البطش شهيد العتمة الصامت

thumbgen (9).jpg
حجم الخط

 

لا ينبغي أن يراود أحد الشك في أن قاتل العالم الفلسطيني فادي البطش أحد غير إسرائيل، فلا أحد معني بقتله غيرها، ولا مستفيد من تصفيته سواها، فحكومتها هي التي وافقت على تنفيذ عملية الاغتيال، وجهاز استخباراتها الخارجي «الموساد» هو الذي نفذها، وهو الذي عمل على إبعاد عناصر الجريمة وإخفاء أثر الجناة بتسفيرهم خارج ماليزيا، أو تغييبهم لفترة فيها، وإعلامهم الذي غطّى الجريمة لا يخفي شماتته، ولا يتردد في إظهار فرحته.

إسرائيل هي القاتلة بطبيعتها، وقد لا تخفي ما ارتكبت، فهي في حاجةٍ لأن تسجل انتصاراً على المقاومة الفلسطينية، وعلى سكان قطاع غزة تحديداً، الذين أحرجوها وضيقوا عليها الخيارات بفعالياتهم، وقتلوا عندها فرص الحسم السريع بسلمية تحركهم، إذ عطلوا أسلحتها الفتاكة، ولهذا فإن انتصاراً على الفلسطينيين في جانب آخر وفي مكان مختلف قد يرضي غرورها، ويبعد عنها هاجس اجتياح الفلسطينيين للسياج، ودخولهم إلى المستوطنات، وانتشارهم في بلداتهم وقراهم الأصلية.

هذه المرة امتدت يد دولة العدوان إلى دولة إسلامية، تكنّ لفلسطين وأهلها كل الحب والتقدير، وتتمنى أن تنتصر على عدوها وتحرر أرضها وتستعيد مقدساتها، ويخرج شعبها في كل مرة متظاهراً نصرة لها. اليوم ماليزيا كلها غاضبة، وهي أعلنت أنها لن تسكت على هذه الجريمة، وستلاحق القتلة، وستتعاون مع المؤسسات الدولية والدول التي ترتبط معها بعلاقات واتفاقيات، حتى تتمكن من إلقاء القبض على الجناة.

الفلسطينيون لا يشكّون أبداً في نيات الشعب الماليزي، وهم يتطلعون إلى أن تجتهد الشرطة والأجهزة الأمنية الماليزية في تعقب الجناة واعتقالهم وفضح الكيان الصهيوني، وتعرية حكومته التي لا تحترم الحقوق ولا تراعي السيادات، وتنتهك القوانين والاتفاقيات والمعاهدات، وترتكب جرائمها على أراضي دول ذات سيادة، تبعد عنها ولا تشترك معها بحدود أو ترتبط معها بمصالح.

ينبغي على المجتمع الدولي، وعلى وجه الخصوص العربي والإسلامي، أن يقف مع ماليزيا، ويساندها في إجراءاتها لملاحقة الجناة الإسرائيليين، فقد آن الأوان لوضع حد لجرائمهم بحق أبناء أمتنا، من العلماء والقادة والمقاومين وغيرهم، فقد أثخنوا فينا، واستهدفوا الكثير من أعلامنا ورموزنا، وقتلوا خيرة رجالنا وزهرة أبنائنا، وما زالوا ماضين في برنامجهم التصفوي، إذ لم يمض وقت طويل على اغتيالهم المهندس التونسي محمد الزواري، ومن قبل المجاهد محمود المبحوح، وغيرهما من علماء الأمة العربية والإسلامية.

يظن الإسرائيليون أنهم باغتيالاتهم التي ينفذونها، يجففون عقول المقاومة، ويقضون على آمالها في امتلاك القوة والتقانة والتفوق، ويعطلون مساعيها لامتلاك أسلحة جديدة ووسائل مقاومة تحدث صدمة وتحقق المفاجأة في أي حرب مقبلة، وبهذا فإنهم يتسابقون في اغتيال العقول ووأد الطاقات، التي يعتقدون بأنها قادرة ومتمكنة.

فادي البطش شهيد فجر جديد يلحق بشهداء الفجر العظام منذ مطلع تاريخ الإسلام، وأحد رجال العتمة الصادقين والصامتين.

 

عن جريدة "الحياة" اللندنية