نبض البلد

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

لسان حال الناس الأزمة المرورية وعدم تناسب الطرق مع حجم الضغط المروري عليها، وكل يشرح الحال والواقع، يقودنا احدهم في رحلة العودة الى شمال الضفة الغربية والغالبية التي تذهب إجبارياً من طريق البيرة – نابلس القديم عبر الجلزون وعين سينيا والأزمة القاتلة، خصوصا عندما تصل اندماج الطريق مع الطريق الرئيسي باتجاه عيون الحرامية، ويتحدثون عن صرف المياه العادمة في الأراضي الفارغة على طول الطريق والروائح الكريهة دون رادع قانوني، ونحن نتحدث عن استراتيجية وطنية لحماية البيئة.
ويتواصل الحديث عن الأزمة في كل الجلسات التي تقع بالصدفة او لاجتماعات استشارية يكون محور الحديث ازمة قلنديا وانعكاساتها السلبية على اي توجه تنموي تطويري في المحيط جميعه. هل سنستقطب حركة سياحية الى رام الله والبيرة والحال على ما هو عليه؟ فنحن لا نُراكم الجهود ونؤسس عليها بل نعود لنبدأ من الصفر وكأن شيئاً لم يقع في تلك المنطقة، والسؤال المُلح أين هي جهات المسؤولية عن هذا الواقع؟ وهل سنعود لمعادلة ان من يسأل او يتابع كمواطن او مجموعة ضغط مهتمة سيُتهم بانه عائق في طريق العمل ويجب ان يعاقَب حتى نتمكن من إنجاز شيء بعد عشرة أعوام.
ويلح السؤال، معظم الطرق عبارة عن مسربين وللأسف تصطف السيارات على جانب الطريق فتغلق مسرباً وتدع لنا مسرباً واحداً فيعود حال الطريق الى سابق عهده، ويطول الشرح والتوضيح وتعلق حركة المرور، ولغياب التكامل في العمل بين الجهات الملزمة بالمتابعة حسب القانون تضيع الأمور، الأمر الذي يتطلب جلوس الأطراف على ذات الطاولة وتقسيم الأدوار، ولكن الأسهل ان نلقي باللائمة على آخرين.
والأمثلة صارخة، ان كل محافظة ترك لها مخرج او مخرجان كل في اتجاه مختلف، وبالتالي لا خيار أمامها عدا تلك المخارج الاضطرارية المفروضة نتيجة الإجراءات الاحتلالية، وترى سرب المركبات على امتداد الطريق سواء باتجاه نابلس او باتجاه الخليل من رام الله، وصباحا من نابلس الى البيرة ورام الله ومن الخليل الى البيرة ورام الله سرب واحد غير منقطع من المركبات، تارة يُنصب حاجز طيار احتلالي في ساعة الذروة يعطل حركة السير بصورة واضحة، ومن ثم هناك تعطيل من تكرار نصب «الدواوير» بحجم كبير على الطرق، ومطبات في مداخل المدن تنغص ما تبقى من همة لدى قائد المركبة.
ومن الواضح ان الهدف الوطني الذي خطه رموز التخطيط والتنمية الحضرية في فلسطين، أولئك الذين كانوا رواد الحركة الطلابية الفلسطينية والحركة النقابية الفلسطينية وثبتوه في الأدبيات والرسالة الإعلامية وبرامج التوعية المجتمعية ومحور اللقاءات مع الفعاليات، ان تهيئة البنية لتحقيق دولة فلسطين على الأرض يتطلب التواصل الجغرافي وعدم القبول بجزر متباعدة متناثرة لا تتواصل جغرافيا، الا أن إصرارا كان قائما من قبل خبراء العلاقات العامة الذين كانوا ينقلون الرسالة الإعلامية التنموية والتي تعكس مرتكزات السياسة الوطنية العامة ولا تنفصل عنها بأن وجهتنا واضحة، كل ما ننجزه يتجه صوب تحقيق الدولة على الأرض وليس إبعاد إمكانيتها.
المزاج الشعبي يجري مقارنات بسيطة ويضغط باتجاهها ويحث جمعية حماية المستهلك لتحملها وتوصلها لتعزيز موقف صناع القرار منها، توفير خطوط نقل داخلية وتوسيعها لتشمل الأحياء كافة وتتوسع مع توسعها، بحيث يقل الاعتماد على المركبات الخاصة ويزيد الاعتماد على الخطوط الداخلية، ما يخفف الأزمة المرورية. اقتراحات باتجاه الحد من دخول خطوط المركبات الخارجية الى وسط المدن وإنشاء مواقف لها على مداخل المدن ونقلها عبر الخطوط الداخلية صوب السوق المركزي والمشافي والبنوك، توسيع انتشار الصرافات الآلية للبنوك في الأحياء المختلفة حتى لا يضطر الناس للتوجه الى وسط المدن بمركباتهم للتعامل مع البنوك.
الناس في بلدي تركز على الآثار النفسية والسلوكية وجودة الخدمة والمتابعة لشؤون الناس على من يقومون بها بعد مشوار سفر طويل مرهق يستهلك زمنا إضافياً وإرهاقاً جسدياً وإشغالاً للفكر ببدائل قد تكون أخذ مهمة رسمية في مدينته او محافظته دون حاجة له فقط لكي لا يسافر، وتقدر الناس ان هؤلاء لن يكونوا جاهزين للاستجابة عند الإبلاغ عن أغذية فاسدة او منتجات تخزن بصورة غير قانونية، ولن يتابعوا بفعالية عالية قضايا مثل تدعيم الدقيق بالمواد الإضافية المشروطة بالمواصفة الفلسطينية من عدمه، ولن يتحمسوا لمتابعة عرض المياه والعصائر تحت أشعة الشمس، ليس قصوراً وليس تكاسلاً بل انعكاس للواقع غير المهيأ لهم بسفر مريح وزمن مناسب مع المسافة الحقيقية وليس ذات المسافة بضعفي الزمن.
الناس في بلدي تصف حالها وهي تنقل مريضا من القرية التي تفتقر لمركز صحي او عيادة طوارئ لأكثر من قرية محيطة ويصل المشفى قلقاً خائفاً على مريضه حتماً سيكون التوتر سيد الموقف، انظر لو رتبت له ظروف سفر ملائمة، ولو مددت ساعات عمل العيادة التابعة لوزارة الصحة على مدار الساعة، ولو أنشئ بالنسبة والتناسب لعدد السكان عيادة طوارئ تغني عن السفر الطويل صوب المشفى المركزي في المدينة.
ويبقى العنوان الحاضر بقوة السعادة، المهنية، تطوير الأداء، حسن التخطيط، التمييز، ربط القطاعات بعضها ببعض، السياحة تتأثر بالنقل والمواصلات والأزمات المرورية والاختناقات، وكذلك الوضع الصحي وجودة الخدمات البلدية جميعها تتأثر، اليوم مطلوب حلول خلاقة مبدعة وان لا نبالغ بالمعيقات وكأنها قدر ولن تتغير مع الأيام ولن تقل ولن نستطيع التغلب عليها، لا نعلق على شماعة غياب الكفاءة والبطالة المقنعة وغياب الوصف الوظيفي على مدار سنوات مضت وتأكل بعض الهيكليات التي مضى عليها أعوام وأعوام.