توافق لإسقاط المصالحة الفلسطينية

thumbgen (3).jpg
حجم الخط

 

في الوقت الذي كانت فيه الأمم المتحدة تنظم مؤتمراً للمانحين في روما لوقف الانهيار في خدمات وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين بسبب قطع المساهمة الأمريكية في ميزانية الوكالة، كان أركان البيت الأبيض ينظمون مؤتمراً موازياً بحجة مساعدة غزة، وكأن غزة قضية إنسانية وليست سياسية. فالمبعوث الأمريكي المستوطن جرينبلات وجاريد كوشنر صهر الرئيس ترامب يريدان بناء على مطالب «إسرائيلية» قديمة تحويل غزة إلى قضية إنسانية بحتة وليست سياسية، ولا علاقة للاحتلال بما تعانيه من ويلات. بل صب جرينبلات جام غضبه على «حماس» وطالبها بإعادة جثتي جنديين «إسرائيليين» قتلا أثناء العدوان على القطاع. لذا، فهدفه ليس إنعاش جثة غزة بل استعادة جثتين «إسرائيليتين». فكيف يستقيم تجويع ملايين اللاجئين ليس في غزة فقط بل في الضفة والأردن وسوريا ولبنان ثم يهب قاطع المساعدات لغوث غزة ؟ وهم الذين أوقفوا المساعدات الأمريكية للسلطة أيضاً إضافة إلى «الأونروا»، والسلطة هي التي تقوم بالصرف على الصحة والتعليم والكهرباء والشؤون الاجتماعية في غزة.
ثمة مآرب سياسية خبيثة من وراء الدعوة التي لا يعلمها أكثر المندوبين الذين شاركوا في اجتماع البيت الأبيض وأغلب الحاضرين يمثلون دولاً داعمة للاجئين والفلسطينيين عامة من دون تشجيع من واشنطن. أهم أهداف المؤتمر أمريكياً و«إسرائيلياً» أنه جزء من مخطط أمريكي - «إسرائيلي» لطمس الهوية الفلسطينية، بحيث يجري التعاطي مع غزة وكأنها كوكب آخر لا يمت لصلب القضية الفلسطينية بصلة. فالمشروع الأمريكي الغامض أو ما يسمى «صفقة القرن» عملت واشنطن على تسويقه أولاً بدعم المصالحة الفلسطينية وشجعت مصر على توحيد الصف الفلسطيني، بحيث إذا نضجت «الصفقة» كان هناك موقف فلسطيني موحد بإنهاء الانقسام لتمرير الصفقة. وكان التفاهم المصري مع «حماس» يسير في هذا السياق.
قلنا أكثر من مرة إن «صفقة القرن» لن ترى النور، لكن يبدو أن بنودها المتفق عليها بين الرئيس ترامب وطاقمه المفاوض وبين الحكومة «الإسرائيلية» برئاسة نتنياهو تنفذ على الأرض لتجسيدها دون الإعلان عنها. فعقد المؤتمر لمساعدة غزة هو الخطة «ب» في الصفقة، أي خلق بديل للسلطة الفلسطينية والتركيز على تأصيل الانقسام وصولاً إلى قيام ما يسمى دولة غزة أي إقامة وصاية دولية تعنى بشؤون غزة بدلاً من وكالة غوث اللاجئين والسلطة الفلسطينية. ثم هناك قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، وهو قرار مرفوض دولياً لكن «إسرائيل» بدأت ترجمته على الأرض وكأنه ضوء أخضر لاستباحة القدس استيطانياً وإطلاق يدها لإقامة المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية. فمن بين ثنايا الممارسات «الإسرائيلية» نستنتج أن صفقة ترامب لا تشمل إقامة دولة فلسطينية في الضفة بل مجرد حكم ذاتي محدود للسكان وليس للأرض. ونفهم أيضاً أنهم أسقطوا القدس وحقوق اللاجئين وعادوا إلى فكرة حزب العمل والليكود القديمة أي دولة فلسطينية في غزة فقط، ولاحقاً إسقاط الهوية الفلسطينية والسلطة ومنظمة التحرير. ولذلك بدأت إدارة ترامب بتأجيل الإعلان عن الصفقة شهراً بعد آخر لعدم وجود طرف فلسطيني معني بها ولعدم وجود منصة عربية لإطلاقها. فالموقف العربي ما زال متماسكاً ومتمسكاً بمبادرة السلام العربية. لهذا لا نستغرب تأجيل الإعلان عن الصفقة الخبيثة إلى إشعار آخر لكن مع إطلاق يد الاحتلال في تنفيذ مشاريعه الاستيطانية والتطهير العرقي إلى أن ينجز الاحتلال مشاريعه على الأرض. أما مؤتمر غوث غزة الأمريكي فهو محاولة لإبعاد السلطة ووكالة الغوث عن المشهد وخلق جسم دولي بديل تقوده واشنطن للقيام بمهمة الغوث وفق المقاييس والشروط «الإسرائيلية».
يبدو أن واشنطن اقتنعت بعدم وجود بيئة ملائمة لطرح «الصفقة» الآن ورفعت يدها عن المصالحة مع ظهور نذر حرب أكبر حول سوريا، وانتهز المتربحون من الانقسام الفلسطيني، وخصوصا «إسرائيل» الفرصة لتفجير المصالحة الفلسطينية وقتل أي أمل بإمكانية تحقيقها من خلال محاولة اغتيال رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله خلال زيارته للقطاع من أجل توجيه أصابع الاتهام إلى «حماس»، والعودة إلى مربع الصراعات والخلافات، وضرب الوساطة المصرية حيث جرت المحاولة أثناء وجود الوفد الأمني المصري في غزة. فالمشهد الآن أن واشنطن تعمل على تفتيت القضية الفلسطينية بالكامل من جهة، وتعمل «إسرائيل» من طرف آخر على إسقاط المصالحة بالكامل في عملية تناغم بين واشنطن و«تل أبيب».
عن الخليج الإمارتية