واضح بأن عملية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في مراحلها الأخيرة، فبعد إعلان سفير أمريكا المتصهين، ديفيد فريدمان، بأن عملية النقل والاحتفال ستجريان في الرابع عشر من هذا الشهر، جرى أمس الأول وضع الإشارات باللغات الثلاث العبرية والإنجليزية والعربية، التي تدلل على موقع السفارة الأمريكية، وقد قام رئيس بلدية الاحتلال في القدس المتطرف نير بركات بتدشين الإشارة الأولى، حيث قال بأن هذا حدث تاريخي، وبأن القدس هي «العاصمة الخالدة للشعب اليهودي»، وبأن العالم بدأ الآن يتفهم بأن القدس عاصمة لإسرائيل.
وعملية نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، كانت تؤشر إلى أن الرئيس اليميني الأمريكي المتطرف دونالد ترامب، المتزاوجة مصالحه مع مصالح اليمين الصهيوني، قد انتقل في الموقف الأمريكي من الانحياز السافر لجانب دولة الاحتلال إلى مشاركتها في العدوان المباشر على شعبنا، فهو وأركان حكومته الأكثر تطرفاً وصهيونية من الصهاينة أنفسهم، يريدون أن يثبتوا للوبي الصهيوني والمنظمات الصهيونية في أمريكا، وفي المقدمة منها، منظمة "ايباك" ، بأنهم الأكثر إخلاصاً لما يسمى بالآباء المؤسسين للحركة الصهيونية، من ثيودور هرتسل إلى بن غورين وغيرهم.
ومن هنا فإن الخطوات والقرارات الأمريكية المتسارعة ضد شعبنا الفلسطيني،فتحت شهية المحتل وبلطجيته من مختلف مكونات ومركبات الطيف السياسي الإسرائيلي برلمانياً وحكومياً، لاتخاذ قرارات وسن المزيد من القوانين والتشريعات العنصرية، والمستهدفة للوجود العربي في مدينة القدس، عبر سياسات التطهير العرقي، وقلب الواقع الديمغرافي فيها لصالح المستوطنين، بما يضمن أغلبية يهودية، وبأن تكون القدس حسب وصف المتطرف بينت، زعيم البيت اليهودي العاصمة الكاملة والموحدة وغير القابلة للتقسيم لدولة الاحتلال، والعمل على توسيع مساحتها، لكي تصبح 10 % من مساحة الضفة الغربية، وبما يضمن ضم الكتل الاستيطانية الكبرى إليها، بحيث يجري ضخ 150 ألف مستوطن، ليكونوا جزءاً منها، وبما يخرج اكثر من 100 ألف فلسطيني مقدسي من حدودها، القرى والبلدات المقدسية الواقعة خلف جدار الفصل العنصري.
عملية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس، وتدشين افتتاحها ستتم في احتفالية كبيرة، دعي إليها الكثير من الوفود وقادة الدول، وستحظى بتغطية إعلامية واسعة، ناهيك عن أن نتنياهو قال بأن الدول العشر التي ستنقل سفاراتها من تل أبيب الى مدينة القدس، ستمنح جوائز كبيرة.
الخطوة والقرار الأمريكي هذا،لن يكون القرار الأخير في جعبة الإدارة الأمريكية المتطرفة، فهي أعقبت قرار نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، بالعمل على شطب وكالة الغوث واللاجئين " الأونروا"من خلال تجفيف مصادر دعمها وتمويلها، وتقليل مساهمتها المالية فيها إلى النصف، وبما يمهد نحو وشطب وإلغاء حق العودة لأكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني، طردوا وهجروا من ديارهم قسراً بفعل العصابات الصهيونية، وهذه الخطوة الأمريكية سيستتبعها المزيد من الخطوات والقرارات، بما فيها مطالبة الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل بأنها الوطن القومي لـ" الشعب اليهودي، والموافقة على ضمها للكتل الاستيطانية الكبرى إلى دولتها، وبما يقبر ويمنع أي تطبيق لحل الدولتين على الأرض بشكل فعلي.
أما ما يجري، وما تقوم به الإدارة الأمريكية فهو يشكل تحدياً سافراً ووقحاً واستفزازاً، ليس فقط لمشاعر المقدسيين والفلسطينيين، بل لكل العرب والمسلمين، بإعلانها عن نقل سفارتها، واعتبارها القدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، وبما يتعارض ويتناقض كلياً مع قرارات الشرعية الدولية، وبما يجعل شريعة الغاب،هي السائدة في العلاقات الدولية، وبما يضعف من صدقية وهيبة تلك المؤسسات الدولية، وما تتخذه من قرارات او ما تسنه وتشرعه من عقوبات، بحق الأفراد والجماعات والدول التي تمارس الإرهاب أو ترتكب الجرائم أو تقوم بأفعال وسلوك وممارسات خارجة عن القانون الدولي مثل قضايا التطهير العرقي أو السيطرة على أراضي الغير بالقوة، وطرد وترحيل السكان الأصليين.
قرارات القمة العربية الأخيرة في الظهران بالسعودية، هي الآن على المحك العملي، والصورة واضحة وجلية أمريكيا لا تقيم أي وزن أو اعتبار لهذه الأمة، وتعتبرها ظاهرة صوتية، وأمة عليها أن تدفع جزء من ثروتها إلى أمريكا، لأنها توفر لها الحماية، ولولا تلك الحماية لما صمد العديد منها على رأي الرئيس الأمريكي المتطرف ترامب أسبوع.
هذه الدول أمام تحد مفصلي وجوهري، إما تكون قراراتها تكرار ممل لقرارات القمم العربية السابقة، إنشاء متكرر وبيانات ختامية لا تغني ولا تسمن من جوع، تبقى حبيسة الأدراج والأرشيف ولا يجري أي ترجمة فعليه لها على الأرض، وإما ان ترتقي إلى مستوى التحديات والمخاطر التي تجابه الأمة العربية، وفي المقدمة منها إصرار أمريكا على نقل سفارتها إلى مدينة القدس، واعتبار القدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، حيث الصلف والعنجهية الأمريكية غير مسبوقتين، فهي اختارت عملية النقل وتدشين الاحتفال بهذا النقل في الذكرى السبعين لنكبة شعبنا الفلسطيني، إمعاناً في إذلاله وإذلال امتنا، والقول لنا بأنه لا عودة للشعب الفلسطيني. وهي تريد ان تفرض حلولها علينا كأمر واقع، هي تريد أن تركعنا وتذلنا وتمتهن كرامتنا كأمة وشعب، والقول لنا بأنكم ستبقون خدماً لدولة الاحتلال.
العرب عليهم أن يثبتوا انهم على قدر التحدي، وبأن قراراتهم هذه المرة للتطبيق والتنفيذ، وليس فقط لرفع العتب وكنوع من الشعارات والخطب العصماء غير المسنودة بالفعل، عليهم ان يثبتوا لأمريكا بأنهم ليسوا كما تقول أمريكا جزء وشركاء في صفقة القرن هذه، والتآمر على الشعب الفلسطيني، وغير موافقين على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس ومعيار ذلك، قطع علاقاتهم الدبلوماسية مع أمريكا وإغلاق سفاراتها في دولهم، وبدون ذلك فإن الدول التي تنتظر ردود الفعل العربية والإسلامية على القرار الأمريكي بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، اذا لم تتعدى ردود الفعل العربية، بيانات الشجب والاستنكار والعنتريات والخطب والمسيرات المدجنة والنضال الدبلوماسي والسياسي والحقوقي والقانوني، فإن المسبحة سينفرط عقدها، وستقدم الدول التي تنتظر ردة الفعل على القرار الأمريكي على نقل سفاراتها إلى القدس، ونصبح أمام كارثة حقيقة، ولذلك يبقى السؤال الجوهري، هل سينتقل العرب وقممهم من التهريج والإنشاء وما اشتهر عنهم من اسطوانة مشروخة وتكرار ممل لبيانات شجب واستنكار واستجداء للمؤسسات الدولية الى الفعل والترجمة العملية لتلك القرارات..؟؟، وهل سيحترمون ذاتهم وقراراتهم ويرتقون إلى مستوى التحديات والخطر الداهم المحدق بنا من دولة ألاحتلال وأمريكا، وليس عبر عدو افتراضي ترسمه لنا أمريكا، لكي تبتزنا مالياً، وتدفعنا لتطبيع وشرعنة علاقاتنا مع دولة الاحتلال على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وقضيته، ام سيبقون بلا قيمة أو وزن أو فعل..؟؟؟
قادم الأيام القليلة ستجيب على هذا التساؤل وان لست بالمتفائل، أن يتخلى العرب عن ظاهرتهم الصوتية..؟؟؟وأتمنى أن أكون مخطئاً.