيانًا حول اعتقالات حكومة حماس التعسفية لأبنائهم المنتمين للمجموعات الجهادية المناهضة لها، إضافة إلى اتهام الحركة بالهجوم على المساجد التابعة لهم، ومنها قيام وحدة الضبط الميداني في مدينة "دير البلح" بوسط قطاع غزة بالهجوم على مسجد "المتحابين" بتاريخ 1 يونيو 2015، واعتقال عدد من المصلين والدعاة المحسوبين على التنظيمات الجهادية.
التصفية الجسدية، وقد برز هذا الاتجاه من خلال مقتل القيادي الجهادي "يوسف الحنر"، والذي قالت حماس إنه كان يحمل حزامًا ناسفًا وكمية من المتفجرات، وقتل في اشتباك أمام منزله مع قوات أمن حماس؛ حيث أكد المتحدثون بلسان التيار الجهادي أنه كان أحد عناصر الجناح العسكري لحماس، وتركها قبل عامين للانضمام لتيار موالٍ لـ"داعش"، وقد تم قتله عندما داهمت قوات الحركة بيته عندما كان مختبئًا هربًا من الاعتقال، وأن هذه الحادثة نتيجة طبيعية لما تقوم به حماس من شحن وتعبئة وتحريض لأبنائها ضد أبناء التيار الجهادي.
التطورات الإقليمية، حيث أدى إعلان أبو بكر البغدادي عن إقامة "الدولة الإسلامية" قبل نحو عام، إلى قيام مجموعات من التيار الجهادي في قطاع غزة، بالإعلان عن دعمها للدولة الإسلامية، وإعطاء البيعة للبغدادي، ومن بين هذه التيارات "مجلس شورى المجاهدين" و"أنصار الشريعة – بيت المقدس" و"النصرة المقدسية"، وغيرها من التنظيمات الأخرى. ورغم تعدد هذه التنظيمات فإنها لم تستطع التوحد تحت قيادة واحدة، لكي تحظى بدعم الدولة الإسلامية، والسبب في ذلك هو التشرذم والانقسام الذي يُميز التنظيمات الجهادية في قطاع غزة، وعدم قدرتها على تأسيس منطقة حكم ذاتي لها.
ثانيًا- التداعيات المحتملة للصدام بين الطرفين:
غالبًا ما تنتهج حركة حماس أسلوبين للتعامل مع الجهاديين في القطاع. الأول، هو الملاحقة الأمنية من خلال حملات الاعتقال الموسعة التي تقوم بها الحركة عبر جهاز الأمن الداخلي التابع لها. والثاني، هو المعالجة الفكرية والأيديولوجية عبر علمائها الدينيين الذين يحاولون إقناع الشباب الجهاديين بخطأ منهجهم الفكري، وثنيهم عن الاستمرار في طريقهم. وكلا الأسلوبين لم يأتِ بالنتائج المرجوة، وبالتالي لم تُفلح حركة حماس في منع العديد من المجموعات الجهادية فى غزة عن مبايعة تنظيم "الدولة الإسلامية"، وهو ما يُنبئ بتصاعد الصدام بين الطرفين، مما قد يترتب عليه عددٌ من التداعيات، من أهمها:
تفكك الجبهة الداخلية لصالح إسرائيل؛ لأن الصراع بين الطرفين يصب بشكل أساسي في صالح إسرائيل بشكل مباشر، لذا رفضت بعض التيارات في غزة وعلى رأسها حركة الجهاد الإسلامي تصاعد المواجهات بين التيارات الجهادية وحركة حماس، معتبرة أن إسرائيل هي المستفيد الأول من أي مواجهات في القطاع، ووصفت في بيان لها الدعوات للقتال بين حماس والتيارات الجهادية بالفاسدة باعتبارها تصب -بلا أدنى شك- في صالح اليهود وحلفائهم الغربيين.
تفاقم الأوضاع الأمنية؛ حيث إن استمرار التصعيد بين الطرفين سيؤدي غالبًا إلى تردي الأوضاع الأمنية، خاصةً أن الأجهزة الأمنية التي تُشرف عليها حركة "حماس"، سوف تلجأ في الغالب إلى الحل الأمني واستخدام القوة مع من يطلق عليهم "مناصرو الخلافة"، خاصة بعد ما قاموا به من تفجيرات قلصت من احتمالية تبني الحوار الفكري معهم.
خلق بيئة جهادية في قطاع غزة، حيث إنه في حالة تراجع الوضع الأمني في غزة فسيكون المناخ مناسبًا للجماعات الجهادية للعمل والازدهار ونشر رسائلها، خاصة في ظل ما لاحظه سكان قطاع غزة في الآونة الأخيرة من انتعاش في تجارة الأسلحة وارتفاع أسعارها. هجمات عسكرية إسرائيلية على القطاع؛ حيث إن التمدد الجهادي في قطاع غزة، وخاصة التيار المؤيد لتنظيم "الدولة الإسلامية"، سوف يمنح إسرائيل ذريعة لضرب غزة؛ لأن الجهاديين التابعين لـ"داعش" مصنفون دوليًّا كإرهابيين، كما أنه يمكن أن يؤدي إلى التعجيل بمواجهات غير محسوبة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، لأنه غالبًا ما ستلجأ التنظيمات الجهادية عند خلافها مع حماس إلى إطلاق صواريخ نحو إسرائيل، كما حدث مؤخرًا عندما أعلن تنظيم يُدعى "سرية الشهيد عمر حديد - بيت المقدس" أنه أطلق صاروخًا واحدًا من نوع "كاتيوشا 130" باتجاه مدينة عسقلان جنوبي إسرائيل، كإهداء إلى "الأسرى المضربين عن الطعام في سجون اليهود، والأسرى في سجون حماس" (على حد قولهم).
وفي النهاية.. على الرغم من أن التنظيمات الجهادية في غزة عبارة عن جماعات صغيرة في الشكل والتنظيم وبدون قيادة واضحة، فإنها قادرة على تمويل نفسها والاستمرارية، خاصة أن المرونة والسيولة التي اتسمت بها عملية تدفق المقاتلين من وإلى التنظيمات الجهادية داخل قطاع غزة، جعلت هذه التيارات تتمكن من الحصول على دعم جيد قد يكفل لها الاستمرار والتمدد خلال الفترة القادمة، بسبب عودة العديد من الجهاديين الذين فروا إلى سيناء المصرية بعد حملة الملاحقة التي قامت بها "حماس" ضدهم قبل ثلاثة أعوام، إضافة للدعم المعنوي والمادي الذي توفره لهم التنظيمات الجهادية الداعمة لهم في المنطقة، مما قد يؤدي غالبًا إلى تزايد حدة المواجهات بين الطرفين خلال الفترة المقبلة.