قال رئيس الوزراء رامي الحمد الله: "لقد حذرنا ولا نزال من تداعيات قرارات الإدارة الأميركية الخطيرة حول القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات، ونجدد تأكيدنا بأنه لا يمكن لأي قرار أن يغير في هوية وطابع وتاريخ القدس، أو ينشئ لإسرائيل حقا فيها أو يعطي شرعية لأحد".
وأضاف الحمد الله خلال كلمته في الدورة 35 لمجلس وزراء الداخلية العرب، المنعقدة في الجزائر اليوم الأربعاء، بحضور رئيس الوزراء الجزائري أحمد اويحيى، ووزير الداخلية السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف، ووزير الداخلية في الجمهورية التونسية لطفي ابراهم، ووزير الداخلية في الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية نور الدين بدوي، والأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب محمد بن علي كومان، والعديد من وزراء الداخلية العرب، "على العالم أن يبني اليوم، على مبادرة الرئيس محمود عباس التي أعلن عنها أمام مجلس الأمن الدولي، للتوصل إلى السلام العادل والشامل، بآلية دولية متعددة الأطراف، وبالاستناد إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، ووفق حل الدولتين، لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية على حدود العام 1967".
وتابع رئيس الوزراء: "إنه لمن دواعي اعتزازي أن أتواجد بينكم اليوم في هذا المجلس الموقر في دورته الخامسة والثلاثين، وفي رحاب الجزائر، وطن الأحرار والثوار والشهداء، التي منها انطلقت ملحمة تاريخية عنيدة لمواجهة الظلم والاستعمار وصون الأرض والهوية والوحدة، كنا ولا نزال نترسم خطاها للتصدي لآخر وأطول احتلال عسكري عرفه التاريخ المعاصر".
وأردف الحمد الله: "يشرفني أن أنقل لكم جميعا تحيات الرئيس محمود عباس، رئيس دولة فلسطين وتطلعاته بأن تتكلل أعمال هذا المؤتمر بالتوفيق، وبما يساهم في تحقيق ما تصبو إليه حكوماتنا من تكريس الأمن والاستقرار ومحاصرة واجتثاث الإرهاب، وأتقدم للرئيس عبد العزيز بوتفليقة وحكومة وشعب الجزائر الصديق والشقيق بعظيم التقدير على حسن وحفاوة الاستقبال الذي نلقاه دوما على أرضهم، وأشكرهم على الجهود التي يبذلونها للنهوض بالتعاون الأمني العربي المشترك للوقوف في وجه التحديات والأخطار التي تعصف بنا، وتتهدد تطلعات شعوبنا المشروعة في العيش بسلام وأمن ونماء، وانتهز هذه الفرصة لأحيي الشقيقة تونس على الدور الهام الذي لعبته لإنجاز المهام الكبرى المناطة بها أثناء ترؤسها الدورة السابقة لهذا المجلس".
وأوضح رئيس الوزراء: "تنعقد أعمال هذا المجلس، الذي نأتي إليه جميعا لإعمال حقوق وآمال شعوبنا في تعزيز أمنها واستقرارها، وتحديات إقليمية ودولية تشتد من حولنا، وفي وقت تزداد فيه وتتلاحق الأحداث والأزمات التي تشهدها أوطاننا، وهو الأمر الذي خلق بيئة راعية ومناسبة لتنامي وتغلغل الإرهاب والتطرف الذي يستهدف مجتمعاتنا، ويسعى إلى تدمير ما تحمله بلداننا من تاريخ وهوية وحضارة".
وتابع: "في خضم كل هذا، يأتي إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب باعتبار القدس عاصمة لدولة إسرائيل وقراره نقل السفارة الأميركية إليها في أيار المقبل، في خطوة أحادية غير قانونية، تنتهك بشكل سافر، كافة القرارات والاتفاقيات والالتزامات الدولية، وتستفز المجتمع الدولي بأسره، وتدفع بالمنطقة إلى مزيد من الصراعات وعدم الاستقرار".
واستطرد رئيس الوزراء: "لقد أطلقت الإدارة الأميركية، بانتهاكها المتعمد لسيادة القانون الدولي، العنان لإسرائيل لتستبيح أرضنا وتفرض مخططاتها لضم القدس وعزلها وتزوير طابعها الثقافي والتاريخي والسياسي وطمس هويتها الفلسطينية، ولتواصل استهداف أبناء شعبنا، خاصة أطفاله وشبابه، بالقتل والاعتقال وبأعمال التنكيل، فهي تعتقل في سجونها ومعتقلاتها، نحو ستة آلاف وخمسمائة أسير فلسطيني، منهم سبعمائة مريض، وثلاثمائة وخمسون طفلا، بينهم سبع قاصرات، وتستمر في اعتقال رموز المقاومة الشعبية السلمية والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان. هذا وقد قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، منذ إعلان الرئيس الأمريكي ترمب حول القدس، ثلاثة وثلاثين فلسطينيا، منهم ستة أطفال وسيدة، كما أن إسرائيل ماضية في محاولات شرعنة وتثبيت احتلالها، بتوسيع البؤر الاستيطانية التي تم بناؤها على ممتلكات ومقدرات شعبنا، وتشريع القوانين لفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية. إننا، في هذه المرحلة الفارقة من تاريخ قضيتنا، نعول على أكبر اصطفاف دولي إلى جانب شعبنا، فبالعدل والسلام وحدهما نكرس شرق أوسط آمن ومستقر، بل وعالما خال من العنصرية والإرهاب".
وبيّن الحمد الله: "لقد بدأنا مرحلة جديدة من النضال للحفاظ على القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، وصون تراثها ومكانتها كحاضنة للأديان السماوية الثلاث، وفي هذا السياق، فإننا نثمن عاليا الجهود الشجاعة التي يبذلها الأردن الشقيق والصديق، بقيادة الملك عبد الله الثاني، لدعم ونصرة القدس ورعاية مقدساتها والتصدي لمحاولات تغيير الوضع القائم فيها".
واستدرك رئيس الوزراء: "إننا نراهن على أشقائنا العرب وأصدقائنا في العالم الذين اتحدت مواقفهم وانحازوا لقيم الحق والعدالة الإنسانية، وتصدوا للقرارات الأميركية الجائرة في المحافل الدولية كافة، بدءا بمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومرورا بقرارات منظمة التعاون الإسلامي وقرارات الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية ورؤساء البرلمانات العربية، ونقدر المواقف الداعمة والمؤازرة التي تبنتها حركة عدم الانحياز وقمة الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، ونتوجه بكل الامتنان والتقدير من المملكة العربية السعودية، وعلى رأسها الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، على موقفهم الدائم والثابت والداعم لحقوق شعبنا المشروعة وفي مقدمتها، حقه في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة، على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس".
وقال: "إن التحديات المصيرية التي نشهدها اليوم في فلسطين، إنما تفرض علينا الدفع باتجاه مصالحة حقيقية وجادة، تستجيب للتحديات الراهنة، وتنهي عذابات شعبنا في قطاع غزة وتكرس الأمن والسلم الأهلي فيه وتنهض بمستوى حياتهم. لقد اضطلعنا بمسؤولياتنا في القطاع ونفذنا ما أمكن من مشاريع إعادة إعماره، رغم شح الموارد وانخفاض الدعم الخارجي والقيود الاحتلالية. وقد أعلنا مرارا أن الحكومة جاهزة لتحمل كافة مسؤولياتها والتزاماتها تجاه قطاع غزة، فقط عبر التمكين الفعلي لها، وبما يشمل السماح بعودة جميع الموظفين القدامى إلى عملهم، والتمكين المالي من خلال الجباية والسيطرة الكاملة على المعابر، والتمكين الأمني للشرطة والدفاع المدني، لفرض النظام العام وسيادة القانون، وتمكين السلطة القضائية من تسلم مهامها في القطاع".
وأضاف: "إن تمكين الحكومة ليس اشتراطا، بل استحقاق وطني ومتطلب هام لإنجاز المصالحة وضمان استدامتها. فالوضع الكارثي في غزة يزداد قتامة وتفاقما خاصة مع استمرار إسرائيل في فرض حصارها الجائر عليها، وتقليص الإدارة الأميركية لدعمها المالي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا)، وهو ما يحتم علينا رص الصفوف وتكريس الوحدة الوطنية لإعطاء قضيتنا الزخم والتأثير اللازمين لحماية أرضنا ومقدساتها وتحقيق أهداف شعبنا العادلة في الحرية والاستقلال والسيادة. وهنا لا بد لي من أن أعبر عن عظيم امتناننا لجمهورية مصر العربية على دورها المحوري والتاريخي في رعاية جهود المصالحة وضمان تسريع خطواتها وتذليل الصعاب الماثلة أمامها".
واستدرك رئيس الوزراء: "لا شك أن المنطقة العربية، كما معظم دول العالم، تعاني من الإرهاب وممارساته وأخطاره، مما عطل وأخر مسيرة التنمية فيها، وقد أصبحت حالة اللااستقرار المرافقة للإرهاب، منمطة وملصقة بالإسلام، رغم أن الكثير من ضحايا الإرهاب كانوا من المسلمين".
وتابع: "في إطار هذا المجلس الموقر، الذي يحفل بأجندة عمل تعكس مسؤولياتنا جميعا في حماية وتعزيز أمننا العربي والإقليمي بل وعمقنا الدولي أيضا، إنما نؤكد على ضرورة تماسك جبهتنا العربية لتحصين وحماية دولنا وشعوبنا من الأخطار والتهديدات التي تشتد من حولنا وصون سيادتنا، وهذا لن يتحقق إلا من خلال "عمل أمني عربي موحد"، يقوم على مراجعة منهج عمل أجهزتنا الأمنية، وتبادل الخبرات والمعارف في المجال الأمني، وتفعيل الاتفاقيات والاستراتيجيات الأمنية العربية، فمن شأن ذلك كله، أن يؤسس لشراكة أمنية دولية فاعلة ومثمرة لمواجهة الإرهاب والجريمة أيا كانت مواطنها أو جبهاتها، والسير نحو سيادة الأمن والسلم الدوليين".
واستدرك رئيس الوزراء: "إننا في فلسطين، وإذ نشارككم هذه الأخطار، فإننا نتصدى أيضا منذ أكثر من سبعين عاما للاحتلال. ورغم ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وقيوده القمعية، إلا أننا ماضون في تكريس بناء مؤسسي فاعل يستجيب لاحتياجات وتطلعات أبناء شعبنا، قادر على تعزيز صمودهم وفقا لسيادة الأمن والقانون، حيث تشكل المؤسسة الأمنية الفلسطينية، حجر الأساس لهذه البنى، فهي أداتنا لتحقيق استقرار المجتمع وحماية المشروع الوطني وصون وإعمال مصالح وسلامة المواطنين. نؤكد في هذا السياق، التزام دولتنا بتعزيز العمل العربي الأمني المشترك، ونؤكد رغبتنا الثابتة في تبادل الخبرات الأمنية مع كافة الدول العربية، بما يشمل التجارب الأمنية، والخبراء الأمنيين والمدنيين في وزارة الداخلية الفلسطينية، الذين خضعوا لدورات متقدمة في مختلف المجالات والاختصاصات، كان لكثير من دولكم الشقيقة دورا في بلورتها".
وشكر محمد بن علي كومان، على جهوده في متابعة القرارات والتوصيات التي تصدر عن المجلس وأجهزته المختلفة، وقال، "الشكر موصول إلى كافة الأخوة وزراء الداخلية العرب الذين عملوا إلى جانب الأمانة العامة للمجلس على دعم طلب دولة فلسطين للانضمام إلى منظمة الشرطة الجنائية الدولية. أحيي كذلك وزارة الداخلية في تونس على جهودها خلال رئاسة الدورة الماضية للمجلس، التي انعكست إيجابا على روح التعاون الأمني العربي المشترك، وأتمنى وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي، التوفيق بمهامه في رئاسته لدورة المجلس الجديدة".
وتمنى أن تلبي مخرجات المؤتمر، "تطلعات قادة دولنا وطموحات شعوبنا التواقة للسلم والأمن والاستقرار. وكلي أمل بأن نجتمع قريبا على أرض فلسطين، وقد نال شعبنا حريته وتحرر أسرانا البواسل، وتجسدت سيادتنا على كامل أرضنا المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس العاصمة الأبدية والتاريخية لدولتنا".