تحدث تقرير عسكري سري، أن الإحباط واهتزاز الثقة الذي ساد الجيش إثر الحروب الأخيرة دفع 50% من الجنود للتفكير بترك الجيش
وتناولت بعض التقارير العسكرية الإسرائيلية، أن الجيش الإسرائيلي ترهل وشاخ وتقادم، وبات واهن العضلات، ويتستر بورقة توت، وإرادة القتال فيه انهارت، والمفعول الانهزامي للانسحابات المتوالية يتراكم، وأصبح يترنح بين ضمور الروح العسكرية واللوذ بالفرار.
وأكدت مجموعة من قادة وجنود الاحتياط تردي حوافز الخدمة، وحذرت عددا من قادة الدولة من انهيار شامل لقوات الاحتياط، وكشفت عن سريان مشاعر الإحباط والقلق بين الجنود، ما بات يهدد بانهيار منظومة قوات الاحتياط، وعززت مصادر إسرائيلية الظاهرة حين قالت إن حوادث الانتحار في الجيش تضاعفت
هيئة الأركان الإسرائيلية، من جهتها، تبدي انشغالا حقيقيا بطرح العديد من صيغ وطرق معينة لإصلاح العطب الذي لحق بمؤسسة الجيش، "حتى ينجح" في مهماته، وفي مواجهة التحديات الكبيرة المتوقعة في المستقبل، كما أبدى العديد من الإعلاميين والباحثين العسكريين والجنرالات المتقاعدين رغبتهم بتقديم النصائح لها، ويأتونها حاملين الاقتراحات والتوصيات.
ومن أبرز النقاط التي شرع الجيش بعلاجها:
1-ترهل بنية الجنود: هناك شعار معروف في الجيش يقول: كل شيء يبدأ بالانضباط، وعلى عكس العديد من الشعارات المستهلكة، فإن هذا الشعار صحيح، جيش بلا انضباط هو سيرك، والجيش الإسرائيلي اليوم غير منضبط، يكفي أن ترى ضابطا يركض وراء جنود يتسكعون في معسكر تدريبي بأحذية ذات ألوان قوس قزح، لتدرك كم بات الانضباط تعيسا، الجنود يجلبون تقارير تبين عدم قدرتهم لبس أحذية الجيش لأسباب طبية.
وظهرت زيادة في تدهور "المادة القتالية"، وهم أعضاء القوات المسلحة، فقيادة القوات ترى أن استمرار التوتر الأمني في الأراضي الفلسطينية سيؤدي لتصعيد فقدان المقدرة القتالية، وانخفاض الروح المعنوية، والإحساس العميق بالخوف واليأس.
وجاء في إفادة لجندي عائد من الخدمة في قطاع غزة: "كان ذلك كابوسا حقيقيا، غزة أصبحت عشا من الدبابير، ولذا أنا أفضل خدمة شهرين على الحدود مع لبنان، على الخدمة أسبوعين قرب غزة، كلما تذكرت أنني سأضطر للعودة لكل هذه الأماكن المقيتة اعترتني قشعريرة، وتصبب العرق من جبيني".
2-القطيعة بين القادة: أحد التحديات التي واجهها آيزنكوت في الجيش فور تولي قيادته هو الاستقرار في هيئة الأركان، التي ما زالت عاجزة عن الخروج من صدمة الحرب على لبنان وحروب غزة، ففي العديد من الوحدات العسكرية تسود القطيعة بينهم، وبينهم وبين المرؤوسين، هناك قادة ألوية لا يكلمون قادة الوحدات لديهم، والأمر نفسه ينطبق على قادة أصغر، وهذه قضية تحتاج لعلاج ملح، وبلا مسايرة.
3- ضعف التدريبات الميدانية: بجانب الاستعداد للحرب، ينبغي القفز عدة درجات بمستوى الأداء القتالي المهني، يجب العودة لتعليم أمور في التدريبات العسكرية من الأساس، وليس فقط للجنود، بل للقادة.
يحتاج جيش الاحتياط لبناء من جديد، بعد سنوات طويلة من الإهمال، فقد جرى حديث غزير عن إرسال جنوده للحرب دون تلقي ما يكفي من تدريبات، وبعد الحروب الأخيرة، لا يكفي الاهتمام بالتدريبات فقط، بل توجد حاجة لإعادة الثقة، فمن دونها ستتزايد عمليات رفض الخدمة، والتمرد على أوامر الاستدعاء للاحتياط.
4- إعادة الثقة للجمهور: هناك عملية تآكل متواصلة في الحصانة التقليدية للجيش من الانتقادات العامة، وهي ظاهرة هامة في مسيرة تغيير العلاقات بين الجيش والمجتمع، وتكشف عن تغييرات في الجوهر، وليس فقط في الأسلوب.
كان أمرا طبيعيا أن تظهر الجيوش في الدول العادية لتحقيق وظيفة الدفاع عن سيادتها وحدودها، بينما كان الأمر مختلفا في النموذج الإسرائيلي، حيث وجد الجيش على شكل منظمات مسلحة قبل الإعلان عن قيام الدولة، وتتمثل مهمتها في ضمان استمراء أداء الآلة العسكرية لدورها العدواني في محيطها الإقليمي، واعتُبر الجيش حتى ما قبل حرب العام 1973، بمثابة "البقرة المقدسة" التي يحرم على الإسرائيليين التعرض لها بأي أذى أو انتقاد، ماديا كان أو معنويا.
وكان من المحظور بصورة قاطعة حتى ذلك الحين توجيه إصبع الاتهام، ولو بالإشارة فقط في وسائل الإعلام المختلفة، لأي نوع من عيوبه وعوراته، والفجوات التي قد تعتريه في هيكلياته التنظيمية، أو أجهزته التنفيذية، أو أدائه العملاني.
وأدى هذا الحرص الشديد، حتى المغالاة، ليس فقط لتلميع صورته والحفاظ على معنوياته، وصون سمعته الردعية، بل لتكريس صورة المؤسسة السياسية الراعية له، التي ربطت نجاحها بنجاحه، بل واستمدت منه الكثير من القوة والمدى البشري والمعنوي والشعبي، ومعلوم أن هذا الوضع استمر دون إزعاج حتى صدمة حرب 1973، التي شكّلت منعطفا هاما ومعلما تاريخيا في ضعضعة أسسه، وتبين أن الجيش الذي لا يقهر ليس سوى كسائر الجيوش، يقتُل ويُقتل.
5- غياب الاعتزاز بالجيش: تنتظر قيادة الجيش الإسرائيلي مهمة قد تبدو مستحيلة، تتمثل بإعادة الشعور بالاعتزاز للعديد من الجنود والضباط الذين باتوا يخجلون من الزي العسكري، ويخططون للاستقالة، وتدل الإحصاءات على أن نسبة الراغبين بها تتصاعد باستمرار، والخطر الأكبر أن نسبة الشباب بين المستقيلين ترتفع باستمرار، ويفكرون في التقدم على طريق مجالات التكنولوجيا العالية.
علما بأن السبب الرئيس لهذه الظاهرة، فضلا عن الإخفاق أمام حزب الله وحماس، انتشار "آفة" الثرثرات، وحروب الجنرالات الكلامية فيما بينهم، ودون خطة شاملة تشغل الجيش في مهمات قتالية، سيبقى الضباط الكبار لا يظهرون كمثل يحتذي للجنود.
كما وصلت المعاناة النفسية لدى الكثير من الجنود نحو الانغلاق النفسي، وهي حالة يمكن للجندي أن يبرر الجرائم التي يقترفها بأنه ينفذ الأوامر ليس إلا، أو أن يلجأ للتمرد والرفض بسبب تخبط الضمير.
ولاحظ الخبراء النفسيون انتشار ظاهرة "البكاء" بين جنود المظلات، ولجوء الكثيرين منهم لاعتماد أقسى أنواع العنف والضرب؛ للتنفيس عن الضغوطات التي تصيبهم، ما سيكون له تأثير سلبي على حوافز الالتحاق بالجيش بشكل عام، وستكثر رسائل الرفض للخدمة في المناطق المحتلة، ما سيؤثر بالتأكيد على طبيعة الالتحاق في صفوف الخدمة الدائمة، ومن المحتمل أن يدفع بعض الجنود للهجرة من "إسرائيل".
تحدث تقرير سري حول الأوضاع النفسية والمعنوية في الجيش، أثار قلق الحكومة، أن الإحباط واهتزاز الثقة الذي ساد الجيش إثر الحروب الأخيرة، دفع 50% من الجنود للتفكير بترك الجيش.
احتوى التقرير على نتائج استطلاع رأي أجري في صفوفهم، دل على وجود أزمة ثقة متفاقمة بينهم وبين قيادتهم، وحين سئل جنود الاحتياط عن نظرتهم ومدى ثقتهم واحترامهم لقادتهم، قال 25% إنهم يثقون، وحين وجه السؤال للجمهور العام، لم تزد نسبة الثقة كثيرا، وقال 40% فقط إنهم يثقون بقيادة الجيش.
كما انطوى "استطلاع الوطنية الإسرائيلية"، الذي ينشر سنويا، على "بشرى" سيئة تتمثل فيما طرأ من زعزعة منقطعة النظير على ثقة الجمهور بالمؤسسات السلطوية، وأظهرت أبحاث أخرى أن مستوى الثقة بالكنيست والحكومة والجيش لم يكن عاليا، وأشار إلى انحدار المستوى إلى درك غير مسبوق، حيث طرأ هبوط حاد على مستوى الثقة بقوات الأمن، التي تمتعت دوما بمستوى عال من التأييد.