ما سرُّ غُرمنا بتغيير وزاراتنا؟
ولماذا نحن مولعون بإجراء التغييرات والتعديلات الوزارية؟
وهل يحتاج الفلسطينيون هذا التغيير الوزاري المُتجدِّد والمُتعدد؟
ألسنا شعبا محتلا، ما يزالُ يناضلُ خلف القضبان، قضبان الحصار، والقمع، والحرب، والدمار؟
ثم ، هل نملك مقومات وأُسس بناء الدولة؟
إننا نعترفُ بأننا لم نصل إلى مرتبة (دولة)، ونحن اليوم نناضل للحصول على لقب الدولة في المحافل الدولية، ونسعى لنتحرر من القيد والحصار!
إذن نحن نعيش فترة ما قبل الدولة، فلماذا نمارس طقوس الدولة في تشكيل الحكوماتِ، وتغييرها وتعديلها، والالتذاذ بالألقاب التي نضعها لوزرائنا (معالي)؟!!
إن مُقَوِّمات الدول، وفق المعجم السياسي، تتطلبُ مساحةٍ أو بقعة جغرافية معترفٍ بها، ذات موارد، وسكانٍ يجمعهم التوافق، ونظامِ حكمٍ مُعينٍ، بالإضافة إلى توفُّر السيادة!
هل قراراتُ تشكيل الحكومات الفلسطينية، وتغييرها قراراتٌ صائبةٌ، أم أنها تحدث ارتجالا؟
وما نتائج ذلك على المستقبل الفلسطيني؟!
هل عادَ الفلسطينيون إلى نُطَفِهم وجيناتهم العربية، في اعتبار الحكومات وجاهات، وعباءات، وأضحتْ الوزاراتُ كوبوناتٍ، ومنحا، وأُعطيات؟ّ
فتغيير الحكومات عند أمة العرب، يختلف عن تغيير الحكومات عند بقية الأمم الأخرى، إنَّ الأممَ الأخرى تُغير الحكومات، بسبب التقصير،ٍ أوالفشلٍ الإداريٍ، أو تُهم الاختلاس والسرقات!
أما نحن فنُغيِّرها إذا خالفتْ تقاليدَ المسؤول الأول، ولم تُحافظ على التقليد العربي، المتمثل في أن الوزير الناجح هو كل وزير يُفلح في المحافظة على الوِدِّ مع المسؤول الأول، الودِّ الشخصي والعائلي، وإن لم يتوفَّر هذا الوِدُّ، فعليه أن يكون من مواظبي الدفاع المستميت عن المسؤول الأول، في كل مكان، وإن لم يُفلح في هذه المهمة، يجب أن يكون (عَينا) للمسؤول الأول على بقية فريق الوزارة، ينقلُ ما يسمعه له كلَّ يوم!
اعتدنا أن نُغيّر الوزارات، كلما أحسَّ المسؤول الأول، أن هناك غضبا شعبيا كاسحا على سلطته، فهو يعمد حينئذٍ إلى الحلقة الضعيفة( الوزارة)، فيُغيِّرُها، ليتجنب النقد، وذلك بإلقاء اللوم على الحكومة، حتى وإن كانتْ الحكوماتُ لا تملك من أمرها شيئا، مثل الحكومات الفلسطينية، فالحكومات الفلسطينية لا تملك مصادرَ للدخل القومي، ولا مساحة جُغرافية متصلة، ولا حرية في الحِل والترحال!!
وبهذا يكون التغييرُ داخلا في باب الرياضة الشعبية، والخطة النفسية، المتمثلة في (فش غُل الرعية)!
ومن برتوكولات تغيير الحكومات في وطني، استخدام التغيير للحكومات كسلاح حزبيٍّ فعَّالٍ ضد الأحزاب الأخرى، بإرضاء الطامحين والساعين، من حزب الحاكمين، لمنصب الوزير!
أي أن تغيير الحكومات قد يكون نكاية في السياسيين المنافسين!
ومن تقاليد تغيير الحكومات عندنا أيضا، إرضاء الموالين، ممِن يُثبتون ولاءهم، وإخلاصهم لشخصِ المسؤول الأول، فالتغيير يكون جائزةً ومكافأة نقدية لكثيرٍ من الموالين والأنصار، حتى ولو كان التغييرٌ إفقارا إضافيا لفقراء الوطن، وإنهاكا لموازنات الصدقات!
ومن برتوكولات تغيير الحكومات أيضا، رغبةُ المسؤول الأول في الانتقام من وزيرٍ أو أكثر، نَشَز عن قطيع الوزراء، وأصبح يُعرِّضُ منصبَ المسؤول الأول للخطر، وفي هذه الحالة، يُسارعُ المسؤولُ الأولُ إلى تعديل وزاريٍ سريعٍ، قبل استفحال ظاهرة متمردي الوزارة، بعد نحتِ مسوغاتٍ قانونيةٍ مُقنعةٍ!
ومن أبرز فوائد تغيير الحكومات في الدول غير مكتملة النمو، إطالة عمر المسؤول الأول، فالحكومات في هذا النمط الشاذ كعجينة الصلصال في يد المسؤول الأول، يُشكلها كيفما يشاء، وتغيير الوزارات، تجعله يسترخي ويستمتع بفترة حكم طويلة!
وأخيرا، فإن كلَّ دول العالم تُغيِّرُ الحكوماتِ لغرضِ حلِّ المشكلات، والقضاءِ على الأزمات.أما نحن، فنُغيرها لتعقيد المشكلات، وتضخيم الخلافات!!!!