جميل السلحوت : فوزي البكري شاعر القدس بامتياز

تنزيل.jpg
حجم الخط

الكاتب: جميل السلحوت

كتب كثيرون من العرب عامّة والفلسطينيّين خاصّة عن القدس، وما تمثّله في الوجدان العربيّ، كتبوا مختلف صنوف الأدب عن القدس، وفي مرحلتنا هذه، مرحلة وقوع المدينة تحت الاحتلال الاسرائيلي في حرب حزيران 1967 ظهر جيل من الشّعراء المقدسيّين، جيّروا الكثير من قصائدهم إن لم تكن كلّها عن مدينة القدس، وفي مقدّمتهم فوزي البكري، ومن هؤلاء الشّعراء، د. عزّالدّين أبو ميزر، د. معتز القطب، رفعت زيتون، ابراهيم القراعين، د. وائل أبو عرفة، بكر زواهرة.

ومن أجمل القصائد عن القدس قصيدة "القدس" للشّاعر تميم البرغوثي المولود في القاهرة. وممّن كتبوا عن القدس شاعرانا الكبيران الرّاحلان محمود درويش وسميح القاسم. لكنّ فوزي البكري يستحق لقب شاعر القدس بامتياز.

عرفت الشّاعر فوزي البكري عن قرب عام 1975، عندما عملنا معا في صحيفة الفجر المقدسيّة التي كانت تصدر في مدينة القدس.

والشّاعر فوزي البكري مولود في بيت علم وأدب عام 1948 في القدس القديمة، فهو ابن الشّيخ المجاهد ياسين البكري، أحد قادة الجهاد المقدّس الذي كان يقوده الشّهيد عبدالقادر الحسيني، وشغل منصب خطيب وإمام المسجد الأقصى، والشّيخ كان يقرض الشّعر أيضا وله بعض القصائد نشرها ابنه فوزي في كرّاس.

فوزي البكري شاعر مطبوع، يجيد اللغة وأدابها بشكل لافت، وذو ثقافة واسعة. لذا من يقرأ قصائد فوزي البكري سيجد فيها اللغة الانسيابيّة البليغة التي لا تصنّع فيها، وسيقف أمام صور شعريّة مدهشة.

من يعرف الشاعر فوزي البكري عن قرب سيجد فيه الانسان المرح صاحب السّخرية المحبّبة رغم ضنك الحياة، لذا فقد انحاز في أشعاره ومواقفة للكادحين والمغلوبين.

ورغم أنّ فوزي البكري شاعر مقلّ، إلا أنّ ما كتبه عن القدس يشي بشعريّة تنبع من أصالة تدلّل على صدق الانتماء لمدينته ووطنه، وانحيازه لقضايا وهموم شعبه وأمّته، فمدينته القدس تسكنه كما يسكنها، وقد عبّر عن ذلك بعفويّة تامّة من خلال قصائده.

ويلاحظ القارئ لأشعار فوزي البكري النّبرة "النّوابيّة" فيها، فالشّاعر لا يناور ولا يهادن في القضايا المصيريّة.

وفوزي البكري شاعر هجّاء أيضا، كتب عشرات قصائد الهجاء التي لا تخلو من السّخرية التي تتميّز بها شخصيته، فهو ساخر بطبعه، وقد هجا العديد من المتسلّقين والنّفعيّين والمتاجرين بقضايا الشّعب والأمّة. غير أنّه لم ينشر قصائده في الهجاء، وإن كان يلقيها على مسامع أصدقائه، وقد وصلت قصائد هجائه إلى من هجاهم.

صدر ديوانه الشّعري الأوّل "صعلوك من القدس القديمة" في أواسط ثمانينات القرن العشرين عن دار الصّوت في الناصرة.

- أصدرت له جمعيّة الدّراسات العربية عام 1987 كرّاسة شعريّة تضمّ ثلاث قصائد للقدس بعنوان "شدِّي حيلك يا بلد."

- صدر ديوانه الشّعري قناديل على السّور الحزين في القدس عام 1997.

وشاعرنا الذي وصف نفسه بـ"صعلوك من القدس القديمة"يقودنا إلى معرفة معنى كلمة صعلوك، فقد ورد في معجم لسان العرب بأنّ الصّعلوك هو "الفقير الذي لا مال له، وزاد الأزهري، ولا اعتماد، وقد تصعلك الرّجل أي افتقر".

واصطلاحا:"الصّعاليك في عرف التّاريخ الأدبيّ هم جماعة من مخالفي العرب الخارجين عن طاعة رؤساء قبائلهم، وقد تطوّرت دلالة هذا المصطلح بحيث أصبح يدلّ على طائفة من الشّعراء ممّن كانوا يمتهنون الغزو والسّلب والنّهب .

والصّعلكة ظاهرة اجتماعيّة برزت على هامش الحياة الجاهليّة كردّ فعل لبعض العادات و الممارسات، و استمرّت الصّعلكة ردحا من الزّمن.

وهناك "فئة احترفت الصّعلكة احترافا وحوّلتها إلى ما يفوق الفروسيّة من خلال الأعمال الإيجابيّة التي كانوا يقومون بها." ومن هذه الطائفة عروة بن الورد الذي يقول:

ذريني أسعى إلى اغنى فإنّي رأيت النّاس شرّهم الفقير.

وعروة "من الصّعاليك الذين كانوا يعطفون على الفقراء والمساكين، وكثيرا ما كان هدف الغزوة توزيع الغنائم على ذوي الحاجة. و توجه غزواتهم عادة إلى الأغنياء والبخلاء."

وشاعرنا فوزي البكري، المعروف بعزّة النّفس، من المتأثّرين بهذا الصّنف من الصّعاليك، فهو كادح منحاز إلى الكادحين، ويدعو إلى انصاف الفقراء والمحتاجين. يبقى أن نقول أنّ فوزي البكري صوت شعري مميّز، ويشكّل ظاهرة شعريّة تستحقّ الدّراسة.