06 تموز 2015
«يسيطر الجيش المصري على شمال سيناء كليا»، هذا ما قاله المتحدث باسم الجيش المصري، الجنرال محمد سمير، أول من أمس، وأضاف: «الآن بدأ التحقيق في كيفية وصول الارهابيين، من ساعدهم ومن أين حصلوا على الزي الذي يشبه الزي العسكري المصري». بعد يوم دموي قتل فيه 17 جنديا مصريا و100 شخص من مليشيا «انصار بيت المقدس» التابعة لتنظيم الدولة الاسلامية (داعش). صحيح أن الجيش المصري موجود في شمال سيناء، وأن المعارك قد هدأت، إلا أن أحدا لا يعرف كم من الارهابيين شاركوا في الـ 15 هجوما على الاهداف العسكرية المصرية، ويصعب ايضا تقدير عددهم في جميع أنحاء سيناء.
قبل سنتين كانت تقديرات الجيش المصري تقول إنه يوجد 4 آلاف مقاتل في صفوف المليشيا، اغلبيتهم مواطنون مصريون، وبعضهم جاء من كازاخستان وافغانستان، لكن الكثيرين منهم توجهوا الى ليبيا في اطار السعي لاقامة موطئ قدم في الدولة. هذه المليشيا أنشئت في غزة في 2010، على يد عبد اللطيف موسى بعد خلافه مع «حماس» وانتقاله إلى سيناء، حيث تقرب هناك من التنظيم الراديكالي «التوحيد والجهاد»، وعمل ضد أهداف اسرائيلية. وكانت هذه المليشيا مسؤولة عن التفجير المتكرر لانبوب الغاز والهجمات على مراكز الشرطة المصرية في شمال سيناء.
كانت «أنصار بيت المقدس» واحدة من دزينة مليشيات مسلحة عملت في شمال سيناء وداخل مصر. منظمات تابعة للحركة السلفية الجهادية أو «القاعدة» مثل «جند الاسلام» و»مجلس شورى المجاهدين» قامت بتنفيذ عدة هجمات دموية في سيناء وقتلت 16 جنديا مصريا قرب رفح في آب 2012، واختطفت جنوداً مصريين في أيار 2013. وقد تمت هذه الهجمات قبل اسقاط نظام محمد مرسي. لم تكن الثورة في مصر هي التي أدت الى حدوث الهجمات الارهابية، لكن الموجة الارهابية الكبرى حدثت بعد سقوط نظام «الاخوان المسلمين» في نهاية حزيران 2013 وتسلم عبد الفتاح السيسي السلطة. وقد بادرت الدولة في عهد السيسي الى أكبر هجوم وملاحقة ضد «الاخوان المسلمين»، وقتل مئات المتظاهرين في المواجهات مع قوات الامن واعتقال الآلاف من زعماء ونشطاء الحركة، ومنهم الرئيس المخلوع محمد مرسي. سارع النظام في مصر ووسائل الاعلام المصرية الى تعريف «الاخوان المسلمين» كمنظمة ارهابية مسؤولة عن العمليات في سيناء.
وتم اعتبار الحركة رسميا أنها حركة ارهابية وحُكم على بعض قادتها بالاعدام.
لكن هذا الصراع واعتبار منظمة «الاخوان المسلمين» منظمة ارهابية لم يساعدا على القضاء على العمليات الارهابية في سيناء وفي المدن المصرية.
الربط الذي قام به النظام المصري بين «الاخوان المسلمين» و»حماس» و»حزب الله» والمليشيات الجهادية في سيناء خلق الانطباع بأن النظام يبحث عن اسباب سياسية لتبرير حربه ضد «الاخوان»، لكن ليست لديه براهين حقيقية حول الصلة العسكرية بين «الاخوان المسلمين» وباقي التنظيمات. صحيح أن «حماس» هي الحفيد الايديولوجي لـ «الاخوان المسلمين»، وبينها وبين «حزب الله» صلة عسكرية. والتعاون أيضا بين كتائب عز الدين القسام وبين التنظيمات في سيناء قائم، حيث استخدمتهم «حماس» لخدمات التهريب وحراسة مخازن السلاح. أما التنظيمات فقد وجدت في غزة ملجأ للقيادات التي تمت ملاحقتها من قبل اجهزة الامن المصرية.
لكن الظروف تغيرت، فـ «حماس» انفصلت عن سورية وايران و»حزب الله». قوات «حماس» في مخيم اللاجئين اليرموك في دمشق، التي تحمل اسم «اكناف بيت المقدس»، قاتلت ضد جنود الجيش السوري و»حزب الله». في غزة حيث تمر «حماس» بازمة صعبة بعد تجفيف مصادر التمويل الايرانية، استبدلت تركيا وقطر بالخزينة الايرانية. لكن هذه المساعدة لم تفد «حماس» لأن الحدود مع مصر مغلقة وأغلبية الانفاق تم تدميرها، واسرائيل تفرض منذ 2007 إغلاقا حول القطاع، الى أن وجدت «حماس» صعوبة في دفع رواتب موظفيها ومقاتليها، رغم أن قطر اقترحت التمويل، وبضغط من اسرائيل لم توافق على نقل الاموال لـ «حماس».
هذا الترتيب الذي تقوم به اسرائيل ومصر بالتضييق على «حماس» من الجانبين وتبعدان تركيا وقطر عن التدخل في القطاع وفي الموضوع الفلسطيني عموما، لا سيما بعد «الجرف الصامد»، خلق الشعور بأن غزة هي جزيرة معزولة ولا تستطيع عمل شيء.
إلا أن كانون الثاني 2015 شهد تحولا في السياسة السعودية مع تنصيب الملك سلمان، حيث تحولت «حماس» مرة اخرى الى ورقة ضغط عربية في الصراع السعودي ضد التأثير الايراني.
ونتيجة للضغط السعودي، أزالت الحكومة المصرية صفة منظمة ارهابية عن «حماس» بعد ان اعتبرتها المحكمة كذلك قبل بضعة اشعر. بدأ ممثلو النظام في مصر في عقد لقاءات مع ممثلي «حماس» وعلى رأسهم موسى أبو مرزوق، نائب خالد مشعل.
وقام ضباط بمدح «حماس» في وسائل الاعلام بسبب جهدها في منع المتسللين على جانبي الحدود. وتم فتح معبر رفح بشكل محدود من اجل عبور الناس والبضائع، وهناك شائعات حول مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل لترسيخ وقف اطلاق النار طويل المدى واعتبار «حماس» شريكا ممكنا.
إن شعار نتنياهو الذي يقول «حماس هي داعش وداعش هي حماس» تبخر، ولا سيما بعد تهديد «داعش» بتصفية قيادة «حماس» في اعقاب الهجمة التي قامت بها «حماس» ضد مؤيدي «داعش» في القطاع، الذين كما يبدو كانوا مسؤولين عن اطلاق الصواريخ على اسرائيل. واذا سارع المصريون في المرات السابقة في اتهام «حماس» بالعمليات في سيناء، فقد امتنعوا هذه المرة، بعد هجوم الشيخ زويد، عن القول إن «حماس» شريكة في هذه العمليات. محللون وباحثون واشخاص من الحركات المدنية وجهوا اصبع الاتهام لـ «حماس»، لكن ليس بصفتها متعاونة مع «داعش» بل مع «الاخوان المسلمين»، وكجزء من الصورة الارهابية لـ «الاخوان».
يبدو أنه بخلاف التقديرات الاسرائيلية، فان الحكومة المصرية تريد الحفاظ على الصلة مع «حماس»، والتفريق بينها وبين «داعش»، واجراء الحوار معها وكأنها ليست جزءاً من «الاخوان المسلمين». وقد تم نشر أجزاء من لوائح الاتهام، الاسبوع الماضي، التي قدمت ضد قيادات من «الاخوان» وتشمل اقتباسات وتنصت على المحادثات الهاتفية تظهر أن «حماس» ارسلت ممثلين عنها الى مصر في اعقاب دعوة من «الاخوان» في 2011 وساعدت في تحرير نشطاء من «الاخوان» من السجن بالقوة. المهم هو أن هذا مؤشر على وجود علاقة بين ممثلي «حماس» و»الاخوان» وتركيا وقطر والـ «سي.آي.إيه»، وأن محمد مرسي قام بنقل أسرار دولة الى ايران. وقدمت ايضا لوائح اتهام ضد قادة من «حماس» أو على الاقل طُلب تسليمهم. لكن يبدو أن النظام في مصر يفضل الآن تخفيف التوتر مع المنظمة.
معضلة مصر الحقيقية ليست «حماس» بل «داعش» وباقي التنظيمات في سيناء والمدن المصرية. رغم كشف الجيش يوميا عن الخلايا المسلحة ومخازن للسلاح لتنظيمات مختلفة، إلا أن تكاثر العمليات ونسبتها واهدافها تشير الى الضعف الاستخباري في الجيش والى البنية اللوجستية الفعالة للتنظيمات. محللون مصريون يقولون إن الحكومة ستزيل جميع القيود من اجل ضرب بؤر الارهاب، ومثال على ذلك شوهد قبل ايام عندما قتلت قوات الامن تسعة من نشطاء التنظيم الذين اجتمعوا في أحد المنازل في القاهرة، رغم أنه كان يمكن اعتقالهم. يمكن أن يقوم النظام ايضا باعدام زعماء «الاخوان» ومنهم محمد مرسي بعد عيد الفطر. لكن هناك شك في أن تؤثر هذه الخطوات على سلوك التنظيمات الارهابية التي اتهمت قبل شهرين «الاخوان» بترك الجهاد والتوجه الى المصالحة والديمقراطية، وأنهم مسؤولون عن الوضع الراهن.
عن «هآرتس»