تؤكد معلومات اطلعت عليها صحيفة "القدس العربي" اللندنية أن الأزمة الحالية التي تواجهها "الأونروا" من نقص حاد في الأموال لم تشهد مثيلا لها من قبل، وستحول دون قدرتها على دفع رواتب موظفيها في شهر ايلول/سبتمبر المقبل، إن لم تحصل المنظمة الدولية على دعم جديد من المانحين.
وحسب المعلومات ومصدرها موظفون كبار في "الأونروا" فإن الأزمة المالية بلغت 106 مليون دولار، لم تعهد من قبل، حيث سيصعب مع انتهاء شهر ايلول/سبتمبر المقبل، دفع رواتب موظفيها العاملين في شتى المجالات الصحية والتعليمية والإغاثية.
وأكد أحد المسؤولين للصحيفة " أن أزمة مشابهة عصفت بـ"الأونروا" في العام 2012، لكنها لم تكن بذات الحدة الحالية، ويشير إلى أن هناك الكثير من الأموال التي جرى التبرع بها من قبل المانحين مؤخرا، لم تكن مخصصة لدفع رواتب الموظفين، وأنها كانت موجهة لمشاريع تقديم مساعدات غذائية أو ترميم المنازل المدمرة في الحرب، أو بعض النشاطات الأخرى.
ولم يخف هذا المسؤول خشيته من "انهيار" قد يصيب المؤسسات التابعة لـ" الأونروا"، في كافة مناطق العمليات الخمس، وهو يقول أن التحذير الحالي ليس من باب "الاستعطاف" لجمع التبرعات، بل اعتبره تحذيرا حقيقيا.
وتفاقم الوضع الحالي الذي دفع الجميع للتحذير من انهيار خدمات "الأونروا" لعدم حصول المنظمة الدولية حتى اللحظة على أي وعود من الدول المانحة سواء العربية أو الأجنبية، للحصول على أموال جديدة في الأشهر المقبلة، حيث لم تثمر نداءاتها للمانحين عن أي نتائج إيجابية حتى اللحظة.
ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين"الأونروا" في الأصل شكلت عقب نكبة العام 48، واحتلال فلسطين من قبل العصابات الصهيونية، وتعمل على تقديم الدعم والحماية وكسب التأييد لحوالي 4.7 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين لديها في الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى يتم حل معاناتهم ومشاكلهم، التي سببها خروجهم قسرا بفعل القتل والمجازر الصهيونية من أراضيهم المحتلة، ويتم تمويل "الأونروا" بالكامل تقريباً من خلال التبرعات الطوعية التي تقدمها الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.
وتقدم "الأونروا" التي أسست من أجل تقديم الخدمات للاجئين، خدمات تعليمية وصحية واجتماعية، وفي قطاع غزة، ذي الأغلبية السكانية من اللاجئين، تشرف هذه المنظمة على أغلبية خدمات الرعاية الصحية والتعليم الأساسي، ويسند لها عملية توزيع المساعدات الغذائية على الأسر الفقيرة من اللاجئين.
وتقدر إنفاقات "الأونروا" على قطاع التعليم بـ 54 في المئة، والصحة 18 في المئة، والخدمات التشغيلية بـ 18 في المئة، والخدمات الاجتماعية بـ 18 في المئة.
وفي أولى بوادر المشكلة المرتقبة، علمت "القدس العربي" أن "الأونروا" بعد ان قررت تجميد عمليات التوظيف في مناطق العمليات الخمس، شرعت بتخفيض أعداد العاملين على بند "البطالة المؤقتة".
وستؤثر عملية وقف تعيين موظفين جدد كثيرا على جودة الخدمات المقدمة لقطاعات واسعة من اللاجئين، وذلك لعدم وجود موظفين جدد لسد فراغ خروج أعداد كبيرة للتقاعد كل عام، خاصة في قطاعات الصحة والتعليم.
وستزيد عملية وقف التعيين في وظائف "البطالة المؤقتة" من نسب الفقر وسوء الوضع الاقتصادي للأسر الفلسطينية في قطاع غزة، التي تعاني ويلات الحرب والحصار.
وستتأثر كذلك قطاعات كبيرة من اللاجئين في غزة الذين يعانون الفقر، مع تردي الوضع الاقتصادي بسبب الحصار، رغم أن "الأونروا"، أعلنت أنها ستشرع خلال أيام في عمليات جديدة لـ "حصر الفقر" في القطاع، ما يدل على زيادة عدد الفقراء والمحتاجين للمساعدات الغذائية التي تقدم كل فترات طوال العام.
وحتى قبل حلول الأزمة الحالية الخانقة لـ "الأونروا" وقبل الإعلان عنها كانت اللجان الشعبية للاجئين تشتكي من لجوء المنظمة الدولية لتقليص خدماتها في المخيمات، ونظمت من أجل ذلك تظاهرات في مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة.
وبسبب التقليص نظمت حركة حماس في مدينة غزة مسيرة جماهيرية ضد هذه السياسة القائمة.
وقبل أيام احتج لاجئو لبنان على تقليص "الأونروا" لخدماتها الإنسانية والإغاثية للنازحين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان.
ونفذت اللجان الشعبية والأهلية ولجان اللاجئين من مخيمات سوريا، إعتصامات حاشدة أمام مكاتب "الأونروا" في مخيمات البص والرشيدية وبرج الشمالي والمعشوق والشبريحا والقاسمية وأبو الاسود القريبة من مدينة صور اللبنانية، استنكارا لقرار "الأونروا" القاضي بتخفيض الخدمات.
وجرى خلال تلك التظاهرات تسليم مسؤولي "الأونروا" مذكرات احتجاج، دعوا خلالها للاستمرار بالعمل على تأمين بدل الإيواء والطعام والاستشفاء للاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى حين انتهاء أزمتهم.
ولجأ الكثير من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بسبب الحرب إلى لبنان، ومن شأن نقص الموازنات أو توقف الخدمات التي تقدمها "الأونروا" بسبب شح الأموال، أن تؤثر كثيرا على هؤلاء.
وبالأساس فقد تسببت الأزمة المالية حسب ما تأكدت "القدس العربي" في استقالة مدير عمليات "الأونروا" في قطاع غزة روبرت تيرنر، الذي سيترك عمله في منتصف الشهر المقبل، وذلك في ظل نقص التمويل اللازم، من خلال إحجام المتبرعين عن تقديم الأموال اللازمة لاستمرار أعمال "الأونروا" التي اضطرت إلى إلغاء الكثير من نشاطاتها وبرامجها في الفترة الأخيرة.
وجاءت استقالة تيرنر بشكل مفاجئ، في الوقت الذي تشهد فيه عملية إعمار القطاع، وهي أكثر المهام تحديا للمجتمع الدولي تأخرا.
تيرنر كان قد دعا في تصريح صحافي أعلن فيه الاستقالة إلى توفير حلول لمشاكل اللاجئين الفلسطينيين، وقال "إذا ما كان هناك من درس سآخذه معي، فهو أن إنكار حقهم في سلام عادل ودائم سيبقى في صميم محنتهم الإنسانية".
يشار إلى أن "الأونروا" عملت خلال الحرب وبعدها على توفير "مراكز إيواء" لأعداد كبيرة من اللاجئين الذين هجروا منازلهم التي دمرتها إسرائيل في الحرب الأخيرة.
وأعلنت في وقت سابق أنها تسعى للحصول على 1.6 مليار دولار لغايات الإغاثة الطارئة والإنعاش المبكر وأولويات إعادة البناء في قطاع غزة.
وسبق أيضا أن أطلقت "الأونروا" النداء الطارئ للأرض الفلسطينية المحتلة في جنيف، حيث تسعى من خلاله لتأمين مبلغ 366.6 مليون دولار لدعم عملياتها الطارئة في غزة، بما يشمل 127 مليون دولار لتوفير المأوى الطارئ وإصلاح المساكن وإدارة المراكز الجماعية، إلى جانب 105.6 مليون دولار لتقديم المساعدات الغذائية الطارئة ومبلغ 68.6 مليون لتقديم المال مقابل العمل الطارئ.