عقد مركز رؤية للدراسات السياسية والاستراتيجية مؤتمره السنوي الثالث، اليوم السبت، حول الرؤية الأمريكية تجاه العالم في ظل حكم ترامب، بمشاركة عدد من الأكاديميين والباحثين وأساتذة العلاقات الدولية والعلوم السياسية في غزة، من خلال تناول وثيقة الأمن القومي الأمريكية الجديدة ودراستها دراسة معمقة عبر توزيع الوثيقة على محاور لسهولة فكفكتها وتحليلها ودراستها دراسة موضوعية معمقة، من أجل معرفة استراتيجية ورؤية إدارة ترامب تجاه الداخل الأمريكي وتجاه أبرز الفواعل الدولية والإقليمية، عبر محورين تناول المحور الأول البعد الدولي للاستراتيجية الأمريكية الذي تضمن الاستراتيجية الأمريكية تجاه روسيا والصين وأوروبا، وتناول البعد الإقليمي الاستراتيجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط وبالأخص تجاه مصر والسعودية وإيران وتركيا، وتجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبعد بحث معمق من خلال أوراق بحثية معمقة قدمها ثلة من خيرة أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في غزة تناولت مفاصل وثيقة الأمن القومي الأمريكي في عهد ترامب، وبعد مناقشات جدية وموضوعية بمشاركة نخبة من الباحثين والأكاديميين والمختصين في مجال العلاقات الدولية والقانون الدولي والعلوم السياسية، توصل المؤتمر للنتائج التوصيات التالية:
من أهم النتائج التي خرج بها المؤتمر:
- تعمد استراتيجية الأمن القومي الأمريكي في عهد ترمب على مبدأ أمريكا أولًا، وترتكر على أساس نظرية المعاملة بالمثل، في إطار تحديدها آلية التعاون مع الشركاء الدوليين، لكون مصالح أمريكا وفق رؤية إدارة ترابم فوق كل اعتبار ولها الأولوية حتى على حساب الأيديولوجيا والقيم والأفكار.
- محافظة استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة على وضعية أحادية القطبية، من خلال منع ظهور أية قوة مساوية، أو الطموح لأن تكون على قدم المساواة مع الولايات المتحدة، مثل الصين والاتحاد الأوروبي وروسيا، حتى الهند، والتي تسعى ألا تهيمن أي قوة صاعدة على أي منطقة في العالم، في إطار استمرار هيمنة القطب الواحد على النظام الدولي.
- اعتماد الاستراتيجية على أربعة محاور رئيسية تستند إلى: حماية الوطن الأمريكي، وتعزيز الرخاء للاقتصاد الأمريكي، والحفاظ على السلام العالمي، وتعزيز الدور الأمريكي على الساحة الدولية.
- ارتكاز مفهوم الحفاظ على السلام من خلال القوة على ضرورة تطوير القدرات العسكرية الأمريكية بحيث تبقى متأهبة لمواجهة العدو والقتال إذا لزم الأمر لضمان أن تبقى أمريكا هي القوة المهيمنة على العالم والحرص على توازن القوى في المناطق الرئيسية، وهي أوروبا والشرق الأوسط ومنطقتي المحيطين الهندي والهادي.
- تحدد الاستراتيجية ثلاثة أنواع من التحديات، تتمثل في القوى الساعية لتغيير النظام العالمي كالصين وروسيا و"الأنظمة المارقة"، مثل كوريا الشمالية وإيران، ومجموعات إرهابية ناشطة.
- سعي الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لمواجهة التهديدات العابرة للحدود، والتي تتمثل في الجماعات الإرهابية مثل (داعش) بوصفها أكبر خطر يواجه الأمة الأمريكية، من خلال مواجهة هذه الجماعات فكريًا وأمنيًا بالتعاون مع القوى الصديقة للولايات المتحدة الأمريكية.
- تناقض الرؤية الاستراتيجية لإدارة ترمب تجاه الداخل الأمريكي مع الفكرة التي قامت عليها أمريكا، والخاصة بالهجرة والتنوع الثقافي والإثني الذي يميز المجتمع الأمريكي، باعتباره أحد أركان القوة والمكانة الأمريكية.
- تنظر وثيقة الأمن القومي الأمريكية لروسيا والصين بأنهما قوتان منافستان لها على الساحة الدولية يسعوا لقلب موازين القوى الحالية في العالم، كما أنهما تتحديان قوة ونفوذ ومصالح الولايات المتحدة، وتحاولان الاضرار بأمن أمريكا ورخائها، وذلك لتغيير الوضع القائم، لذلك يتوجب على الولايات المتحدة إعادة التفكير في سياساتها على مدى العقدين الماضيين.
- وصفت وثيقة الأمن القومي الأمريكي حلف شمال الأطلسي (الناتو) على أنّه يُمثّل تهديدًا للولايات المتحدة إذ ربما يكون التهديد الذي مثله الناتو هو وصوله للحدود الروسية وتدخله في الشؤون الداخلية لدول المحيط الروسي والتي كانت جزءًا من مجال نفوذ روسيا. إنّه يُهدد بزيادة التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا.
- ﻻ ﺘﺴﺘﻁﻴﻊ ﺍﻹﺩﺍﺭﺓ ﺍﻷﻤﺭﻴﻜﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﺃﻭ ﺃﻱ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ ﺘﺠﺎﻫل ﺍﻟﺩﻭﺭ المهم ﺍﻟـﺫﻱ ﻴﻘـﻭﻡ ﺒـﻪ ﺍﻻﺘﺤﺎﺩ ﺍﻷﻭﺭﻭﺒﻲ ﻓﻌﺩﻡ ﺍﻟﺘﻭﺍﻓﻕ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﺠﺎﻨﺒﻴﻥ ﻴﻌﻨﻲ ﺍﻹﺨﻔﺎق، ﻟﻺﺩﺍﺭﺓ ﺍﻷﻤﺭﻴﻜﻴﺔ ﻭﺘﻜـﺎﻟﻴﻑ اكبر
- سوف تستمر العلاقات الصينية الأمريكية في ظل إدارة ترامب بندية دائما وتعاون غالبا واختلاف أحيانا، لأننا هنا نتحدث عن لوبيات اقتصادية تسيطر على مصدر القرار الأمريكي ولها مصالحها في الصين ولن تسمح بأي تهور سياسي من قبل ترامب قد يعرقل نفوذها التجاري والصناعي في المقابل تدرك الصين حيوية علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة.
- تؤكد الولايات المتحدة الأمريكية في استراتيجيتها الجديدة تجاه منطقة الشرق أنها ليست بصدد الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط بأي حال، أو تقليل وجودها فيها، كما تؤكد أنها لن تشمل السياسات الأمريكية تجاه المنطقة أية محاولات لفرض اصلاحات ديمقراطية على الأنظمة في الشرق الأوسط، غير أن الولايات المتحدة ستقوم بدعم الأنظمة التي تُقَرّر تعزيز الإصلاحات من تلقاء نفسها، مثل السعودية ومصر، (وهذا خلاف موقف إدارة أوباما التي كانت تنادي بالإصلاحات وفق مشروع الشرق الأوسط الكبير)
- ترتكز الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، على عدد من القواعد العسكرية الأمريكية القابلة للزيادة وضمان القدرة الأمريكية العسكرية على السيطرة والتدخل السريع في أي منطقة اضطرابات في الشرق الأوسط بهدف الحفاظ على مصالحها وأمن استقرار إسرائيل، وعدم السماح بظهور قوة نووية، غير إسرائيل.
- الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في عهد ترامب تجاه إيران تقوم على فكرة إحياء "محور الشر"، باعتبارها "آفة العالم" كما تسعى إدارة ترامب لاستبدال الاحتلال الإسرائيلي كمهدد للأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بالتمدد الإيراني في المنطقة، من خلال التركيز على الأخطر الإيراني وتصويره باعتباره ما يمنع الاستقرار في المنطقة وليس الصراع العربي الإسرائيلي.
- ترى الاستراتيجية الأمريكية الجديدة أن الحل للتهديد الإيراني، وإرساء الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، سيكون من خلال بناء تحالف تنتج عنه جبهة موحدة وواسعة، تشكل توازن للقوة الإقليمية في وجه إيران، وتقترح أن يقوم هذا التحالف على التعاون بين دول الخليج السنية، وأن يشتمل على التعاون مع إسرائيل.
- غابت القضية الفلسطينية عن المحاور الرئيسية في وثيقة الأمن القومي الأمريكي، فقد جاءت قضية الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي في ذيل هذه الأولويات، رغم أن إدارة ترامب تسعى لتصفية القضية الفلسطينية وفق المنظور الإقليمي أو الحل المؤقت عبر طرح فكرة الدولة ذات الحدود المؤقتة، وليس وفق قرارات الشرعية الدولية، وليس على أساس حل الدولتين.
- الهدف الوحيد لاستراتيجية الأمن القومي الجديدة لواشنطن هو إعادة الهيمنة الأمريكية والاحتفاظ بعالم أحادي القطب. فالولايات المتحدة تشعر بتهديد حقيقي لمكانتها على رأس النظام الدولي في ظل الصعود المضطرد لروسيا والصين اللتان تحاولان تغيير النظام الدولي الى نظام متعدد الاقطاب، وتظل هذه الاستراتيجية في الجوهر وفية لاستراتيجية أصلية، عمادها إخضاع العالم وتسخيره لإرضاء الولايات المتحدة، حتى في أوج الانعزال عنه.
ثانياً: التوصيات
- ضرورة إعادة الاعتبار للهدف الاستراتيجي للقضية الفلسطينية كحركة تحرر وطني وقومي، مع إجراء مراجعة نقدية لتجربة العمل الفلسطيني على كافة الصعد، بما يؤدي إلى إعادة بناء وتطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وباقي مكونات النظام السياسي الفلسطيني.
- يتوجب على العرب والمسلمين ان يكفوا عن المراهنة على الانتخابات الامريكية ونتائجها، ويعتمدوا على أنفسهم، عبر الاستخدام الأمثل للأوراق السياسية والاقتصادية التي يملكونها في التعامل مع سياسة إدارة ترامب، التي سوف تأخذ طابع الصفقات التجارية باعتباره رجل أعمال وليس رجل سياسة.
- العمل على ضرورة فتح حوار استراتيجي بين العرب وخاصة دول الخليج وإيران لحل الخلافات السياسية التي تسمح لأمريكا وإسرائيل باستغلالها لاستنزاف الطرفين.
- يتوجب على العرب بلورة موقف موحد من إدارة ترمب، والشروع في التفكير العملي والجدي لكيفية التعامل مع ترمب، ومرحلته، وإدارته، واستغلال حاجة ترمب لإنعاشه الاقتصاد الأمريكي، بهدف ضمان بقاء السياسة الأمريكية قريبة من المصالح العربية، خاصة في مجال القضية الفلسطينية.
- يجب الوقوف بشكل جدي أمام السياسة الأمريكية الرامية لتغير أسس عملية السلام، وتصفية القضية الفلسطينية عبر الحلول المؤقتة أو الحل الإقليمي التخلي عن حل الدولتين، كأساس لحل القضية الفلسطينية.
- ضرورة الإسراع في إنهاء الانقسام وتنفيذ بنود المصالحة وفق الاتفاقات والتفاهمات التي تمت، لأنه الضمانة الوحيدة لمواجهة التحديات التي تفرضها إدارة ترمب.
- ضرورة مواصلة المعركة الدبلوماسية في الأمم المتحدة الرامية لكسر القرار الأمريكي بخصوص القدس والانحياز للجانب. الصهيون، والتصدي لكل المحاولات الأمريكية الهادفة لتعويم وكالة الغوث وشطب طابعها الخاص المرتبط بلاجئي شعبنا، وبحقه في العودة إلى القرى والمدن التي هجر منها في فلسطين التاريخية، العمل على عقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات لتطبيق قرارات الشرعية الدولية المنصفة لشعبنا.