شهدت الحلبة السياسية والحزبية في "إسرائيل" انتقادات قاسية تجاه كشف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لما قال إنه مستودع أسرار المشروع النووي الإيراني، عقب استيلاء جهاز الموساد على هذه المعلومات، وسط اتهامه بأنه يحاول توظيف هذا العمل الأمني البحت لمصالح شخصية وحزبية.
ونقلت صحيفة "إسرائيل اليوم"، اليوم الجمعة، عن وزير المالية السابق وزعيم حزب " هناك مستقبل" المعارض، يائير لابيد أن "كشف الوثائق الأمنية من قبل نتنياهو كان خطأ كبيرا، وهي ليست المرة الأولى التي يخطئ فيها، لأنه أعطى هذا الإنجاز الاستخباري المهني البحت، ذو التبعات الخطيرة على مستقبل الدولة وأمنها القومي، اعتبارات حزبية خاصة به، والأكثر قلقا أن الخطأ تكرر في الآونة الأخيرة".
وأضاف لابيد، في مقابلة أن "نتنياهو أخطأ مرتين الأولى حين كشف عن هذه المعلومات، وهو ما يعني أنه منح العدو الإيراني فرصة التعرف عن قرب على قدراتنا الأمنية ومصادرنا الاستخبارية، مع أن إيران لديها إمكانيات أمنية عالية تدفعها لقطع الطريق على إسرائيل لمنعها من تحقيق اختراقات جديدة في منظومتها النووية"، لافتا إلى أن هذا "سيرتب صعوبات جديدة أمام الأجهزة الأمنية الإسرائيلية للاستفادة من ذات المصادر المتوفرة لها في أرض العدو".
وأشار إلى أن الخطأ الثاني الذي وقع فيه نتنياهو بكشفه لتلك المعلومات الأمنية "يتعلق بالمسار السياسي في الموضوع الإيراني، على اعتبار أنه لا أحد في العالم ينكر أن إيران تكذب، ولذلك عقد معها الاتفاق النووي، لكن هناك تخوفا أن يكون الاستعراض الذي قام به نتنياهو سيؤدي لتوجهات أمريكية غير مرضية لنا، ولذلك أخشى أن ندفع في المستقبل أثمانا ذات طابع أمني خطير بسبب هذا الخطأ السياسي".
وقال إنه على "الرغم من أن رئيس الموساد يوسي كوهين وافق على خطوة نتنياهو بالكشف عن المعلومات الأمنية، لكن أوساطا واسعة في المنظومة الاستخبارية الإسرائيلية عبرت عن انزعاجها من العرض الذي قام به نتنياهو أمام الملأ بهذه الطريقة، لأننا نمر بمرحلة حرجة مع إيران، والمصادر التي تساعدنا هناك نحتاجها أكثر من أي وقت مضى، خاصة في اليوم الذي تبدأ فيه إيران انتهاك الاتفاق النووي مع المجتمع الدولي".
وقال الخبير العسكري المخضرم أمير أورن، إن "عرض الأوهام الذي قام به نتنياهو أنتج ما اعتقد أنه جبل من الوثائق، لكن ما قدمه ليس جديدا، بل إنه يعرض إسرائيل لخطر مزدوج، الأول هو تعريض مصادرها الأمنية والاستخبارية للخطر، والثاني أنه سيفتح عيون العالم على مفاعلها النووي في ديمونا".
وأضاف أورن في تقريره المطول بموقع "واللا"، أن "نتنياهو ظهر في ذلك العرض كما لو كان ساحرا، يستعرض قدراته الاستعراضية، ويقدم مفاجأة تلو أخرى، ويكشف أسطوانة مدمجة إثر ملف ورقي، ولكن سرعان ما اتضح أن مؤتمره الصحفي كان فضيحة بحجم خطابه في الكونغرس عام 2015 رغم أنف سيد البيت الأبيض باراك أوباما، الذي فسر على أنه تدخل سافر في الشؤون الداخلية الأمريكية".
وأوضح أورن أن "تسريب هذه المعلومات لو تم من قبل أي من رجال الموساد أو الشاباك لاحتاج الأمر لجان تحقيق لمعرفة مصدرها، لكن الأمر متاح لنتنياهو، لأنه باختصار يريد التغطية على تحقيقاته الجنائية".
وأضاف: "هذا هو نتنياهو، وربما ينطبق ما ذكره من معلومات قال إنها جيدة على "نبيذ قديم في عبوة جديدة"، وقد يثير مشاكل جديدة داخل المنظومة الاستخبارية الإسرائيلية والأمريكية معا، وخشية الأخيرة من تسريب أي معلومات تصل لصانع القرار في تل أبيب".
ومن جانبه قال مساعد رئيس الموساد السابق رام بن باراك، إنه "لا يجد سببا مناسبا لأن يكشف نتنياهو عن المعلومات التي حصلت عليها الأجهزة الأمنية بطرقها السرية، فما تم يسيء ويضر بهذه الأجهزة، والإيرانيون اليوم سيجرون تحقيقات مكثفة عما تم، ولماذا، وأين اخترقهم الإسرائيليون".
وأضاف في مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت " أن "المؤتمر الصحفي لم يكن له داع، وكان بالإمكان تحقيق ذات النتيجة السياسية الإسرائيلية دون الحاجة للمؤتمر، لكن يبدو أننا نذهب لأماكن لم نقترب منها في السابق نظرا لحساسيتها، قاصدا الكشف عن المعلومات الأمنية الحساسة".
وختم بالقول: "العمليات السرية يجب أن تبقى سرية، واستخدامها في غير مكانها يقلقنا جدا، ولم أنجح بعد في معرفة سبب انعقاد المؤتمر الصحفي، وبدلا من دخول إسرائيل في نقاشات مع الدول العظمى، بما فيها روسيا، لزيادة الضغط والرقابة على إيران، فقد اختار نتنياهو سياسة التصريحات العلنية التي تسخن المنطقة".
وبدورها أشارت الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب إميلي لانداو، إلى أن "الجميع كان يأمل أن يقدم نتنياهو إثباتات جدية من زاوية أمنية بشأن خروقات إيران للاتفاق النووي، لكن ذلك لم يحصل، مما يؤكد أن هدفه كان الضغط على صانع القرار في البيت الأبيض للانسحاب من الاتفاق النووي".
ورأى عوزي أراد المستشار السياسي السابق لنتنياهو في حديث مع صحيفة يديعوت أحرونوت أن "مؤتمر نتنياهو لم يأت بجديد، حتى لو أراد منه إثبات كذب إيران، فما قدمه أشياء تاريخية ليس فيها إثبات أن إيران تجاوزت الاتفاق النووي منذ توقيعه". متسائلا: "لا أعلم ماذا أراد نتنياهو أن يحقق".
أما رجل الموساد السابق، غاد شومرون، فقال لذات الصحيفة في الحوارات إنه "كرجل عملياتي أرفع القبعة احتراما لما قام به عناصر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بجلب هذه المواد الاستخبارية، لأن هذا إنجاز كبير، لكن لم يكن واجبا أن يعلم به الجمهور، مما يستوجب توجيه انتقادات قاسية لنتنياهو، لأنه قام باستخدام غير ناجح لهذه المواد الأمنية الحساسة".
وأضاف أن نتنياهو "ظهر كما لو كان بائعا لمعلومات استخبارية، وليس كسياسي محترف، ولذلك فقد كان أمرا مخجلا ومعيبا أن يعرض نتنياهو هذه المعلومات ضمن سبق صحفي، ولا أحد يعلم حجم المخاطر التي سيتعرض لها رجال الموساد بفعل هذا المؤتمر".
وتابع شومرون: "المنطق السياسي والسلوك الأمني يقولان إن كان لديك معلومات يجب نقلها لحلفائك، وهناك ألف طريقة بعدم تعريض مصادرك للخطر، عدا ذلك فإن هناك حالة من الذهول تصيب العديد من رجال الموساد السابقين مما وصفوه بالتوظيف الرخيص الذي قام به نتنياهو".
وبدوره، قال القائد السابق للمنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، عميرام ليفي، لصحيفة معاريف إنه "لم يكن من الصواب المس بقدراتنا الأمنية بكشف هذه المعلومات الأمنية، كان يجب على نتنياهو التصرف كجندي منضبط، ولو كنت في جهاز الموساد لعارضت أن يخرج بهذه المعلومات".
وأضاف بتصريحات أن "نتنياهو ارتكب خطأ استراتيجيا بكشف هذه المعطيات الحساسة أمام العالم، لأنه استغل الجهد الكبير الذي قام به رجال الموساد كي يحظى بالتصفيق، كان عليه التصرف بحكمة، خطوة إثر خطوة، دون استعداء 80 مليون إيراني بإظهار دولتهم مخترقة من قبل الإسرائيليين".