القمة العربية بين المظاهر والواقع!!

التقاط.PNG
حجم الخط

 

تجري هذه الايام الترتيبات واللقاءات من أجل عقد القمة العربية الدورية السنوية في المملكة العربية السعودية. ومن الواضح ان توقيت عقد هذه القمة، ربما وبدون مبالغه هو توقيت لا يرغب الكثير في استضافتها فيه، حيث هناك دول عربية ممزقة وما زالت تتداعى، ودول على حافة الانهيار، ودول تغرق في الدماء والدمار والتدخلات من كل الانواع، وحدود اختفت وانظمة انهارات، وقوى غير عربية، سواء من داخل المنطقة او من خارجها، تسرح وتمرح في الوطن العربي، وتقرر، بل وتتحكم في صنع القرار وفي صنع الاحداث وفي تغيير الواقع، وفي تحدي كل الدول العربية مجتمعة، تلك التي بقيت دول، وبدون اي منازع، او اي رادع، والعرب بشكل عام يتفرجون وينتظرون ويقومون فقط بردات فعل كلامية، وفي ظل هذا الواقع، وفي ظل ادارة امريكية جديدة وما يصدر عنها من قرارات حول القدس وعملية السلام وتهديدات وتوجهات فيما يتعلق بـ "صفقة القرن"، وفي ظل متغيرات اوروبية وعالمية، من المفترض ان تنعقد القمة العربية الحالية في الرياض.

وكما تم الاعتياد خلال القمم العربية السابقة، سوف يكون هناك تزاحم لوصول الوفود وبمختلف مستوياتها، وتزاحم مشاريع القرارات وبأنواعها، وما زال المواطن العربي يطمح على الأقل بأن يكون لكل هذه الهالة من التحضيرات ومن الاعلام ومن مشاريع القرارات، تطبيق عملي، ولو محدود، ينعكس على حياة هذا المواطن وبغض النظر عن مكانه، أسوة على الاقل، بما ينتج عن قمم أو عن إجتماعات من نفس المستوى أو من نفس النوعية، مثل القمم الاوروبية أو الامريكية أو الاسيوية أو حتى القمم الافريقية، وسواء أكانت قمماً اقتصادية أو سياسية أو أمنية، أو حتى على مستوى القمم المهنية المتخصصة، سواء أكانت تابعة للأمم المتحدة او لغيرها من المؤسسات الدولية وغير الدولية، والتي تترجم على الأقل ببعض القرارات التي يمكن أن تحدث تغيير لما هو موجود.

ومن الواضح أن أزمة القمم العربية هي أزمة ثقه، تراكمت وواكبت هذه القمم، بدءاً من الدعوة لها ومرورا بالتحضير لها، ووصولا الى تمرير المشاريع، وهي اضحت أزمة او معضلة أو في ثقافة العمل، والتي اعتادت فقط ان تركز على المظهر وعلى الشكليات وعلى التحضيرات والنشاطات المجردة، بعيدا عن الجوهر وعن المضمون وعن الخطوات العملية الملموسة، أو بعيدا عن النتائج بعيدة المدى، وهي ازمة تناقض المصالح وبأنواعها، وبالتالي التوصل في المحصلة الى نوع من الحلول الوسط، وأفضلها هو إبقاء الوضع لما كان عليه قبل القمة، تجنبا لظهور الخلافات والتعقيدات وربما ازمات جديدة، لم تكن موجودة قبل القمة، وهي أزمة المواطن العربي نفسه الذي بات لا يكترث للقمم ولا لأماكنها أو لقراراتها، وبالتالي إذا كان المواطن لا يكترث فلماذا يكترث الزعماء او القادة، وهي ازمة اعمق، تتمثل في التطبيق أو في الية التنفيذ أو في قياس مدى ما يمكن تطبيقه، في إحداث التغيير المطلوب في حياة المواطن العربي.

والتطبيق أو تنفيذ قرارات القمم العربية، او غيرها المتعلقة بالموضوع الفلسطيني، هي ازمة الازمات للمواطن الفلسطيني، الذي يسمع هذه الايام وكما سمع خلال قمة السنة الماضية وقمم السنوات التي سبقتها، عن أن القضية الفلسطينية تحتل حيزاً هاماً في أجندة القمة، وربما يسمع كما تم في الماضي عن مئات الملايين من الدولارات من الدعم، وخاصة دعم الصمود أو التثبيت لمدينة القدس وبالأخص بعد قرار الرئيس الامريكي حولها، ولكن ليبقى هذا الدعم على أوراق القرارات، ولتعمق هذه القرارات أزمة الثقة وعدم الجدوى وحتى عدم الاهتمام عند هذا المواطن، الذي يتساءل هذه الايام عن جدوى حتى الحديث عن إنعقاد القمة العربية، وعن جدوى التحضير والتباهي بانعقادها.

وكما حدث في القمم العربية السابقة، والتي انعقدت في أوضاع أفضل بكثير، ومع الانتهاء من تلاوة البيان الختامي للقمة، تتبخر الامال والتسميات، ويبدأ المواطن الفلسطيني يتساءل، هل الدعم من القمم العربية هو دعم مادي فقط، أي ان هناك اموال وهناك من يحتاجها، وبعيدا عن الدعم السياسي الروتيني في قرارات القمم، أليس هناك قرارات يمكن ان تكون أكثر عملية فيما يتعلق بدعم المواطن الفلسطيني؟ قرارات بعيدة عن السياسة وعن المال، قرارات إقتصادية في فتح أبواب التصدير أو الاستيراد، وفي دعم الصناعة والمواصفات، وقرارات في الجانب الاكاديمي، وقرارات في تنفيذ الابحاث المشتركة، وفي مجال الزراعة والبيئة وإدارة المياه، وقرارات مشتركة في العمل معا لايجاد مصادر للطاقة البديلة، وفي الحفاظ على سلامة الأغذية، وفي تعاون مشترك لانتاج الادوية، وقرارات في الرعاية الصحية ومقاومة الأمراض السارية وغير السارية التي تغزو العالم العربي، وبمعنى آخر قرارتت يلمس المواطن الفلسطيني والمواطن العربي قيمتها ويمكنها ان تحدث تغييرا ولو طفيفا في حياته.

ومع إسدال الستار على القمة العربية القادمة في المملكة العربية السعودية، يبدأ التحضير للقمة القادمة، في شهر آذار من العام القادم، أي في عام 2019، ولا أحد يعرف كيف سيكون حال العرب في ذلك الوقت، ولا حال عدد أو نوعية الدول العربية المتبقية، ويبدأ من الان الترويج لها، وكأن انعقادها، في هذا البلد العربي او في ذاك هو الانجاز الفعلي بحد ذاته. ويزداد التباهي بهذا الانجاز حين يكون الحضور أكثر، وفي اعلى المستويات أو في عدد الزعماء والرؤساء، وبالتالي تبقى ثقافة الشكليات او المظاهر هي السائدة في عالمنا العربي، ويتم تناسي القرارات السابقة، او حتى متابعة وتقييم مدى تطبيقها، أو حتى إيلاء الاهمية للقرارات القادمة.

ومع انتظار التغيير في ثقافة أو في عقلية او في آلية انعقاد القمم العربية، تبقى أزمة الثقة بالقمم العربية عند المواطن العربي وبالاخص المواطن الفلسطيني موجودة وتتعمق كل عام، ويزداد تجاهل الناس لانعقاد هذه القمم ولبياناتها ولقراراتها، عاما بعد عام.