هل يمكن تنفيذ قرارات المجلس الوطني..؟!

أكرم عطا الله.jpg
حجم الخط

لست من الذين يعتقدون بعودة الحياة لمنظمة التحرير الفلسطينية ولا عودة القرار الوطني لها بفعل السياق التاريخي وإعادة توزيع ممكنات القوة في الساحة الفلسطينية، فقد جرت مياه كثيرة في نهر السياسة الفلسطينية أحدثت ما يكفي من الإزاحة والتجريف للكثير من العناصر الراسخة أسفل النهر، ومن يعتقد أننا نقف منتصف الثمانينات أو على أبواب التسعينات فهو لم يأخذ بعين الاعتبار حكمة ذلك الفيلسوف الذي قال «أنت لا تنزل النهر مرتين».
 انتهت دورة أعمال المجلس الوطني التي تأخرت ما يقارب خُمس قرن، ولم يكن ذلك مصادفة بقدر ما يعكس ذلك خروج المنظمة على التقاعد المبكر قبل إنجاز المهمة الوطنية التي أنشئت من أجلها، لأنها فقدت الطريق السياسي في منتصف الطريق الذي أخذنا إلى مسار مختلف اعتقدنا أنه سيختصر المسافة لنكتشف أنه طريق التفافي دائري تحول إلى متاهة أصبح الخروج منها يحتاج إلى معجزة، هذا ما يحصل.
  لذا ليس مصادفة أن يخرج المجلس الوطني في دورته التي انتهت فجر الجمعة بإعادة التأكيد على ما جاء في بيانات المجالس المركزية خلال السنوات الماضية منذ اجتماع أيار 2015 بعد أن اتضح بما لم يدع مجالا للشك بأن إسرائيل وحكوماتها المتعاقبة مارست ما يكفي من الخداع لحرف مسار المفاوضات، وأن هذا الخداع لم يكن هدفه الوصول لأي حل سوى إدامة الوضع الراهن، وإذا ما كان هناك تغيير فهو في صالح إسرائيل والاستيطان، ذلك بعد ان تمكن الاسرائيلي من إقناعنا بلا جدوى المفاوضات بل وأيضا بعد ان قلب الطاولة في وجه الفلسطينيين والأميركان منذ نهايات آذار 2014 وفرصة الأشهر التسعة التي كانت الأكثر جدية تحت إشراف وزير الخارجية السابق جون كيري الذي تعرض للاستهداف الاسرائيلي بسبب رغبة الحقيقة بالسلام.
 في الثالث من أيار 2015 إثر الدخول في مرحلة الفراغ السياسي في العلاقة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إثر الانسداد الحاصل قبلها بعام، وما بدا أنه إغلاق لملف التسوية اجتمع المجلس المركزي الفلسطيني لدراسة المرحلة ووضع سياسات تلائم تلك المرحلة، فقد قرر آنذاك كما جاء في النص «إن المجلس المركزي يقرر وقف التنسيق الأمني مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي في ضوء عدم التزامها بالاتفاقيات الموفقة بين الجانبين».
 وبعد أكثر قليلا من ثلاث سنوات وإثر صدمة الحماقة الأميركية فيما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل أيضا تحت وطأة عصبية اللحظة اجتمع المجلس المركزي مرة أخرى في الخامس عشر من كانون الثاني هذا العام ليتخذ أيضا عدة قرارات وهي الإعلان عن انتهاء الفترة الانتقالية التي نصت عليها الاتفاقيات الموقعة في أوسلو والقاهرة وواشنطن وأن ما انطوت عليه من التزامات لم تعد قائمة .
   أما القرار الثاني وهو تكليف اللجنة التنفيذية تعليق الاعتراف بإسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين بحدود 67 وإلغاء قرار ضم القدس الشرقية ووقف الاستيطان، أما القرار الثالث وهو تجديد قراره بوقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله وبالانفكاك من علاقة التبعية الاقتصادية التي كرسها اتفاق باريس الاقتصادي وطلب المجلس من اللجنة التنفيذية تنفيذ ذلك.
 انحلت اللجنة التنفيذية ولم تنفذ أياً من هذا، وأكد مجلس مركزي كانون الثاني على قرار وقف التنسيق الأمني الذي لم ينفذ، وها هو المجلس الوطني الذي انتهت أعماله فجر أول من أمس يعيد التأكيد على ما تم تأكيده من قرارات اتخذت ولم تنفذ، فهل تملك المؤسسة قدرة على تنفيذ ما تقرره ؟ وهو سؤال المليون دولار أو المليون سياسة.
 علينا أن ندرك أن الإسرائيلي لا يجلس على الجدار بعيدا عن المراقبة والملاحظة واستخلاص النتائج، وعلينا ان نعترف بلا مواربة أن تكرار التهديدات نفسها عام 2015 ، كانون الثاني 2018 أيار 2018 قد حول سيف التهديد إلى عبارات بلا معنى، ما يجعل المؤسسة الإسرائيلية لا تتعاطى بجدية مع ما يصدر عن مؤسسات منظمة التحرير سواء لان المنظمة لم تعد صاحبة الفعل على الأرض، أو لجهة حالة الانفصال التام عن الواقع الناشئ منذ اتفاقيات أوسلو ونقص القدرة على دراسته، والذي يجعل من فك الارتباط مسألة بحاجة إلى قراءة اكثر عمقا من قرار يتخذ تحت ضغط اللحظة.
 الحقيقة التي يحاول الجميع تجاهلها أن لو أن بالإمكان فك الارتباط مع إسرائيل والانفكاك من التبعية معها لكان ذلك منذ زمن، ولو كان بالإمكان وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل لتوقف منذ توقف المفاوضات أو حتى قبلها، وربما يمكن مع بداية الانتفاضة وبداية قتل إسرائيل للفلسطينيين وانتقال العلاقة بين الطرفين إلى مرحلة الصدام المسلح وليس التنسيق الناعم، لكن الحقيقة أن الفلسطيني وقع في كمين يبدو أن الخلاص منه بحاجة إلى عبقرية وطنية أو معجزة سياسية وكلاهما ليستا في المتناول، لقد كان الإسرائيلي أكثر دهاء عندما جعل من قدرة الفلسطيني على فك الارتباط عنه مسألة شبه مستحيلة، بل وأكثر جعل من ذلك الارتباط والتبعية والتنسيق شرطا لضمان الحياة الفلسطينية وحول ذلك إلى مصلحة فلسطينية، وهنا الأزمة.
 هل يمكن وقف التنسيق الأمني وتبقى السلطة قائمة؟ وهل من سياسي يستطيع الإجابة على هذا السؤال؟ ومن يضمن استمرار التنسيق المدني والتصاريح والحركة والمرضى وغير ذلك من الحياة اليومية في الضفة والتي تتحكم في المياه والكهرباء؟ وهل يمكن وقف التبعية الاقتصادية ووقف العمل باتفاقية باريس مع ضمان استمرار تحويل أموال الضرائب من إسرائيل والتي هي جزء من اتفاق باريس؟ وتلك أسئلة الواقع التي ترد على الشعارات وعلى الأماني المنفصلة عن واقع غارق في التشابك مع الاحتلال حد العظم وفي اليوميات ومسامات الجسد الفلسطيني.
 إذن ما دام هناك سلطة لا يمكن تنفيذ أي من القرارات التي اتخذتها المجالس سواء المركزي أو الوطني، بل وتصبح هذه القرارات مدعاة للاستخفاف من قبل الاسرائيلي، فقد تثلم سيف التهديد لكثرة ما استعمل دون أن نتوقف امام حقيقة واقع اكثر تعقيداً مما نعتقد أو مما يعتقد الكثير ممن يتخذون القرارات، فقد قالت التجربة ان الحلول الجزئية غير ممكنة، لقد أصبحت الاتفاقيات ومنها قرار اقامة السلطة مترابطة لا يمكن فصلها وبالتالي لن يصلح سوى الحلول الكلية، وهذا ليس واردا في ظل الراهن وما نتج عن المجلس الوطني ..هكذا هو الأمر..!