باراك يستعيد شهيته

ايهود-باراك
حجم الخط

27 حزيران 2015   عندما تكون مناسبة في المركز متعدد المجالات في هرتسيليا، ويكون كل من له ضلع في السياسة، في الامن وفي الاقتصاد، في الحاضر وفي الماضي ليعربوا على آرائهم أو عن افكاره، فان المكان الافضل من حيث المستمع الحذر هو الجلوس في الصف الاول، قريبا من المنصة قدر الامكان، وذلك كي يلاحظه الخطيب والا يتحدث شخصيا ضده. ففي بلادنا الصغيرة، مرغوب فيه من الضيف او المشارك الجلوس حول الطاولة، خشية ان يجد نفسه في الصحن، حين يأكلونه بشهية واللعاب يسير من الفم. 

لقد نزت محاضرة ايهود باراك بالغة العناية والفكر في ذاك المؤتمر قبل نحو اسبوعين رائحة انتخابات، رغم أن المملكة لم تشف بعد من مشاكل تشكيل الحكومة، وهي لا تزال تنجح في البقاء بفارق صوت. ورغم أن باراك جسد على نحو جميل حلمه في أن يكون مليونيرا، فانه قلق مما يحصل في الدولة ومن مسألة الى اين تؤدي بها القيادة الحالية. «عندي اهتمام بما يجري هنا، عندي ابناء واحفاد هنا»، هكذا كشف النقاب في نوبة نادرة من المشاعر. وان كان ينبغي أن نتذكر بأن المبرر العاطفي لم يمنع ابدا عقله التحليلي الذي يسير مجده امامه، من تنفيذ خطوات ملتوية وغريبة. وفي المرة الاخيرة التي تولى فيها منصب وزير الدفاع في حكومة اولمرت، كانت حاجة لـ 53 توقيعا من جنرالات متقاعدين على منشور علني لإقناع اولمرت بتعيينه في المنصب المنشود.
كمدني وكمليونير، كان ظهور باراك في المؤتمر متعدد المجالات لامعا، من حيث المضمون ومن حيث التوقيت على حد سواء. «يمكنك ان تكتب مقالا تحت عنوان «عودة عازف البيانو»، همس لاحد المشاركين ملمحا بعازفي بيانو يوشكان على خلافة باراك في مكان سكنه الفاخر. لقد كان هذا خطابا زعاميا انطلقت منه دعوة يمكن ان نصيغها على النحو التالي: اذا ما دعوتموني، فسآتي.
وبالفعل، لعل هذا هو القسم الاهم في المحاضرة: باراك يريد أن يعود. احد الاشخاص الاقرب له تساءل بعد ذاك الخطاب: «هل هذا الرجل الكفؤ ولكن غير عديم الاشكالية، في طريق العودة الى السياسة؟» وبالفعل، باراك لن يؤكد ذلك، ولكن في احاديث لغير الاقتباس واضح انه اذا ما دعي لخدمة العلم، فانه سيستجيب. ذات المصدر السياسي ذكر ايضا بان «باراك هو الرجل الوحيد بيننا الذي هزم نتنياهو».
باراك نفسه نسب وزنا كبيرا لمحاضرته – خطابه في هرتسيليا. نسخ مصورة بنجوميته وزعت على عشرات المحافل السياسية والحزبية. وفي اوساط المتلقين للنسخ نشأ الانطباع بانه بدا وسمع حادا ومركزا وواثقا بنفسه. «دوما كان لباراك قدر من القطيعة، الابتعاد وغريزة القتل»، قال احد المقربين. وعندما سئل اذا كان هذا يعني عودة رسمية للسياسة، كان جوابه: «فليفكر كل واحد بنفسه». هل سينشأ وضع سنحتاج فيه الى ذلك قريبا؟ «الايام وحدها ستقول».
ابن 73، معروف يبيع بمال جيد تحليلاته الاستراتيجية للشركات الدولية، حسب الصيغة التي اخترعها هنري كيسنجر بعد اعتزاله الحكم – لا يزال، حسب رأيه على الاقل، بكامل قوته واهليته للعودة الى الحكم. مع من؟ على ماذا؟ هذا اقل اهمية، ما هو اكثر اهمية هو أن باراك يرى فرصة كبيرة لتسوية اقليمية شاملة، فرصة تقع مرة واحدة في سنوات جيل. «أكثر من أربع سنوات وأنا اجد نفسي احذر المرة تلو الاخرى في الكابينت، في محفل الثمانية، في الحكومة وفي الجمهور من أن التسونامي السياسي يقترب منا»، يقول باراك ملمحا من هو الواحد والوحيد الذي يمكنه ان يمنع التدهور في المنحدر السلس نحو الدولة الواحدة. الى ماذا يتطلع، هذا واضح. فقد عادت له شهية ان ينتخب. وبطريقته الخاصة فانه يسخن المحركات. المهم الا يخرج هذا على لسانه.

عن «هآرتس»