الجبهة الشعبية والمجلس الوطني.. تشارك حيث تغيب!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

مع اقتراب انعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني، تزايدت النقاشات والحوارات حول مخاطر انعقاد هذه الدورة، أو مخاطر عدم انعقادها لجهة أخرى، مع تحليلات وتفسيرات متباينة حول مواقف مختلف القوى والشخصيات الوطنية، ولعلّ أهم نتائج عقد مؤتمرات ودورات انعقاد المؤسسات المنبثقة عن منظمة التحرير الفلسطينية، يتجلّى في إحياء الحوار الوطني حول مختلف القضايا المتعلقة بالوطنية الفلسطينية، شريطة أن تظل الحوارات والاختلافات في اطار من المسؤولية الوطنية وبمنأى عن لغة التخوين والاتهامات، فللجميع الحق باتخاذ الموقف المناسب في اطار هذه المسؤولية الوطنية.
ولعلّ أغرب ما استمعت إليه في اطار هذه النقاشات والحوارات، اتهام حركة فتح أنها «تعمّدت» إقصاء الجبهة الشعبية ودفعها إلى عدم المشاركة في أعمال دورة المجلس الوطني، وأن الحركة عملت بقوة ما من شأنه الدفع بالجبهة خارج هذه المشاركة، وأن الاجتماع الأخير بين الحركة والجبهة في القاهرة كان مجرد شكل من أشكال الإيحاء بأن حركة فتح معنية بمشاركة الجبهة، غير أن النوايا لم تكن كذلك، على أساس أن مشاركة الجبهة ستؤثر سلباً على مخرجات الدورة التي أعدتها حركة فتح وفقاً لسياساتها ومصالحها الرامية إلى الانغماس في «صفقة القرن»!
هذا نموذج، ليس سائداً في الحوارات الدائرة، لكنه مع ذلك يعبر عن «نظرية المؤامرة» التي يتمحور حولها العديد من النقاشات والاتهامات، والتي لا تأخذ بالاعتبار حقائق الوضع الفلسطيني الراهن، فضلاً عن الدور المؤسس والمؤثر للجبهة الشعبية كعمود فقري لمنظمة التحرير الفلسطينية والضامن للمسيرة الكفاحية للممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وهو الأمر الذي أدركته ولا تزال حركة فتح وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، وعلى هذا الأساس فإن مشاركة أو مقاطعة الجبهة الشعبية لأعمال دورة المجلس الوطني له التأثير الفاعل على أعمال الدورة ومخرجاتها، من هنا تأتي أهمية اللقاء الأخير بين الفصيلين في القاهرة، رغم مخرجاته التي أدت إلى إعلان الشعبية عدم مشاركتها في أعمال هذه الدورة.
ومن خلال جملة النقاشات التي شاركت فيها خلال الأيام الأخيرة، تبين لي أن هناك انسجاماً واسعاً بين قيادة الشعبية وقواعدها، بمباركة هذا الموقف، أكثر من ذلك أكاد أقول إن قواعد الشعبية أكثر تشدداً من قيادتها في رفض المشاركة، ورغم أنني لا أتفق تماماً مع موقف الشعبية الرافض للمشاركة، إلاّ أنني بالإمكان أن أقول إن قيادة الشعبية كانت أكثر التزاماً برؤية قواعدها إلى هذه المسألة وترجمتها إلى موقف موحّد، بعدم المشاركة والالتفاف حول مطلب الشعبية بعقد مجلس وطني توحيدي.
ولكن.. هل بالإمكان حقاً، الوصول إلى هذا الهدف في الوضع الفلسطيني الراهن؟ أقصد هنا مجلسا وطنيا توحيديا يضم حركتي حماس والجهاد، ولا أعتقد ذلك، فالتجربة خلال مداولات وحوارات المصالحة التي استمرت لما يزيد على عقد من الزمان، دون تحقيق الحدّ الأدنى، أو حتى الوصول إلى توافق حول ملف واحد من ملفات هذه المصالحة، لذلك أعتقد أن التمسك بهذا الشعار «النبيل» غير واقعي في الظرف الراهن.
حاولت الشعبية بكل جهد الوصول إلى توافقات من شأنها عقد دورة للمجلس الوطني بجدول أعمال من بند واحد، انتخاب لجنة تنفيذية جديدة، دون إغلاق الباب أمام عقد دورة عادية توحيدية، تسبقها استعادة الوحدة، ما يسمح لحركتي حماس والجهاد المشاركة فيها، هذا الاقتراح الذي سمعته من بعض تسريبات حركة فتح حول ما دار من نقاشات في القاهرة، كان يمكن أن يشكل مخرجاً للوضع المعقّد الراهن حول دورة المجلس الوطني وهو ما تمّ رفضه من قبل فتح، وربما إشارة بعض قيادات حركة فتح فيما بعد، بأن الباب ليس مغلقاً على عقد دورة جديدة للمجلس بعد ثلاثة أشهر يتم خلالها مباحثات لاستعادة الوحدة، محاولة للالتفاف على اقتراح الشعبية بهذا الخصوص، مع أنه يقترب نسبياً منه!
إن إحدى مخاطر عدم مشاركة الشعبية في دورة المجلس الوطني، تتجلّى في إمكانية تمدّد الانقسام الفلسطيني «الفصائلي» إلى بنية منظمة التحرير الفلسطينية، وبالتوازي مع هذا الخطر، فإن امتناع الشعبية عن المشاركة، سيشجع أطرافاً عديدة في السعي لإيجاد بدائل لمنظمة التحرير الفلسطينية، هذه المساعي التي لم تتوقف حتى الآن، إلاّ أن هذه المخاطر، غير واقعية، أيضاً، ومرة أخرى، بسبب موقف الجبهة الشعبية التاريخي في حماية منظمة التحرير الفلسطينية والتصدي لكل المحاولات لإيجاد بدائل لها، إذ لم تعد الشعبية مجرد مؤسس للمنظمة بقدر ما هي الحارس الأمين على المنظمة ومنجزاتها، على الرغم من كل ما لحق بها وبمكانتها التمثيلية، الأمر الذي يتطلب مراجعة حقيقية وفاعلة لكل مؤسسات منظمة التحرير وهياكلها التنظيمية، خاصة في سياق عدم التفرد بالقرارات المصيرية سواء من قبل شخص أو فصيل، وهو الأمر الذي ساد السلوك القيادي الفلسطيني في السنوات الأخيرة!
ويمكن القول إن الشعبية تشارك بكل ثقل بأعمال دورة المجلس الوطني من خلال غيابها، فلهذا الغياب تأثيره على الاجتماعات والمداولات والنقاشات والتساؤلات وستضع لمساتها على المخرجات من دون التصويت عليها، فحضورها يتجاوز المكان إلى دائرة التأثير، وستكون حاضرة أكثر من عديد من الحضور، فصائلَ وشخصيات!