اغتيال الأكاديمي الفلسطيني الدكتور فادي البطش في العاصمة الماليزية كوالالمبور، يعيد تسليط الضوء على سياسة الاغتيالات «الإسرائيلية» التي لم تتوقف في حقيقة الأمر لا بالنسبة للقيادات والنخب الفلسطينية ولا حتى بالنسبة لعامة الشعب، فـ«العربي الجيد هو العربي الميت» وفقاً للقاعدة التي تبناها العديد من القادة «الإسرائيليين» القدامى والجدد.
لكن يستوقفنا في قضية اغتيال الدكتور البطش، بغض النظر عن انتمائه السياسي، وبهذه الكيفية أثناء ذهابه ليؤدي صلاة الفجر في أحد المساجد القريبة من مسكنه في كوالالمبور، أن كل فلسطيني أو عربي متفوق ومن ذوي الكفاءات، يخضع للمراقبة ثم الاستهداف من جانب جهاز «الموساد «الإسرائيلي»» وفقاً لتقييم درجة «الخطورة» التي تحددها الاستخبارات «الإسرائيلية».
صحيح أن «إسرائيل» توقفت لفترة عن اغتيال قادة في المقاومة والفصائل الفلسطينية ارتباطاً بظروف وتطورات سياسية معينة، لكنها لم تتوقف عن اغتيال نشطاء وكوادر المقاومة كلما سنحت الفرصة، وبالتالي فإن الحديث عن إعادة فتح باب سياسة الاغتيالات مجرد وهم، لأنها لم تتوقف لحظة واحدة، فكل ما يحدث على أرض فلسطين منذ إنشاء «إسرائيل» وحتى الآن من عمليات قتل وإعدام ومذابح جماعية تصل إلى حد الإبادة وجرائم الحرب، هو عملية اغتيال كبرى للأرض والشعب وحتى لأحلام الفلسطينيين، وكل ذلك يدخل في إطار أحد جوانب الحرب الوجودية التي تشنها «إسرائيل» على الشعب الفلسطيني.
ولكن الأمر لا يقتصر على الفلسطينيين فحسب، فكل من يقدم لهم العون والمساعدة أو يعمل على تغيير مجرى الصراع، والحديث هنا يدور حول العقول والكفاءات، يصبح في دائرة الاستهداف وعرضة للاغتيال، سواء كان فلسطينياً أو عربياً أو حتى أجنبياً. وكي لا نعود كثيراً إلى الوراء يمكن الإشارة إلى اغتيال المهندس التونسي محمد الزواري في عام 2016 ودائماً بنفس الذريعة.. تطوير طائرات «الدرون» أو برنامج صواريخ المقاومة، كما يمكن الإشارة إلى اغتيال «الموساد «الإسرائيلي»» لعشرات العلماء النووين العراقيين عقب سقوط نظام صدام حسين، بشتى الوسائل والسبل، وقبل ذلك علماء الذرة المصريين وغيرهم من العرب ممن كانوا يعملون على تغيير دفة الصراع في المنطقة، والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى.
بطبيعة الحال، «إسرائيل» لم تعترف يوماً باغتيال أي عالم فلسطيني أو عربي، ولا حتى أي كفاءات أو نشطاء سياسيين، رغم أنها تترك بصماتها في كل مكان، ومع ذلك، فهي تهدد، كما فعلت دائماً، بأن أي رد على اغتيال الدكتور البطش، أو محاولة نقل المعركة إلى الخارج كما ألمحت الفصائل، سيؤدي إلى توسيع الاغتيالات ضد قادة وكوادر الفصائل الفلسطينية، فهل يستفيق الفلسطينيون من سباتهم ويقومون بالرد اللازم على هذه العنجهية، أم يرضخون للغطرسة «الإسرائيلية» وأجهزة استخباراتها؟ سؤال سيظل مرهوناً برسم الأيام المقبلة.
عن جريدة "الخليج" الإماراتية