مسيرة العودة: رسائل «القوة الناعمة»!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

عادت منظمات حقوق الإنسان الدولية، للتفتيش عن التهديدات الإسرائيلية الصادرة عن المستويات الأمنية والسياسية ضد مسيرة العودة قبل انطلاقها، لتتوصل إلى حقيقة أن عمليات الجيش الإسرائيلي للقتل ضد المتظاهرين السلميين كانت مبيتة ومتعمدة، وتوصلت إلى أن الأوامر قد صدرت علناً من قبل هذه المستويات بالتصدي للمسيرة الفلسطينية واستهداف المتظاهرين بكافة أشكال الأسلحة المتوفرة، ولا يقتصر الأمر على الوسائل المتعارف عليها لتفريق المتظاهرين، كالغاز المسيل للدموع، بل بالطلقات القاتلة ومن خلال أكثر من مائة قناص إسرائيلي على طول تخوم الحدود بين المتظاهرين السلميين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، كما توصلت هذه المنظمات إلى أن الجيش الإسرائيلي قام وبكل إخلاص بتنفيذ هذه الأوامر التي أشاد بها قادة الاحتلال، في وقت تم التأكد من قبل هذه المنظمات أنه ليس هناك أي دليل على وجود مسلحين فلسطينيين في هذه المسيرة، كما تم التأكد من أن إلقاء الحجارة وغيره من "أعمال العنف" من قبل المتظاهرين كان لا يهدد بشكل خطير الجنود الإسرائيليين وراء "السياج" الحدودي!
هذا ما توصلت إليه منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها المتعلق بتقييم أحداث المجزرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد مسيرة العودة في "يوم الأرض" الفلسطيني في الثلاثين من آذار الماضي، وهو، أيضاً، ما توصلت إليه عدة منظمات دولية تعنى بحقوق الإنسان، ولعل أهم الاستنتاجات التي توصلت إليها هذه المنظمات، أن العدد الكبير من الشهداء والإصابات كانت متوقعا نظراً للأوامر الصادرة إلى جنود الاحتلال باستخدام "القوة القاتلة" في حالات لا تهدد حياتهم، ما يشكل انتهاكاً للمعايير الدولية، وذلك ـ تقول هذه المنظمات ـ نتيجة لثقافة الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة القائمة منذ أمد طويل داخل الجيش الإسرائيلي، كما ورد حرفياً تقريباً من تقرير "هيومن رايتس ووتش" الذي دعا في نهايته المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية إلى فتح تحقيق رسمي في الجرائم "الدولية" الجسيمة في فلسطين!
يمكن القول، بوضوح تام، أن رسالة مسيرة العودة الكبرى قد وصلت إلى المجتمع الدولي، وباتت القضية الفلسطينية مجدداً على رأس جدول أعمال العالم، استمرار هذه المسيرة، بات أمراً ضرورياً حتى لا تعود هذه القضية إلى هامش اهتمامات أجندة العالم، وهذا يتطلب عملية "تقييم وتقويم" دائمة من أجل تنظيم أفضل لهذه المسيرة لضمان استمرارها بما يكفل تواصل رسالتها، ذلك يتطلب المزيد من السيطرة على الوضع، والأقل من ظهور السلبيات التي يتوجب التنبيه لها والتحذير من الاستثمار الفئوي الفصائلي لها!
اللغط الدائر في إسرائيل على خلفية مجزرتها ضد مسيرة العودة، يشير إلى أن الرسالة قد وصلت، أيضاً، إلى المجتمع الإسرائيلي، المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة من قبل أحزاب ونخب إسرائيلية، مظهر من مظاهر التشكيل في "أخلاقيات" الجيش الإسرائيلي، وهو الأمر الذي لم يحدث إلاّ في مرات نادرة، خاصة وأن مثل هذا التشكيك يعتبر جريمة نكراء بحق من يلوح به، باعتبار الجيش هو "البقرة المقدسة"، لدى الاحتلال الإسرائيلي، لهذا يقول الكاتب درور يميني في "يديعوت": "انتصرنا في المعركة وخسرنا الحرب" والمقصود بخسارة حرب الإعلام والصورة والرأي العام العالمي، مشيراً إلى قصور السياسة الإسرائيلية محملاً إياها مسؤولية الخسارة أمام الفلسطينيين في مواجهة مسيرة العودة، وأن هذه الخسارة مرشحة للتكرار نظراً لقصور الرؤية السياسية الإسرائيلية في حال استمرار مسيرة العودة مع بقاء النظرة القاصرة المعتمدة على آلة القتل كوسيلة للمواجهة.
"العنف الفلسطيني" كان أداة خطيرة يتمسك بها رئيس الحكومة الإسرائيلية، مقولة بأن ليس هناك من يمكن التحدث معه في الجانب الفلسطيني، تخدم سياسته وتحالفه اليميني، لذلك عندما يعتمد الفلسطينيون سياسة اللاعنف، فإن نتنياهو يخسر"، هكذا كتبت كارولينا ليندسمان في "هآرتس" قبل يوم واحد من مسيرة العودة الكبرى، وتوصلت، كما فعلنا في فلسطين، الى أن اللاعنف وليس العنف، هو ما يهدد الاحتلال الإسرائيلي، لكن الفرق هنا، أن اللاعنف الفلسطيني هو أحد مسارات المواجهة مع الاحتلال في الظروف المناسبة، وليس بديلاً عن كل أشكال الكفاح المسلح التي كفلتها القوانين والشرائع الدولية، هو وسيلة من عدة وسائل، تستخدم كل منها في الظروف الملائمة ووفقاً لقراءة دقيقة لميزان القوى في اطار من التوافق الوطني الجامع لكل الفلسطينيين، وخدمة للهدف الفلسطيني الأساسي، قيام دولة فلسطين مستقلة وعاصمتها القدس المحتلة!