أصدر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تقريراً رصد فيه سلسلة من الإجراءات الفعلية التي اتخذتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" مؤخراً تجاه تقليص خدماتها الإغاثية وتخفيض عدد موظفيها في مناطق عملها الخمس، والآثار الكارثية المحتملة لهذا التقليص.
وقال المرصد الأورومتوسطي -يتخذ من جنيف مقرًا له- في تقريره، إن" تقليص "الأونروا" لخدماتها يعني حرمان أكثر من 5 ملايين و800 ألف لاجئ فلسطيني من الخدمات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية، إضافة إلى التسبب بإغلاق 702 مدرسة تتبع للأونروا، ما يعني حرمان أكثر من نصف مليون طالب من التعليم، فضلاً عن إنهاء خدمات نحو 30 ألف موظف يعملون لدى الوكالة، ما ينذر بكارثة إنسانية واجتماعية لا يمكن التنبؤ بعواقبها".
ولفت الأورومتوسطي إلى أنه وعلى الرغم من تعهد الأونروا على لسان المفوض العام لها "بيير كرينبول" باستمرار تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين، غير أن الضائقة المالية التي تعاني منها منذ إعلان الولايات المتحدة تقليص مساعداتها لها، وتقاعس المجتمع الدولي عن اتخاذ خطوات جدية ملموسة لدعمها، بدأت تأخذ تأثيراً عمليا. مشيراً إلى أن فريقه رصد بدء الأونروا باتخاذ خطوات فعلية نحو تقليص الخدمات المقدمة للاجئين، وتحجيم أعداد الموظفين العاملين في الوكالة، بما ينذر أن تكون تلك خطوة تتبعها خطوات قد تفضي إلى إنهاء عمل الوكالة، خصوصاً مع الدعوات الإسرائيلية المتكررة لذلك.
وبين التقرير أن إدارة "الأونروا" في الأراضي الفلسطينية، والتي تقدم خدماتها لنحو مليوني ونصف مليون لاجئ في فلسطين، قامت بإخطار عشرات الموظفين، منهم 97 مهندساً من قطاع غزة وحدها، بتحويل عقودهم إلى عقود يومية، في خطوة قد يتبعها إنهاء تلك العقود.
وقال "أمجد الريفي"، أحد موظفي الأونروا في قطاع غزة في مقابلة مع فريق الأورومتوسطي: "قامت إدارة الأونروا بإبلاغي أنا و97 من زملائي بعدم رغبتها في تجديد عقودنا، على الرغم من كوننا على رأس عملنا منذ سبع سنوات، بحجة عدم وجود تغطية مالية كافية".
واستعرض التقرير كذلك شهادات لموظفين ولاجئين فلسطينيين في الأردن، قالوا إن "الأونروا" قامت بإيقاف جميع عمال المياومة في المراكز الصحية والمدارس التابعة للأونروا، حيث أنهت خدمات 100 موظف يعملون بنظام المياومة في قطاعي الصحة والتعليم، كما علقت الوكالة الاعتماد المالي في الموازنة العامة لأي خدمات أو أنشطة جديدة، فضلًا عن تعليقها الالتزام بورش العمل والتدريبات التي كانت تعقدها بشكل دوري.
وفي لبنان، رصد التقرير اتخاذ "الأونروا" خطوات مماثلة لتقليص خدماتها التي يستفيد منها نحو نصف مليون لاجئ في البلاد، إذ أقدمت على إحالة 105 معلمًا للتقاعد قبل انتهاء فترة خدمتهم ولم تعلن عن أي وظائف لتعويض الشواغر، إضافة إلى وقف كافة المعلمين الذين يعملون بنظام المياومة.
كما وثق التقرير تقليص الأونروا كميات الوقود المرسلة إلى المدارس التي تتبع لها في لبنان، إضافة إلى إلغاء عقود الإيجار لمباني المؤسسات التعليمية، ما يعني إمكانية إغلاق العديد من المدارس، والذي سيؤدي بدوره إلى حرمان أكثر من 37 ألف طالب وطالبة من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في لبنان من حقهم في الحصول على الخدمات التعليمية. ورصد التقرير تقليص المبالغ المخصصة لبرنامج الرعاية الصحية في لبنان، وإنهاء عقود عدد من الأطباء، مما قد يؤدي إلى توقف 27 عيادة طبية تابعة للأونروا عن تقديم خدماتها المعهودة للاجئين.
وفي سوريا، بين التقرير أن أكثر من 600 ألف لاجئ فلسطيني من سوريا، منهم 480 ألف ما زالوا يعيشون فيها، يعانون أوضاعًا معيشية صعبة جراء 7 سنوات من الصراع الدائر في البلاد، محذرًا من أن أوضاعهم المأساوية لا تحتمل أي تقليص للخدمات الأساسية التي توفرها "الأونروا" لهم، حيث يفتقر 95% منهم للأمن الغذائي، فيما يصنَّف 93% منهم كضعفاء أو ضعفاء للغاية، ويبلغ معدل البطالة بين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا 52.2%.
وحذر المرصد الأورومتوسطي في تقريره من أن إنهاء خدمات الأونروا لا يقتصر فقط على توقف الخدمات الإغاثية للاجئين الفلسطينيين، بل إنه يمثل كذلك مساساَ بحقهم في العودة، حيث ارتبط وجود الوكالة منذ نشأتها بتقديم الخدمات إلى اللاجئين الفلسطينيين إلى حين إيجاد حل عادل لقضيتهم وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، والذي يقضي بحق هؤلاء بالسماح لهم بالعودة إلى الأراضي التي هُجَروا منها إبان النزاع العربي الإسرائيلي عام 1948، وقيام دولة إسرائيل.
وبحسب الأورومتوسطي، فإن وجود "الأونروا" يعني استمرار التعامل والاعتراف بهؤلاء الفلسطينيين كلاجئين، وليس التعامل معهم على أنهم أصبحوا من سكان الأراضي التي هجروا إليها عبر توطينهم فيها، بما يعني إنهاء قضيتهم.
ودعا الأورومتوسطي في ختام تقريره المجتمع الدولي إلى حماية وكالة "الأونروا" وتقديم الدعم القانوني والمادي والمعنوي الذي يضمن استمرارها من خلال تخصيص ميزانية ثابتة لها ضمن موازنة الأمم المتحدة بدلًا من الاعتماد على التبرعات الطوعية للدول. كما طالب الأورومتوسطي المؤسسات والهيئات الدولية بتوحيد جهودها وتنظيمها لرفد "الأونروا" ومواجهة سياسات تقليص الدعم المالي المقدم لها والتنصل من المسؤولية حيالها.