لعنة نقل السفارة

thumbgen (34).jpg
حجم الخط

 

يوم الجمعة الماضي أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس في مايو/ أيار القادم، اي في ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني ال70، وهي ذكرى أليمة وقاسية. وكأن الولايات المتحدة بقرارها السافل واللئيم تريد ان تنكْ الجراح الفلسطينية أكثر فأكثر، وتحاول كي الوعي الفلسطيني بالقبول بالجريمة الأميركية المتناقضة مع مصالحهم الوطنية، ومواثيق وقرارات الشرعية الدولية، وكأنها ثابت من الثوابت، وأمر بات مفروغا منه، على إعتبار أن ما تقرره الإدارة الأميركية يصبح "أمراً مسلما به" و"حقيقة دامغة"، وهو ما ترفضه القيادة والشعب، ولا تسلم به، ولا يحمل بالنسبة للفلسطينيين اي دلاله سياسية، ولا يلزمهم إلآ بالدفاع عن ثوابتهم الوطنية. 

مما لا شك فيه، أن الرئيس ترامب إعترف في ال6 من كانون أول / ديسمبر 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولكن القيادة الفلسطينية ونخب الشارع السياسي راهنت لبعض الوقت على مراجعة تلك الإدارة الأميركية قرارها، خدمة لمصالحها السياسية والإقتصادية والأمنية. لكن الرئيس ترامب وأركان إدارته المارقة، والمتطابقة مع توجهات إئتلاف اليمين المتطرف الإسرائيلي الحاكم لم يعيروا إنتباها لمركبات الصراع الدامية منذ سبعة عقود، ولم يأخذوا بعين الإعتبار الرفض الفلسطيني والعربي والأممي للقرار الأهوج ، وواصلوا التمسك بذات القرار العدائي، وتشددوا في إنتهاج ذات السياسة الجائرة والعدمية. ولهذا عادت وصرحت نيكي هيلي، مندوبة أميركا في الأمم المتحدة بأن "السماء لم تسقط"، وبات أمر الإعتراف بالقدس أمرأ "مقبولا"؟! 

لكنها تجهل جهلا تاما، هي وباقي أركان الإدارة سياسة الشعب العربي الفلسطيني وقيادته، فالقيادة الحكيمة والشجاعة، لم تذهب إلى دائرة التطرف، وحرصت على التعاطي المسؤول والديبلوماسي مع القرار الأميركي المشؤوم، وإنتهجت سياسة مرنة لإعطاء فرصة للرئيس دونالد ترامب وأركان إدارته لمراجعة الذات، وإشتقاق سياسة مغايرة، والإبتعاد عن منطق الإستخفاف بالحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية، وإستنباط ما يشي بالحرص على التوازن في التعاطي مع ركائز التسوية السياسية، والإبتعاد عن توجهات سفيرها الصهيوني الأرعن، ديفيد فريدمان، الذي يمثل صورة الصهيوني الأكثر تطرفا وعدوانية ضد الشعب الفلسطيني. لكن إدارة ترامب لم تراجع ذاتها، ولم تأخذ المرونة والحكمة الفلسطينية بعين الإعتبار، وإفترضت أن ذلك إستسلاما وقبولا بالقرار المشؤوم. وهذا ناجم عن فقر حال سياسي، الأمر الذي يفرض على القيادة الفلسطينية انتهاج سياسة مغايرة تستجيب لمصالح الشعب العليا، وتعكس الإصرار على رفض القرار اللعنة وتداعياته لإرسال رسالة للولايات المتحدة والأقطاب الدولية على حد سواء، لاسيما وان معظم تلك الأقطاب لا تستطيع تجاوز الموقف والقرار الأميركي أرتباطا بالمعادلة الدولية الناظمة لتقاسم النفوذ في العالم. 

وهذا يتطلب إنتهاج سياسة أكثر صرامة وقوة في مواجهة التحدي الأميركي السافر، كي تصغي الأقطاب الدولية جيدا للرفض الفلسطيني، وحتى تستشعر تلك الأقطاب الأخطار المحدقة بالأمن والإستقرار في إقليم الشرق الأوسط عموما الناجم عن ذلك القرار الإجرامي. ولإدراك أبعاد الحكمة السياسية، التي إنتهجها الرئيس محمود عباس، في انها لم ليست نتاج ضعف، بل كانت من موقع القوة والشجاعة. لكن من الواضح أن أميركا لا تعرف سوى لغة خلط الأوراق. التي لن تتردد القيادة الفلسطينية في اللجوء لها للدفاع عن الأهداف الوطنية، كما يليق بالسجل الوطني الفلسطيني لترسل درسا مهما لنيكي ورئيسها ترامب، ولتؤكد لها أن اللعب مع الفلسطينيين ليس أمرا سهلا، بل مكلفا، وله ثمن غالي. دون ان يعني ذلك للحظة التخلي عن خيار السلام، والتسوية السياسية والكفاح الشعبي السلمي كناظم للمواجهة مع دولة الإستعمار الإسرائيلي. وهو ما يمنحها القدرة على  الإمساك بزمام الأمور، وعدم السماح لإي طرف في المنطقة والإقليم التحدث نيابة عنها وعن شعبها صاحب القرار الأول والأخير في الصرع، وكونها المعنية بالدفاع عن الحقوق والثوابت الوطنية العليا.