إبراهيم يقلب الحقائق

التقاط.PNG
حجم الخط

 

سهل على أي من الكتاب اللجوء لسياسة الشتم والردح لكائن من كان. ولكن هذا أسوأ إسلوب في مناقشة ودحض الرأي الآخر، حتى لو كان الآخر يعلم انه يزور الحقائق، ويتطاول على الحقوق الوطنية والإنسانية، وحتى لو كان الكاتب يعلم أن الشخص الآخر مرتبط مع جهات أجنبية. لذا لتنفيد الرأي الآخر يتوجب إعتماد الحوار العلمي والمنطقي المرتكز على الحقائق والوقائع لوصمه بما يستحق.

عطفا على ما تقدم، ساتناول هنا مقابلة مع سعد الدين إبراهيم، رئيس مجلس أمناء مركز بن خلدون مع جريدة "المصريون" يوم الثلاثاء  الموافق 27 شباط الماضي، التي تطاول فيها على الشعب العربي الفلسطيني، وأنكر الحقائق، وإنحاز بشكل فاضح لدولة الإستعمار الإسرائيلية، عندما أجاب على سؤال بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قائلا أن " وجود إسرائيل في فلسطين بات "حق إستحقاقي"، لإنهم جاؤوا وبنوا وعمروا، والدليل -بحسب وجهة نظره – إنشائهم لمجتمعات حديثة وجامعات، تكاد تكون أقدم من جامعة القاهرة." والأنكى مما تقدم لي عنق الحقيقة، حين أكد كذبا وإفتراءا على الشعب الفلسطيني قائلا "أن الإسرائيليين يريدون أن يعيشوا مع الفلسطينيين، إلآ ان الأخيرين يرفضون"؟؟

وواصل التجني على الوقائع والحقائق الدامغة في مكان آخر عندما إستخدم رفض الفلسطينيون لقرار التقسيم 181 الصادر عام 1947 في حينه بشكل عدواني، لإسقاط مواقفه المتساوقة مع دولة الإستعمار الإسرائيلية، فقال  "أن الإسرائيليين أرادوا أن يعيشوا مع الفلسطينيين، ولكن االشعب الفلسطيني والعربي رفض ذلك بما يعرف ب"قرار التقسيم"، ولكن الآن للأسف نسعى إليه."

وبالتوقف أمام ما جاء على لسان سعد الدين إبراهيم نلاحظ التالي، أولا لم يحرص المذكور على التمييز بين الوجود الطبيعي والوجود الإستعماري؛ ثانيا غيب عن سابق تصميم وإصرار دعم دولة الإنتداب البريطاني غير المحدود للحركة الصهيونية تنفيذا لوعد وزير خارجيتها بلفور في نوفمبر 1917 في بناء "الوطن القومي" لليهود في فلسطين العربية، ولم يشر لتسهيلات بريطانيا الممنهج لموجات الهجرة الصهيونية من دول العالم لفلسطين، وإسهامها في إنشاء المؤسسات الأكاديمية والصناعية والزراعية في فلسطين في ثلاثينيات القرن العشرين وقبل نشوء إسرائيل ذاتها بعقدين؛ ثالثا وتجاهل بشكل متعمد التطور المجتمعي الحضري في أوساط الشعب العربي الفلسطيني، الذي كان يعتبر منارة وعلى كل الصعد والمستويات التربوية والثقافية والفنية والإعلامية والصناعية في الأقليم عموما. وكأنه أراد بقوله عن بناء الإسرائيليين الصهاينة "لمجتمع حديث"، على إعتبار أن الفلسطينيين كانوا في طور البداوة؟ رابعا لم يميز رئيس مجلس أمناء مركز بن خلدون التعايش، الذي كان سائدا بين ابناء الشعب الفلسطيني على أرض وطنه الأم فلسطين من اتباع الديانات المختلفة قبل قيام دولة إسرائيل، وبين صراع الشعب الفلسطيني مع المشروع الكولونيالي الصهيوني منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى يوم الدنيا هذا؟ خامسا أغمض سعد الدين إبراهيم عينيه عن دور أهل النظام العربي الرسمي في نكبة الشعب العربي الفلسطيني، ولم يحاول إنصاف الشعب الفلسطيني؛ سادسا كما تطاول على الحقائق بشكل سافر حين تجاهل دعم الأقطاب الدولية لإقامة دولة إسرائيل على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني، ومنحوا الصهاينة، الذين لم يتجاوز عددهم عام 1948 ال600 ألف صهيوني مساحة تصل ل56% من فلسطين التاريخية، وفرضوا على ابناء الشعب العربي الفلسطيني أصحاب الأرض والتاريخ والهوية، وهم الأكثرية، حيث كان عددهم آنذاك يصل إلى ما يزيد عن المليون و200 الف فلسطيني مساحة بالكاد تصل إلى 43%. ومع ذلك لم يطبقوا قرار التقسيم، وسمحوا لإسرائيل التمدد لتقيم دولتها الإستعمارية على مساحة 78% من فلسطين، مع أن النقطة (ج) من قرار التقسيم، تقول إن الأمم المتحدة ستتصدى بالسلاح لإي دولة تعتدي على أراض الدولة الأخرى. ولكن عندما تمددت إسرائيل صمتت الأمم المتحدة صمت القبور. بتعبير آخر ايها المتواطىء مع إسرائيل لم تكن هناك إرادة دولية ولا إرادة عربية لإقامة الدولة الفلسطينية؛ سابعا قلبت الحقائق رأسا على عقب، ولم تسعفك الشجاعة، لإنك لا تمتلكها، عندما إدعيت زورا وبهتانا " أن الإسرائيليين يريدون أن يعيشوا مع الفلسطينيين، إلآ ان الآخرين يرفضون"؟ كيف؟ وعلى أي أساس تدعي ذلك، وأنت تناقض نفسك في الشق الأخير، حينما قلت " ولكن للأسف الآن نسعى إليه، وتسعى إليه الدول العربية ؟" إذا من الذي يرفض التعايش؟ وهل كان مطلوبا من الفلسطينيين في العام 1947 القبول بقرار التقسيم؟ بأي معيار وأي اساس أخلاقي أو سياسي او ديني يمكن لشعب من الشعوب قبول تقسيم وطنه الأم، ولصالح حركة إستعمارية رجعية؟ ورغم ذلك إرتفع صوت في اوساط الفلسطينيين، وطالب بقبول التقسيم، ولكن حتى لو قبل كل الشعب العربي الفلسطيني آنذاك التقسيم، لما قامت الدولة الفلسطينية العربية، لإن العديد من قادة العرب في ذلك التاريخ وقبله تنازلوا وباعوا فلسطين، ولم تكن الإرادة الدولية معنية بإقامة الدولة الفلسطينية، بقدر ما هي معنية بإقامة دولة الإستعمار الإسرائيلية. ولكن هذا شيء والواقع الآن شيء آخر، فمنذ 1974 والشعب الفلسطيني يقبل ليس بقرار التقسيم عام 1947، ولكنهم يقبلوا بقرار 242و338 وآخرها 2334 الصادر نهاية عام 2017، اي يقبلوا بدولة على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، ومع ذلك ترفض إسرائيل، وترفض دفع إستحقاق السلام والتسوية السياسية وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.

سعد الدين إبراهيم، رئيس مجلس أمناء مركز إبن خلدون جانبت الصواب، ولم تملك ناصية العلم والوقائع التاريخية للدفاع عن تساوقك مع المشروع الصهيوني الإستعماري، ولم يخطىء ابناء الشعب الفلسطيني عندما هتفوا ضدك في جامعة تل ابيب قبل شهر من الآن، واتهموك بالتطبيع، ونسيوا إتهامك بما هو أكثر من ذلك، ولكن نترك للتاريخ أن يحدد مكانك بين أقرانك من باعة الأوطان، الذين إرتضوا أن يكونوا أدوات رخيصة بيد المستعمرين، لإن ما قدمته ليس وجهة نظر، بل هي مرافعة سياسية دفاعا عن المستعمر الإسرائيلي.