سئم الشعب الفلسطيني إستمرار هذا الإنقسام المخزي ولم يعد يصدق بأن طرفي الانقسام يريدان إنهائه والاستجابة للإرادة الشعبية.
ليبرمان حارس ليلي سابقاً في روسيا، والذي هاجر الى بلادنا في أواخر سبعينيات القرن الماضي، أصبح لديه من المعرفة والخبرة في الشؤون العربية والفلسطينية بالذات أكثر بكثر من زعمائنا الذين لا هم لهم إلا البقاء في كراسيهم، وهذا الليبرمان أكد لنتنياهو بأن يطمئن بأنه من المستحيل أن تنهي حركتا "فتح" و"حماس" هذا الانقسام.
ولاشك أن الرئيس محمود عباس يريد إنهاء الانقسام وأيضاً الكثير من قادة "فتح"، وبالمقابل أيضاً الكثير من قادة "حماس" يرغبون وبأمانة في إنهاء الانقسام، ولكن هناك أيضاً الكثير من مسؤولي الفصيلين يخشون على مقاعدهم الأمامية ومصالحهم الأنانية اذا إنتهى هذا الانقسام. ويا ليت زعامات الفصيلين تجد الحلول المناسبة لانهاء الإنقسام كي لا نبقى أسرى القلة من الفصيلين، التي تتاجر في قضيتنا سواء بسبب مصالحها أو رغبة منها بإرضاء بعض الدول الاقليمية، والتي تعرف تمام المعرفة بأن إنهاء الانقسام يعني تهديد مصالحها التي ترتبط بتكريسه.
اننا نتألم لما آل إليه الوضع المأساوي في قطاع غزة الذي يعيش فيه ما يقرب من مليوني فلسطيني، أكثرهم من اللاجئين، ونحن نعتبر ونؤكد ان أهلنا في قطاع غزة من أهم أعمدة نضالنا أمام محتل يحلم ليل نهار كيف يستطيع محوهم من الوجود.
واليوم نرى للأسف عدم قدرة السلطة و«حماس» على إنهاء محنة أهلنا في القطاع أو تخفيف معاناتهم، فلا كهرباء ولا مياه صالحة للشرب ولا أدوية للمستشفيات التي تعاني من نقص حاد لإسعاف المرضى أو المصابين من قبل الاحتلال، وحتى المعابر مغلقة أو شبه مغلقة أمام المرضى والطلاب والموظفين الذين يعملون في دول الخليج أو الطلاب الذين يدرسون خارج قطاع غزة، وكل هذا يضاف للحصار الجائر الذي تفرضه اسرائيل منذ سنوات طويلة، وكأننا بعجزنا عن حل أزمة غزة نقدم عملياً خدمة لهذا الاحتلال الذي يذرف دموع التماسيح على معاناة أهل غزة.
كما أن الأونروا في غزة هاشم لم تعد قادرة على تلبية مطالب أهلنا في هذا القطاع الغالي على كل فلسطيني لديه ذرة من الحس الوطني، وكأن زعماءنا من طرفي الانقسام أصابهم العمى، أو الطرش إزاء ما آل إليه الوضع المأساوي الذي يعيشه أهل غزة.
عند حل اللجنة الادارية التي كانت تحكم القطاع، واستلام حكومة الوفاق برئاسة د. رامي الحمد الله شؤون القطاع تنفس أهلنا والشعب الفلسطيني الصعداء معتقدين بأن الخلاص قد جاء وأن الامور في طريقها للحل والتحسن، وبمرور الوقت إكتشفنا بأن الوضع المأساوي بقي كما هو وان وزارة الحمدالله لم تستلم المراكز التي تتحكم في إدارة شؤون القطاع، وما جرى أشبه بخطوات شكلية منه كخطوات جوهرية.
وبدل القيام بخطوات متسارعة لتطبيق المصالحة عاد الفيصلان الى لغة الاتهامات، وطبعاً الخاسر الوحيد هو أهلنا في القطاع خاصة وشعبنا عموما.والأنكى من ذلك أن نرى بعض الزعامات ما زالت تخطب بالجماهير وتوجه التهم لبعضها البعض، وتكيل التهم لأميركا وللاحتلال وكأننا بحاجة لنعرف ما هو الاحتلال وما هو عدونا الأول بقيادة المتصهين ترامب ونائبه بنس، وينسى هذا الخطيب أو ذاك بأن شعبه لا يجد لقمة العيش له ولأطفاله، وانه لن ينسى ولن يغفر استمرار جريمة الانقسام.
لذلك نرجو من قياداتنا أن تسارع الى ايجاد الحلول اللازمة للمساعدة بتأمين الكهرباء والماء، والأدوية اللازمة للمستشفيات والمرضى وتأمين الحياة الكريمة لهذا الشعب المظلوم من الحصار لأكثر من عشر سنوات، ولا يعقل أن يتواصل الحال على ما هو عليه وكأن طرفي الانقسام غير مسؤولين عن استمرار هذه المأساة .
اما عن الجانب الآخر، وهو الجانب السياسي فالمصيبة أكبر، ولا ندري اذا كان زعماؤنا الأفاضل من كل الفصائل يدركون المخطط الرهيب الذي تعده لنا اميركا وبعض الدول التي تعمل لنكبة أخرى أكبر بكثير من نكبة ١٩٤٨، ونكبة ١٩٦٧م، وهي "صفقة" القرن التي أعلن خيوطها غرينبلات، حيث قال أن القرار لن يكون فلسطينياً، بل سيكون إقليمياً، ولا يهم اذا كان الفلسطينيون لا يوافقون، أي أن أميركا لا تريد مفاوضات بل تريد فرض املاءات والذي لا يعجبه فسيجد نفسه خارج السلم الأميركي، وهذا يعني بأن أميركا واسرائيل ستقومان بتنفيذ هذه الخطة بالقوة، أي اعتداء رهيب على الضفة وعلى القطاع بحجج واهية، مثل التذرع بالقذائف التي تطلق من حين لآخر، أو أسباب واهية بأن فصائل القطاع ارهابية او المزاعم بأن الرئيس محمود عباس لا يريد التفاوض، ..الخ من المزاعم المدحوضة، وما وضع اسم الاخ اسماعيل هنية على القائمة السوداء الأميركية الا مقدمة لهذا الاعتداء، مما يجبر أهلنا في القطاع على الهروب بشكل جماعي الى صحراء سيناء، وهذا مخطط قديم يعده لنا الثلاثي كوشنر، فردمان ، غرينبلات، كي يفرغوا القطاع من أهله، وهي خطة من خطط ترامب الصهيونية، أما الضفة فستحاول أميركا إيجاد بديل عن السلطة واحتلال كامل بمعنى سلطة تابعة للقرار الاسرائيلي وايجاد معبر من أبو ديس للحرم القدسي، وبلديات تابعة للاحتلال، والذي لا يعجبه فالأبواب مشروعة له بالرحيل، هكذا يخططون سواء في اليمين الاسرائيلي أو حلفائهم في إدارة ترامب المتصهينة ولكن السؤال الأهم هو: هل يقبل شعبنا وقيادته بذلك؟ بالتأكيد لن يقبل أحد بهذا.
طبعاً صفقة القرن هذه معروفة سلفاً وهي لا تشكل حتى أدنى المطالب الفلسطينية، وهذا ما تبين من اجتماع غرينبلات مع ممثلي الدول الأوروبية، اذ قال: لا يهمنا اذا قبلتها السلطة الفلسطينية أم لا فبعد الاعتراف الاميركي بالقدس عاصمة لاسرائيل تريد أميركا الغاء حق اللاجئين للعودة، الغاء الأونروا، لأن الأطفال المولودين خارج فلسطين لا يحق لهم الاستفادة من وضع اللاجىء، كما ان المستوطنات لا تشكل عقبة أمام السلام، وقد حذرت الدول الأوروبية السلطة بأن الأوروبيين لا يستطيعون الغاء دور الوسيط الأميركي لأن اسرائيل لا تقبل هذا، واذا لم تعجبكم هذه الصفقة فمن الممكن ان نتوسط لدى أميركا لعمل بعض التعديلات .
وبالمقابل ما زالت "فتح" و "حماس" بعيدتين عن انهاء هذا الإنقسام وهو ما يضر بالمصالح العليا لشعبنا وسط هذه الظروف.
لقد قال السيد الرئيس محمود عباس بأن فتح جادة في إنهاء الانفصال، وحتى ان وجدت عقبات كبيرة، لذلك نرجو من طرفي النزاع ان يجدا الحلول لإنهاء الإنقسام، فالإنتفاضة الشعبية السلمية على الأبواب، ومن الواجب احتضانها ودعمها لأن الاحتلال لا يفهم لغة المفاوضات السلمية الحقيقية، كما أن السياسة الأميركية الحالية هي تنفيذ ما تريده اسرائيل، وحان الوقت لتدرك القيادات الفلسطينية بأن إدارة ترامب لا يمكن ان تطرح أي حل يرضي الفلسطينيين وينسجم مع الشرعية الدولية وقراراتها.
الغباء الأميركي الاسرائيلي لا حدود له، لأنه ولغاية الآن ومنذ النكبة الأولى ثبت للمحتل ولأميركا بأن الشعب الفلسطيني لم ولن يستسلم لأي من غزاة التاريخ، بل بالعكس صمد في أرضه ورحل الغزاة اما طواعية أو بالقوة، وقد قبلت السلطة الشرعية بحدود ١٩٦٧ من فلسطين التاريخية لتحقيق السلام، وليس لأن اسرائيل تستحق هذه الأرض الفلسطينية وبدلاً ان تتلقف اسرائيل هذا الموقف السخي، أمعنت في القمع، وتعميق الكراهية والاستمرار في حملات الاعتقال والقتل، واكبر دليل على رفض شعبنا وإصراره على حقوقه هو إستشهاد المناضل أحمد جرار بعد ثلاثة أسابيع من مقتل حاخام المستعمرين، وقبل ذلك إستشهاد والده وهو طفل. كما أن عهد التميمي أيقونة معتقلات الانتفاضة الثالثة، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن الشعب الفلسطيني لا يهاب الموت، ولا الاعتقال في سبيل أرضه وكرامته وحريته.
الشعب الفلسطيني يقول لأمريكا وللاحتلال أن من صبر ثمانين عاماً يستطيع الصبر خمسمائة عام وألف عام أخرى ولن يستسلم، فالشعب الذي قدم قوافل الشهداء والأسرى والجرحى، وآخرهم الشهيد أحمد جرار وما سبقه وتلاه من شهداء وجرحى وأسرى لن يرفع الراية البيضاء وسينتصر إن آجلاً أو عاجلاً لأن قضيته قضية عادلة مدعومة بالشرعية الدولية وبكل إصرار العالم.