مسيرة العودة في ميزان الربح و الخسارة

التقاط.PNG
حجم الخط

بعد انتهاء الجزء الاول من مسيرات العودة التي اعلنت عنها الفصائل الفلسطينية في غزة و التي استجاب لها عشرات الالاف ، وربما اكثر ، الذين تجمعوا في نقاط مختلفة على الحدود التي يبلغ طولها حوالي ٤٠ كم .
وبعد ان استشهد خمسة عشر و جرح ما يقارب ١٥٠٠ باصابات مختلفة، نصفهم اصابات من استنشاق الغاز ، وكذلك اصابات حرجة ، منها حوالي ١٠٠ جريح سيتم بتر احد اطرافهم ، وهذا هو الجانب المؤلم في هذة الفعالية الوطنية .
في عملية تقييم سريعة لما جرى يوم الجمعة و تأثير ذلك على جميع الاطراف ذات العلاقة من حيث الربح و الخسارة ، يمكن قول التالي: 
اولا: من الناحية الاسرائيلية ، وفقا لتقييمهم ، لقد خرجوا من هذا الحدث باقل الخسائر الممكنه، وتقييمهم ان الجيش قد نجح في مهمته الاساسية وهي منع الشبان الفلسطينيين من اقتحام الحدود بالمئات او الالاف ، وحقيقة ان رئيس هيئة الاركان قد اشرف بنفسه على ادارة العمليات تدلل على الاهمية التي اولاها الجيش لهذه المسيرات. 
على الرغم ان عدد الشهداء و الجرحى يقلل من قيمة هذا النجاح ، حيث هذا العدد من الضحايا هو الذي وضع الحدث على طاولة مجلس الامن و استجلب الكثير من ردود الافعال و الشجب و الاستنكار من دول و زعماء العالم، واعاد الى الاذهان ان هناك شعب يرزح تحت الاحتلال و هناك احتلال لا يتردد في استخدام القوة المفرطة .
من الناحية السياسية اسرائيل هي الخاسر الاكبر حيث اعادت غزة ترتيب الاوراق على طاولة اي عمل سياسي مستقبلي بما في ذلك كل ما يتم الحديث حوله من مقترحات امريكية تتجاهل الحقوق الفلسطينية، خاصة حق العودة.
ثانيا: من ناحية الفصائل الفلسطينية، مسيرة العودة يوم الجمعة كان انتصارا كبيرا ، حيث شارك اعداد كبيرة ، و لم ترفع رايات او يافطات حزبية ، وهذا كان لاول مرة في تاريخ المسيرات و الفعاليات الوطنية، حيث رفع فقط العلم الفلسطيني و الشعارات كانت موحده تدعو الى حق العودة و كسر الحصار. هذا الامر سيؤسس الى مرحلة جديدة من العمل الوطني الشعبي و السلمي يقدم الشعار الوطني و علم فلسطين على الشعارات و الرايات الحزبية.
ثالثا: الرابح الاكبر من هذه المسيرات كانت غزة الجريحة و المحاصرة و المعاقبة و التي تئن تحت الفقر و البطالة و الازمات الانسانية. غزة منذ يوم الجمعة اعادة تموضعها على رأس الاجندة الفلسطينية و الاقليمية و الدولية، و اكدت للمرة المليون انها خزان الوطنية الفلسطينية الذي لا ينضب ، لا تبخل على الوطن و لا تترد في حماية المشروع الوطني بعيدا عن المتاجرة بالشعارات الرنانة. الرسالة كانت واضحة لكل من يحاصرها و يعاقبها و يتجاهلها و يبخل عليها انها اكبر منهم جميعا ، و المستقبل سيحمل لهم الكثير من الرسائل المشابهه التي ستشعرهم كم هم اقزام امام غزة و اهلها.

رابعا : هذه المسيرات ستتواصل على الاقل حتى الخامس عشر من شهر مايو المقبل، وهو يوم النكبة، ولكن الزخم على الارجح سيكون في ايام الجمعة .
السؤال الذي يجب ان يتم اعطاء اجابة له في الايام المقبلة هو هل كان هناك قصور في ضبط الميدان من خلال منع الشبان من الاقتراب الى الجدار و بالتالي تعرضهم للخطر. 
بمعنى اخر هل من مصلحة الشعب الفلسطيني و الفصائل الفلسطينية و القوى المنظمة ان تنتهي هذه المسيرات دون تعرض الشبان الفلسطينيين للخطر و الحفاظ فعلا على سلمية هذه المسيرات ، ام انه لم يكن هناك امكانية للسيطرة على الوضع و كانت هذه النتيجة معروفة مسبقا؟
كأحد الاشخاص الذين كانوا هناك و اقترب الى اقصى حدا ممكن من الحدود و مناطق الخطر ، اقول جازما ان امكانية الضبط كانت صعبة و ستكون صعبة في المستقبل و لكن على الاقل يجب ان يبذل الجهد المطلوب للحفاظ فعلا على سلمية هذه المسيرات و تجنب خسائر لا داعي لها لان الثمن الذي يتم تقديمة اغلى بكثير من النتيجة.
لذلك اعتقد ان على الفصائل في المرات القادمة ان تكون واضحه في توجهاتها و عدم ترك الميدان و ترك القرار للشباب الصغار.
هذا الامر يحتاج الى جهد كبير لضبطه ، سيما انه جزء من ثقافة الشعب في فهمه للمقاومه و النضال و لكن على الاقل يجب ان يكون هناك قرار و يكون هناك جهد واضح لتطبيق هذه القرارا على ارض الواقع، وهذا ما لم يحدث حتى الان .
شخصيا ، لو كان لي اولاد صغار لاخذتهم معي الى مسيرة العودة و لكن لن اسمح لهم الى الذهاب الى الجدار و يعرضون حياتهم للموت او الاصابة التي قد ترافقهم طوال حياتهم.
اذا كان هذا مفيد للقضية و النضال الفلسطيني سأذهب قبلهم او برفقتهم و لكن لا اتركهم لوحدهم . هذا بطبيعة الحال لا يعطي مبرر لقوات الاحتلال اطلاق النار على اطفال و شباب عزل كما حدث مع الشهيد عبد النبي الذي تم اطلاق النار عليه و ظهرة الى الخلف باتجاه غزة.
طوبى للشهداء و الشفاء للجرحى و الفخر لشعبنا و اهلنا الصابرين المرابطين .