فتشوا عن المستفيد

thumbgen.jpg
حجم الخط

 

لا شك أن حادثة تفجير موكب رئيس الوزراء أثناء زيارته لقطاع غزة تثير القلق، ليس فقط لأنها تعطي الانطباع بأن البعض يرى في العنف طريقاً لفرض ارادته وأداة لتنفيذ رغبته، وإنما لأن الحادثة فتحت جرحاً لم يندمل بعد، وإن كان الكل الفلسطيني يجمع على إدانة واستنكار هذه الجريمة وضرورة العمل على ملاحقة منفذيها وجلبهم للعدالة، إلا أن بعض التصريحات التي أعقبت الحادثة لم تكن على القدر المطلوب من المسؤولية الوطنية، فبقدر ما هو مهم ألا يتم المرور على الجريمة مرور الكرام بقدر ما هو مهم أيضاً ألا نتساوق بردود الفعل وإن كانت إعلامية مع أهداف من يقف خلفها، وبغض النظر إن كان التفجير يصل إلى مفهوم محاولة الاغتيال أم أنه مجرد رسالة لها أهدافها تصل اليها دون الاغتيال ذاته، فالمؤكد أن من نفذ ومن قبل ذلك من خطط لها له أهدافه، ويبقى السؤال من المستفيد من حادثة التفجير؟.

ليس من المنطق في شيء محاولة البعض خلق علاقة بين التفجير وقرارات الحكومة الأخيرة المتعلقة بالشؤون الحياتية في قطاع غزة، وليس أدل على صبيانية هذا الاتهام من أن قطاع غزة خرج قبل اشهر قليلة لاستقبال رئيس الوزراء في مشهد فاجأ الجميع بمن فيهم طاقم الحكومة ذاته، وغزة قبل غيرها تدرك أن الخروج من أزماتها لا يمر عبر قرار وزاري يتناول جانباً من همومها، بل يتطلب بالمقام الأول طي صفحة الانقسام ومن ثم معالجة تداعياته، ومن الجهل أيضاً تحميل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن التفجير وكفى الله المؤمنين القتال، وإن كنا وبعيداً عن نظرية المؤامرة لا يمكن لنا تبرئة الاحتلال منها عملاً بقاعدة حصر المستفيدين من الحادثة.
المؤكد أن الحادثة ترتبط بشكل مباشر بجهود المصالحة، وإن كان البعض يرى بأن المصالحة هي بحد ذاتها متعثرة وتلفظ انفاساها الأخيرة ولم تكن بحاجة إلى من يوجه سهمه لها، إلا أن الحقيقة التي لا يمكن لنا تجاوزها أن هناك من تقض مضجعه فكرة المصالحة وطي صفحة الانقسام، لأن هؤلاء لا يجدون مصالحهم الذاتية فيها بل في الإبقاء على الانقسام وتغذيته بأكسجين الحياة حتى وإن كان قصراً، وبطبيعة الحال يلتقي هؤلاء مع رغبة الاحتلال في الإبقاء على الانقسام كونه وفر البيئة الخصبة لتمرير سياساته القائمة على خلق وقائع على الأرض تقتل فكرة حل الدولتين، ولسنا هنا بمعرض تعريف هؤلاء وتحديد هويتهم سيما وأن تقاطعهم مع الهدف بغض النظر عن هويتهم يبقينا في دائرة خيوطها ذات أصل واحدة وإن تباينت ألوانها، ولعل هذا يدفعنا للقول بأن الصفة الجمعية في الاتهام تنم عن كثير من المغالطة التي قد تصل لحد الخطيئة وتحدث ضرراً يفوق بكثير الضرر الذي أحدثه التفجير ذاته.

لطالما تغنت حركة حماس بإنجازها في المجال الأمني، وبغض النظر إن كنا نقر لحماس بذلك أم لا طبقاً لمفهومنا للأمن والأمان، إلا أن التفجير يمس بشكل أساسي بتلك الصورة التي حاولت حماس ترسيخها في وجدان سكان قطاع غزة المتعلقة بقدرتها على توفيرهما له، وبالتالي ليس من المنطق أن تقوض حركة حماس بيديها صورة لطالما حاولت تجميلها، يضاف الى ذلك أن حماس لم تعد قادرة على تحمل أعباء المتطلبات الحياتية لسكان القطاع وأن ملاذها يكمن في أن تتحمل الحكومة الفلسطينية ذلك والذي يتطلب منها إنجاح الزيارة لا تفجير موكبها، وسواء كان هنالك تقاطع بين تفجير سيارة توفيق نعيم وبين تفجير موكب رئيس الحكومة أم لا فإن تسميم الأجواء يبقى من ضمن أهدافهما، ولا بد لنا ايضاً من التذكير بما كانت تقوم به حكومة الاحتلال لإجهاض الجهود الرامية إلى تحقيق الوفاق الفلسطيني عبر سياسة الاغتيال كما فعلت حين اغتالت القيادي إسماعيل أبو شنب، كان من الممكن أن نجعل حادثة تفجير موكب رئيس الحكومة تسير في الاتجاه المعاكس لرغبة منفذيه عبر تشكيل لجنة تحقيق مشتركة تكشف اللثام عن مرتكبيه، فهل نفعل ذلك ونتوقف عن تبادل الاتهامات ولو لمرة واحدة؟.