هل فقدت إسرائيل، حقاً، قدرتها على الردع تجاه غزة؟

ارييلا رينغل هوفمان
حجم الخط

بقلم: ارييلا رينغل هوفمان 03 تموز 2015    

«هذا وضع لا يطاق. لم نتوقع أن يحصل هذا بعد أشهر من القتال»، قال سكان نتيف هعسرا لمتان تسوري، مراسل «يديعوت احرونوت»، هذا الاسبوع ، ويقصدون منشأة التدريب التي أقامتها «حماس» قريباً جداً من الحدود. وأضافوا أن «إسرائيل فقدت الردع. لدى حماس جسارة لم تكن لها قبل الجرف الصامد».
ولاحقا اشتكوا من الازعاج الذي تحدثه المنشأة – الضجيج والصخب، بالقول: «حماس رفعت رأسها وكأن يدها هي العليا». ومن كل هذا النص، وليغفر لي سكان نتيف هعسرا في أنني لستُ لامبالية تماما تجاه أزمتهم، بكلمة واحدة فقط عكست الواقع على نحو ما. «كأن يدها هي العليا»، بصياغتهم.
بعد اسبوع بالضبط تحل الذكرى السنوية الأولى لحملة «الجرف الصامد» التي بدأت في 8 تموز وانتهت في 26 آب. 50 يوماً من الحرب قتل فيها 67 جنديا منا، و5 مواطنين، ولحق ضرر جسيم بالاملاك. في القطاع، مثلما نعرف قبل تقرير مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة بكثير، الحقت الحملة ضررا جسيما للغاية. اكثر من 2.200 فلسطيني قتلوا، واكثر من 11 الف جرحوا، معظمهم بجراح خطيرة (قسم كبير من الجرحى لم يحظَ ايضا بالعلاج المناسب)، نحو 10 الاف مبنى تضرر، نصفها هدم تماما، ونحو نصف مليون نسمة اصبحوا نازحين في بلادهم.
بكلمات اخرى، فإن لجملة «إسرائيل فقدت قدرتها على الردع»، لا يوجد أي معنى، باستثناء معنى واحد ربما: في المرة التالية، نحن، اناس نتيف هعسرا وكل السكان مثلنا، نتوقع من حكومة اسرائيل ومن الجيش الاسرائيلي أن يضاعف عدد القتلى الفلسطينيين، ثلاثة أو أربعة أضعاف، وجعل القطاع كله جزر خرائب. إذ فقط هكذا، كما نعتقد، سيتحقق «الردع الحقيقي». المفهوم المتقلب ذاته، الذي يئس المؤرخون العسكريون منذ زمن بعيد من القدرة على تحديده كميا، ويتفق معظمهم على أنه ليس سوى جزء آخر – متملص، سائل ومتزلف – في لعبة الصور التي ترافق كل مواجهة عسكرية.
  وبعد ان يقال هذا، يجدر بنا أن نتطرق ايضا لمنشأة التدريب التي تكونت أمام البلدة. في هذه الحالة ايضا، وليغفر لي السكان، هذا تهديد عابث. جزء من دعاية زائدة حبذا لو لم تكن تنخرط في الخطاب الإسرائيلي. فاذا كان هناك تهديد في هذا الشأن، فهذا فقط تهديد اسرائيلي ضد المنشأة. هدف ثابت، سهل على الاستهداف، من تحت الأنف. لا شيء يبعث على تحدي التكنولوجيا التي توجد تحت تصرفنا. وهكذا ايضا قصة عشرات المسلحين الذين وقفوا على التلة ونظروا الى الجانب الاسرائيلي. حسنا، حقا. جيش ورعد. فما الذي رأووه بالضبط من هناك؟ حقول فارغة؟ الاسطح الحمراء؟ هل هناك حاجة لنذكر ونقتبس مرة اخرى اقوال موشيه دايان فوق قبر روعي روتنبرغ؟
حملة «الجرف الصامد»، التي توجد اسباب وجيهة للاحتجاج على الشكل الذي اديرت فيه والثمن الدموي الذي جبته، في الجانبين، حققت الهدف الذي يمكن تحقيقه منها. لا يوجد أي سبب يدعونا للبحث عن المعاذير لنسخن الجبهة مرة اخرى. «هم يتدربون تمهيداً ليوم الامر»، كما قال احد السكان. من شبه المؤكد، نحن ايضا نفعل هذا. ولكن ما ينبغي لنا أن نفعله بالتوازي هو أن نستوعب بان هذا الواقع لن نغيبه ولن نغيره بالقوة، كما قال جساس الاثر. ما يسمح بحياة عادية، او بحياة عادية اكثر، ليست هتافات «ذئب، ذئب»، بل بالضبط ما يحصل هناك ايضا، كما بلغ تسوري – عروض ضخمة في الحديقة العامة في اطار ليالي الصيف.
إذا اشتعلت المنطقة مرة ثانية، او ثالثة، أو خامسة، ووجدنا أنفسنا مرة اخرى مسلحين حتى الرقبة، نجتاز الجدار، فهذا سيكون فقط تعبيراً عن عدم قدرتنا على أن نعرض حلا آخر لا يعتمد بالضرورة على تعاون معلن ومتفق عليه من الجانب الاخر. القبور مليئة باناس رائعين ترك ذهابهم جرحا نازفا، حفرة سيئة، شيء لن يشفيه. ولا حتى الزمن. وعليه فخير يفعل سكان «نتيف هعسرا» ممن اختاروا السكن في المكان اياه وليس في تل أبيب – وثمة افتخار بهذام – اذا لم ينضموا الى جوقة المشجعين، التي لا يرتاح ضميرها الى أن تطلق قذيفة الهاون الاولى.