عن الحالة الفلسطينية.. الانتخابات أو الكارثة

التقاط.PNG
حجم الخط

 

 

في نهاية تشرين الثاني من عام 2017، نجح الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في ترتيب انعقاد المؤتمر السابع لحركة «فتح» متخطياً الخلافات الداخلية والانشقاقات والإقصاءات التي تعصف بوحدة وقوة حركة فتح منذ سنوات عديدة. وبالرغم من الاتهامات المتبادلة والولاءات المختلفة والانسحابات والاختيارات فقد انتهى المؤتمر بانتخاب رئيس الحركة وأعضاء لجنتها المركزية وبيانها السياسي وأهدافها المنشودة. كما بيّنت الحركة رأيها في مواضيع عديدة تتعلق بالخلافات مع قيادات حركة حماس، وأكدت موقفها الراسخ في تسلّم الحكم كاملاّ في قطاع غزة وإصرارها على تمكين السلطة الوطنية، التي تتفرد في قيادتها حركة فتح، من السيطرة على كل أمور قطاع غزة.

وخلال فترات مقررة في العام الماضي 2017، أجرت حركة حماس انتخاباتها الداخلية التي أسفرت عن إقرار قيادتها الجديدة وأعضاء مجلس الشورى ومسئوليها ورؤساء لجانها القيادية في الوطن والشتات. تتحمل اليوم القيادة الحمساوية الجديدة مهمة إدارة الأهداف المعلنة والمعروفة لهذا التنظيم في مناخ فلسطيني وإقليمي ودولي غاية في الصعوبة والتحديات. وبالرغم من الكلام الدافئ من قبل قيادة حماس الجديدة، فإن إصرارها على التشارك في الحكم الذي يعني بالنسبة لها الاستمرار في السيطرة على الأمور في قطاع غزة، وكذلك الإصرار على الاحتفاظ بشكل منفرد على واقع ومستقبل سلاح المقاومة، إضافة لتحميل السلطة الوطنية الفلسطينية أعباء عشرات الآلاف من الموظفين الذين تم تعيينهم في السلك الحكومي بقرارات منفردة من حركة حماس، بقيت قضايا شائكة ومختلفًا عليها حتى وقتنا الحاضر.

وفي الثلاثين من نيسان من العام الحالي، تمكّن الرئيس عباس مرة أخرى من ترتيب عقد الاجتماع الثالث والعشرين للمجلس الوطني الفلسطيني على الرغم من العقبات والخلافات والمقاطعات والإدانات من قبل عدد من الفصائل الفلسطينية الأعضاء وتهديد بعضها الآخر بعدم المشاركة. الغائب الأكبر عن هذه المؤتمرات كان الشعب الفلسطيني في الوطن والمهجر. مجموعة من الأشخاص من مشارب سياسية مختلفة، اجتمعوا في ثلاثة مؤتمرات، أصدروا قرارات فيما يتعلق بمستقبل الشعب الفلسطيني وحياته وحريته وآلامه ودمائه.

كيف يعرف هؤلاء ما الذي يريده الشعب الفلسطيني؟ ومن الذي يحظى بدعمه وتأييده؟ من هو الشخص أو الحزب أو الجماعة التي تملك اليوم الشرعية الوطنية الفلسطينية الانتخابية بعد أن مضى عقد من الزمن ونيّف على انتهاء المدد المقررة لشرعية آخر انتخابات عامة فلسطينية؟

في ظلمة الوضع الراهن لأزمة العمل الفلسطيني الداخلي، بدت بادرتان مشجعتان على استحياء، أولاهما تصريح الأخ إسماعيل هنية الذي أيدته تصريحات مماثلة من السيد موسى أبو مرزوق والتي تؤكد موافقة حركة حماس على إجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية والتزامها بنتائج تلك الانتخابات، وثانيتهما ما نقل عن الرئيس عباس صحفيّاً من أنه مهتم بالتوصل إلى تعيين شخصية مقبولة لتسلّم رئاسة السلطة الوطنية للمدة المقررة في القانون الأساسي الفلسطيني لإجراء انتخابات فلسطينية رئاسية وتشريعية، وهما الموضوعان اللذان كانا أساس مقالي الأخير«الانتخابات هي الحل».

إن الوضع الحالي للأزمة الداخلية الفلسطينية خطير وكارثي ويحتاج أكثر من تصريحات صحفية واجتماعات مظهرية تدعم في واقعها مواقف أحد الأطراف وتؤكد التمسك بالخلاف. هذا الوضع يمثّل خطورة هائلة وحالّة على مستقبل الشعب الفلسطيني وعلى أهدافه الشرعية العادلة، خطورة على حركة فتح، وعلى حركة حماس، وعلى مجمل الفصائل والأحزاب الفلسطينية، وهي تهديد واضح لكل الإنجازات التي دفع شعبنا ثمنها دماً لنحو قرن من الزمن، وهي منهكة أيضاً للرئيس التوافقي محمود عباس ومثيرة لإجراءات نزع الشرعية والاعتراف الدولي به رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية في إعادة لمفهوم غير ذي صلة لرئيس فلسطيني آخر في زمن آخر. لقد عنيت الفصائل الفلسطينية الرائدة بتجديد قياداتها وترتيب مؤتمراتها التنظيمية بالرغم من العقبات السياسية والجغرافية والشخصية التي اعترضت تلك المؤتمرات، وإذا كانت تلك التنظيمات، ونحن نتكلم عن حركة فتح وحركة حماس بالذات، تؤمن بأهمية وضرورة وفائدة تجديد شرعية القيادات والأفكار وتجاوز الأخطاء فلماذا تتجاهل أو بالأحرى تضع العراقيل في طريق الانتخابات الفلسطينية الرئاسية والتشريعية؟ إن نظرة حولنا وجوارنا تعكس جهود بعض الأنظمة العربية المترنّحة من آثار حروب السنوات الثماني الأخيرة لإجراء انتخابات عامة جديدة، في العراق وليبيا ولبنان وتونس وربما قريباُ في سوريا أيضاً، بدعم ومساعدة دول العالم بأسره. اليوم لا حل لدينا سوى الانتخابات لسبب بسيط وحاكم هو انه ليس هناك سبيل للخروج من الأزمة الداخلية سوى بالاتفاق والإعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية تعيد الشرعية الانتخابية للقيادات الفلسطينية وتحسم الخلاف حول اختيار الشعب الفلسطيني لقياداته.

الاتفاق والإعداد للانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية الفلسطينية يتطلب مسبقاً التوصل إلى برنامج سياسي مشترك، موجز وعام يتضمّن الأهداف المشتركة والوسائل المرجوة وحق الشعب الفلسطيني في المقاومة ضد العدوان والاستيطان والحصار، وتأكيد حقوق المواطن الفلسطيني وأمنه وحريته وكرامته. من الواضح أن هذه المهمة ليست بالسهلة، ولكنها ممكنة إذا صدقت النيات ووُضعت مصلحة الوطن والشعب أولاً. خلافاً لذلك فإن ما ينتظر شعبنا في الفترة القصيرة القادمة سيكون صادماً ومؤلماً وكارثيّاً. إن أعداء الشعب الفلسطيني يتربصون بهدوء لتوجيه الضربة القاضية التي أسهمنا نحن أنفسنا في الوصول إليها. إن الشعوب المنقسمة تحظى بحلول متجزئة كما يُعرض علينا اليوم. فقط الشعوب المتماسكة والملتفة حول قيادة وطنية ذات أهداف ووسائل مشتركة ومتفق عليها هي القادرة على تحقيق الإنجاز. يصعب على الإنسان أن يتصوّر مستقبلاً قريباً يشهد فيها شعبنا أحوالا وأهوالا مرّت به شعوب عربية عزيزة على قلوبنا. أو تستقطع لنا قطعة من أرض أو جزءا من مسجد لتصبح بديلاً للقدس العربية، أو تستقر به مفهوم غزة «المحررة» من السلطة الوطنية ليصبح لنا كيانان سياسيان فلسطينيان مستقلان استكمالاً للحكومتين والجيشين والقيادتين اللتين نعانيهما منذ سنوات.

ما الذي ينقصنا اليوم لتعيين تاريخ قادم لإجراء الانتخابات العامة؟ ما الذي يقف عائقاً أمام التوصل لبرنامج سياسي مشترك؟ كيف يمكن أن يكون صعباً اختيار شخصية فلسطينية محترمة ومحايدة لترؤس البلاد لمدة ستين يوماً يشرف فيها ووزارة جديدة محايدة على الانتخابات الرئاسية والتشريعية وفق بنود القانون الأساسي الفلسطيني؟

إن التطورات الخطيرة التي تنتظرنا موجهة لنا جميعاً، أطفالاً ونساءً ورجالا، وسوف تترك آثاراً مؤلمة نعانيها جميعاً.

...عن «الأهرام» المصرية