كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، اليوم الجمعة، النقاب عن محاولة رئيس بلدية الاحتلال السابق، تيدي كوليك، استصدار موافقة من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في العام 1993، على مشاركة المقدسيين في الانتخابات لرئاسة بلدية الاحتلال، وذلك لمنع وصول وفوز منافسه آنذاك، إيهود أولمرت، برئاسة البلدية كمرشحٍ عن حزب "الليكود"، وهو ما حدث في نهاية المطاف.
واعتمدت الصحيفة في تقريرها على تصريحات وشهادة لمستشار سابق لتيدي كوليك، هو موشيه عميراف، الذي كان عضواً في "الليكود"، وأجرى اتصالات مع قيادات فلسطينية في القدس المحتلة، من أبرزها الراحل فيصل الحسيني، والدكتور سري نسيبة، وحنا سنيورة، وآخرون.
وبحسب ادعاءات موشيه عميراف، فقد وافق إسحق رابين، الذي كان رئيساً لحكومة الاحتلال في ذلك الوقت، وبفعل المفاوضات الجارية سرّاً في أوسلو، على السماح له بالتوجه إلى تونس ولقاء الرئيس عرفات، لطرح الموضوع عليه.
وقال عميراف للصحيفة إنه سافر فعلاً إلى تونس، والتقى عرفات، وطرح الفكرة عليه، وأن الرئيس الفلسطيني الراحل أبلغه، بعد اجتماع اللجنة التنفيذية، أن هناك موافقة مبدئية على ذلك، شرط أن يصوت المقدسيون لحزب فلسطيني وليس لكوليك أو أولمرت، لأن الاثنين من وجهة نظر الجانب الفلسطيني، وجهان لعملة واحدة.
ووفقاً لرواية عميراف، فقد سُرّ كوليك بموقف الرئيس عرفات، الذي يبدو أنه كان نابعاً من تقديرات الرئيس الفلسطيني الراحل نفسه (بحسب موشيه عميراف ود. سري نسيبة، كما تقول الصحيفة) بأن ذلك ينسجم واقتراب بحث ملف القدس المحتلة في المفاوضات مع "إسرائيل".
وتمضي الصحيفة في تقريرها لتنقل عن عميراف أيضاً، أنه طرح الموضوع عند عودته على فيصل الحسيني، وأن الأخير عرض الموضوع على لجنة قيادية من سكان القدس المحتلة مكونة من 15 عضواً، لم يوافق منهم على الاقتراح سوى ثلاثة أشخاص، هم حنا سنيورة، الذي كان يملك ويصدر آنذاك صحيفة "الفجر"، وفيصل الحسيني، والدكتور سري نسيبة، حيث اعتبر أعضاء اللجنة الآخرون آنذاك أن من شأن هذه الخطوة أن تكون انزلاقاً نحو الاعتراف بالاحتلال "الإسرائيلي" للقدس، وهو موقف خالف بحسب ما تنشره الصحيفة تقديرات الرئيس عرفات، وأدى في نهاية المطاف إلى إغلاق الملف وانتصار إيهود أولمرت على تيدي كوليك، علماً بأن الأخير شغل رئاسة بلدية القدس المحتلة مدة 28 عاماً.
وفي السياق، تكشف الصحيفة نقلاً عن المساعد الأول لتيدي كوليدي، د. ميرون بينبشتي، أنه لجأ في الانتخابات الأولى لرئاسة بلدية القدس، غداة حرب 1967 وقرار حكومة الاحتلال "بتوحيد شطري المدينة وإعلانها عاصمة لـ"إسرائيل"، إلى الحيلة واستغلال الصدمة التي وقعت في نفوس الفلسطينيين في القدس بفعل الاحتلال، وروج لشائعة أن من لا يشارك في الانتخابات لبلدية القدس التي جرت عام 1969سيفقد مكانته كمقيم فيها".
وساعدت هذه الدعاية على مشاركة نحو 7500 فلسطيني من المقدسيين شكلوا عملياً 21 في المئة من مجمل أصحاب حق الاقتراع، لبلدية الاحتلال في تلك السنة، لكن هذه الحيلة لم تنطل على الفلسطينيين في الانتخابات اللاحقة التي جرت عام 1973. ومنذ ذلك الوقت، ثابر الفلسطينيون في القدس على عدم المشاركة في انتخابات بلدية الاحتلال، خاصة مع صعود نجم منظمة التحرير الفلسطينية، وانتزاعها القرار كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
ومنذ ذلك الوقت أيضاً، تراجعت نسبة التصويت للمقدسيين في انتخابات بلدية القدس، ولم تتعدّ في الانتخابات الأخيرة عام 2013 نسبة واحد في المئة، ومن صّوتوا هم عملياً من المقدسيين العاملين في بلدية الاحتلال.
إلى ذلك، حاول عوزي برعام، الذي كان وزيراً في حكومة رابين، ومن حزب العمل، تكرار محاولة عميراف السابقة، وتوجه عام 1998 مرة أخرى للقيادة الفلسطينية بوساطة عضو كنيست عربي هو أحمد طيبي، في محاولة لإقناع القيادة الفلسطينية، وعلى رأسها الرئيس عرفات، على الأقل بألا تعارض مشاركة الفلسطينيين المقدسيين في الانتخابات. لكن الرئيس عرفات أبلغه في نهاية المطاف رفض طلبه هذا، علماً بأن برعام قال للصحيفة إن انطباعه الأولي من لقائه بعرفات كان أن الأخير سيوافق على طلبه، لكن مدير مكتب الرئيس عرفات أبلغه لاحقاً هاتفياً بقرار رفض طلبه.
وتنقل الصحيفة اليوم عن د. سري نسيبة، الذي كان مؤيداً في البدايات لمقترح عميراف، قوله إنه "في ظل الظروف الحالية فإنه سيكون من الخطأ أن يشارك الفلسطينيون في القدس المحتلة في الانتخابات لرئاسة البلدية: فعلى ضوء الظروف الحالية والأحداث الأخيرة، سيتم فهم هذه المشاركة من قبل المجتمع الدولي والرئيس الأميركي دونالد ترامب وإسرائيل وكأنه يمكن إخراج القدس من المعادلة، وكأن القضية تم حلها. لذلك من المهم جداً لفلسطينيي القدس اليوم أن يقولوا إننا جزء من الكيان الفلسطيني".
أما ميرون بينبشتي، صاحب خطوة الاحتيال الأولى على المقدسيين في انتخابات 1969، فيقول للصحيفة "لا أقبل النظرية القائلة بأنهم (المقدسيين) يعاقبون أنفسهم، عندما لا يشاركون في التصويت. الناس يعتقدون أن تصويت العرب في انتخابات بلدية القدس هو الذي سيحدث التغيير، وبهذا القول يزيل "الإسرائيليون" المسؤولية عن أنفسهم. الغبن والعنصرية أقوى بكثير من التصويت، ومنظومة السلطة "الإسرائيلية" ستواصل اضطهادهم. هذه أضغاث أحلام، حل مدينة القدس لا يأتي من خلال صناديق الاقتراع للمجلس البلدي للمدينة".