أجمع غالبية المحللين الإسرائيليين، على أن الحديث عن بداية النهاية السياسية لحياة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وذلك بعد نشر توصيات الشرطة بشأن تقديمه للمحاكمة بشبهة تلقي الرشوة.
ويتفق هؤلاء على أن نتنياهو يحاول كسب الوقت الذي لا يعمل بصالحه من جهة ردود الفعل المرتقبة في الشارع الإسرائيلي ومخاوف كتل الائتلاف الحكومي من خسارة مقاعد في الكنيست نتيجة مواصلة الدفاع عن رئيس حكومة متهم بالفساد.
وحظي نتنياهو بدعم منقطع النظير داخل حزبه وأيضًا من قبل الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي التي منحته "طوق نجاه مؤقت"، بإعلان وزير المالية موشيه كحلون بأن القول الفصل سيكون للمستشار القضائي للحكومة.
فقد كتب المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" العبرية ألوف بن، إن "العد التنازلي لحياة نتنياهو السياسية قد بدأ مع نشر توصيات الشرطة بتقديمه للمحاكمة بتهمة تلقي الرشوة".
وأشار، إلى أنه رغم تصريحاته ضد المحققين وتكرار مقولته "لن يكون أي شيء لأنه لا يوجد أي شيء"، فإن الجزء الأهم الذي لم يقال هو إنه لم ينقض الحقائق القاسية التي نشرتها الشرطة، ولم ينف أنه طلب وحصل على هدايا ومنافع بمبالغ طائلة، وارتفعت مع وصوله إلى السلطة.
وقال: "هو (نتنياهو) لم ينف أنه حاول الدفع بتشريعات ومشاريع تجارية ووساطة مع الولايات المتحدة لمساعدة أرنون ميلتشين، ولم ينف صفقة "البيع والشراء" مع ناشر صحيفة يديعوت أحرونوت أرنون موزيس للحصول على التغطية الإيجابية، مقابل تقليص انتشار يسرائيل هيوم".
ويدعي نتنياهو في المقابل، أن المفتش العام للشرطة الإسرائيلية روني ألشيخ، وقادة شعبة التحقيقات يتآمرون على إسقاطه من السلطة، دون أن يكشف الدوافع لذلك.
كما يدعي أنه خصص كل حياته العامة، منذ أن تجند للجيش الإسرائيلي وحتى ولاياته الثلاث في رئاسة الحكومة، لصالح "إسرائيل" وأمنها وازدهارها.
وبحسب المحلل السياسي، فإن نتنياهو يعتقد أن القوة السياسية لخدمته هو وليس لخدمة الجمهور، ولذلك حلّ الكنيست السابقة بسبب اقتراح قانون "يسرائيل هيوم" لضمان صفحة الرسائل المعلنة الخاصة به، كما سعى لإغلاق القناة العاشرة لأسباب لم يذكرها.
وأشار إلى أن نتنياهو يحاول كسب الوقت على أمل أن يبقيه المستشار القضائي للحكومة، أفيخاي مندلبليت في منصبه، وسيحاول عرض عضو الكنيست يائير لبيد، الذي شهد ضده في قضية ميلتشين، كصاحب مصلحة سياسية.
ولفت المحلل السياسي، إلى أن نتنياهو سيواصل التهجم على المحققين، ولكن في نهاية المطاف فإن مصيره سيحسمه شركاؤه السياسيون، موشي كحلون ونفتالي بينيت، إذ سيضطرون لتقديم مبررات لمواصلة دعم زعيم فاسد، وعدم تفكيك الائتلاف، بينما سيحاول نتنياهو ردعهما من باب الخشية من هروب المصوتين انتقامًا منهما على إسقاط حكومة اليمين، ولكن حتى لو تمكن من كسب الوقت في منصبه، فإن ثقل الشبهات سيهزمه.
فيما كتب المحلل يوسي فيرتر في الصحيفة نفسها، أن نتنياهو كان يوم أمس أشبه ما يكون برئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، قبل 10 سنوات عندما صرح أنه لم يتلق أي رشوة، مشيرًا إلى أن نتنياهو بدأ حديثه أمس عن خدمته العسكرية وولايته كمندوب في الأمم المتحدة وما أسماه بالإصلاحات كوزير للمالية.
وبحسبه فإن نتنياهو يبدو كمن لا ينوي الاستقالة والتوجه نحو انتخابات مبكرة، بل استغلال منصبه كأفضل وسيلة دفاع أمام قرار تقديمه للمحاكمة، وبالتالي فمن المحتمل أنه لن يصل الانتخابات القادمة بعد سنة أو يخسر بها.
وأضاف "نتنياهو بدأ هائجًا وفي حالة من الضغط، ولا يمكن تجاهل التشابه بينه وبين حادث مماثل قبل 10سنوات، عندما صرح أولمرت أنه لم يتلق رشوة".
وتابع أن "المواطنين يستحقون شيئاً أفضل من زعماء فاسدين وطماعين وعاشقين للأموال وفاقدين للأخلاق".
كما كتبت سيما كدمون في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن الحديث عن "بداية النهاية" بالنسبة لنتنياهو، مشيرةً إلى أنها توقعت أن يعلن نتنياهو استقالته في بداية خطابه.
وبينت، أنه اتضح أمس أن "الحديث ليس عن بضعة سيجارات أو هدايا بين أصدقاء، وإنما عن تلقي رشوة وصل إلى مليون شيكل".
وكتبت أن "نتنياهو بدأ يوم أمس كمن انجرف بمنحدر ويحاول التعلق بأي شيء بطريقه، لكن حتى المتشككون الذين كانوا يعتقدون أنه يستطيع تخليص نفسه أدركوا أمس أن الحديث عن بداية النهاية بالنسبة له، وهو يدرك أنه في وسط أنصاره لن يصدق كثيرون ادعاءاته التي حاول تسويقها".
وأنهت بالقول، إن نهاية حياته السياسية ستستغرق بعض الوقت، وربما تستغرق شهورًا كثيرة، إذ لا يوجد قانون يجبره على الاستقالة، ولكن هناك الكثير مما يتعلق بالجهار السياسية.
وتساءلت: "هل سيوافق كبار المسؤولين بالليكود على إبقاء مشتبه بتلقي الرشوة رئيسا للحزب ورئيسا للحكومة، وكذلك رؤساء الكتل الائتلافية. لكن سيتضح موقف كحلون وبينيت وأفيغدور ليبرمان خلال وقت قصير، بعد نشر الاستطلاعات وتنظيم المظاهرات في الشوارع، ويتبين عدد المقاعد التي سيخسرونها إذا واصلوا الدفاع عن رئيس الحكومة".
وبدوره، كتب الكاتب بن كسبيت في صحيفة "معاريف"، تحت عنوان "من بعدي الطوفان"، أن الشرطة أوصت بتقديم نتنياهو للمحاكمة ثلاث مرات، كانت الأولى عام 1990، والثانية عام 2000، والثالثة أمس. ورغم التبدل بأجهزة الشرطة والمحققين والمفتشين العامين للشرطة، ورؤساء شعبة التحقيقات، ولكن لا يزال نتنياهو أمام التوصيات ويحاول التشكيك بمصداقية المحققين.
ويشير إلى أن ألشيخ عينه نتنياهو بنفسه، وأنه "نذر نفسه لأمن الدولة، وهو مستوطن نشأ في مستوطنة كريات أربع".
ويضيف أن "نتنياهو لم يتعلم الدرس وتورط المرة تلو المرة، دون أن يدرك أنه يتوجب عليه أحيانًا أن يخرج حافظة نقوده من جيبه ويدفع بنفسه مقابل شيء".
وكتب أيضًا أن "كحلون يجلس مع نتنياهو بنفس القارب الذي يتسرب إليه الماء. وبينما يحاول نتنياهو شفط المياه المتسربة فإن كحلون سيتوقف عن مساعدته ويقفز إلى الماء قبل أن يغرق القارب".
وفي صحيفة "يسرائيل هيوم" المحسوبة على نتنياهو كتب أمنون لورد مدافعًا عنه من خلال الهجوم على ألشيخ. وبحسبه فإنه "قد مس بمصداقيته"، مضيفًا أن نشر التوصيات هو "حدث سياسي ينهي مرحلة في التحقيقات السياسية ضد رئيس الحكومة".
أما يوسي بيلين فقد كتب في صحيفة "يسرائيل هيوم"، أنه يتوجب على نتنياهو تقديم استقالته.
وبحسب بيلين، الذي بدا كمن يحاول أن يكون معتدلاً في موقفه، فإنه لم يكن نتنياهو بحاجة للتوجه إلى الجمهور لتعداد ما قام به في الجيش ووزارة الخارجية، حيث أنه "لا أحد يتهم نتنياهو بالخيانة أو بإهمال شؤون الدولة، ولكن بالفساد الشخصي، وهنا لا يوجد علاقة بين إخلاصه للدولة وبين الشبهات الثقيلة ضده".
وأضاف أنه شعر، خلال خطاب نتنياهو، وكأنه "يرى نفسه داخل قاعة المحكمة، ينتظر صدور الحكم الذي يحدد عقوبته، وهي المرحلة التي يتحدث فيها أناس عن مناقبه لتخفيف العقوبة بسبب ماضيه الإيجابي".
وكتب أيضا أن "الأمر الصائب بالنسبة لنتنياهو، الآن، هو أن يكرس وقته للدفاع عن نفسه، وأن يخلي مكانه لمن سيكرس تفكيره وجهده لشؤون الدولة. وبالتالي عليه أن يعلن عن تعذر قيامه بواجبه، وتسليم منصبه لوزير آخر في الحكومة".
ويضيف أنه حال تقديمه للمحاكمة، وتبين أنه مذنب، فإن تعذر قيامه بمهام منصبه يصبح دائمًا، وبالنتيجة تستقيل الحكومة. وحال تقرر عدم تقديمه للمحاكمة يستطيع العودة لمنصبه.
ولا يزال أمام نتنياهو متسعٌ من الوقت (فترة تتراوح بين 4-6 أشهر)، قبل أن مندلبليت القرار النهائي بشأن توصيات الشرطة بتقديم لوائح اتهام ضده، بتهم تلقي الرشاوى والفساد وخيانة الأمانة.