حكاية "التسهيلات" بين مصلحة الاحتلال والتخفيف عن سكان غزة

غزة
حجم الخط

تبيّن أن "التسهيلات" التي اقترحها قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، في المداولات الأخيرة، عقب مرور عام على العدوان على غزة، أنّ قادة المؤسسة الأمنية في إسرائيل تسعى في واقع الحال إلى تكريس الحصار الإسرائيلي على القطاع، وضمان تحويله إلى حصار "مقبول" دولياً، يخفف من وطأة الانتقادات الدولية لإسرائيل. 

ولكن الأهم من ذلك، يشكّل رداً على تعاظم الرفض الدولي للحصار وتسيير أساطيل الحرية إلى غزة، مع ما قد يفرضه ذلك في حال تعاظمت وتزايدت محاولات كسر الحصار من تحديات للاحتلال وجيشه.
و نظرة "التسهيلات" التي يوصي وزير الأمن الإسرائيلي موشيه يعالون باتباعها، وهي في واقع الحال ليست جديدة، وإن كانت من قبل قادة سابقين، أن هذه الرزمة المقترحة تسهّل عملياً على الاحتلال أكثر مما تسهّل على الفلسطينيين في القطاع. وفي حال أقرها يعالون بموافقة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، فسيكون باستطاعة الأخير مواصلة التبجح بأن إسرائيل هي "الطرف الوحيد الذي يهتم بأهالي غزة"، وأنها الوحيدة التي تتيح إدخال المواد المختلفة، من بناء وغذاء إلى القطاع عبر معابرها الحدودية، فيما تغلق حتى مصر معبرها البري الوحيد في وجه أهالي غزّة.

ووفقاً لما نشرته صحيفة هآرتس، أمس الأربعاء، فإن مسؤولين في الجيش، دعوا يعالون إلى فتح المعابر البرية بين إسرائيل وغزة بشكل أكبر والسماح لآلاف الفلسطينيين من القطاع بمغادرة غزة وصولاً إلى الأردن عبر معبر اللنبي، من جهة، وتوسيع نشاط معبر كارني لنقل البضائع إلى غزة، وتوسيع معبر كرم أبو سالم، وإعطاء تصاريح لآلاف الغزيين للعمل داخل المستوطنات الإسرائيلية المتاخمة لغزة.

لا تخلو هذه التوصيات التي تبلورت، بحسب الصحيفة، في ختام مداولات قادة الجيش، من اشتراط تشديد المراقبة ومعايير الحصول على تصاريح العمل، بما يتيح للاحتلال، عملياً، الضغط المباشر على آلاف الفلسطينيين، والتحكم بتنقلهم، والعودة إلى زرع العيون والمخبرين، للتعويض عن النقص والعجز الكبير في نشاط جمع المعلومات عما يدور في القطاع، وفهم التوجهات السائدة لدى الجانب الفلسطيني، وجس النبض السياسي والاجتماعي من خلال آلاف العمال الذين سيتم منحهم مثل هذه التصاريح، في حال أقر يعالون هذه التوصيات.

وقد أبرزت الصحيفة أيضاً، اعتراف قيادات الجيش الإسرائيلي بأن إسرائيل لن تكون قادرة بمفردها على حل المشاكل الاقتصادية التي تعانيها غزة، وفي مقدمتها نسبة بطالة تصل إلى 40 في المائة، تخلق في واقع الحال، احتقاناً وغضباً شديدين، ومن شأن استمرارها أن تدفع إلى اندلاع المواجهة المقبلة مع القطاع، وهو ما يسعى قادة الجيش الإسرائيلي إلى تفاديه، خصوصاً أنه وفق اعتراف ضابط إسرائيلي، يبقى احتمال المواجهة قائماً بغض النظر عن الردع الذي حققته إسرائيل في الحرب. ويلفت المحلل العسكري في الصحيفة، إلى أن تبني التوصيات منوط بموافقة المستوى السياسي أي بنتنياهو و"الكابينيت" السياسي الأمني، مشيراً إلى أنه بدأ يتبلور لدى المستوى السياسي إدراك وتفهم أكبر لضرورة الإقدام على مثل هذه الخطوات.

ومن شأن نتنياهو في ظل التطورات الأخيرة، وما نشر أخيراً عن اتصالات تمت بشكل غير مباشر مع حركة "حماس"، للوصول إلى تهدئة طويلة الأمد، أن يتجه إلى قبول هذه التوصيات، في حال بدا له أن مثل هذه الخطوات ستخفف عن حكومته سيل الانتقادات الدولية على الحصار، خصوصاً أن خروج هذه التوصيات من قادة الجيش، يمنحه في الوقت ذاته، تفويضاً وتغطية تحميه من هجوم سياسي عليه من معارضيه، بل ومن داخل الائتلاف الحكومي، بتهمة الرضوخ لـ"حماس".


كما أن هذه الخطوات ستسهل على إسرائيل مواصلة فرض الحصار، من جهة، وتمنحها ورقة ضغط ضد قيادة "حماس" في أي محادثات مقبلة للتوصل إلى تهدئة، من جهة أخرى، لا سيما أن قيادة الحركة تجد نفسها اليوم في حالة دفاع عن الاتهامات الإسرائيلية الرسمية، التي صدرت، يوم الإثنين، على لسان يعالون، بوجود تعاون بين "حماس" و"داعش" في سيناء، سعياً لتحقيق ممر داخل سيناء، تستغله "حماس" لتهريب الأسلحة والبضائع، مقابل تقديمها العلاج والمعونات اللوجيستية الأخرى لمقاتلي التنظيم في سيناء.