الموروث الاسلامي ورواية "الاسرائيليات"

thumbgen (16).jpg
حجم الخط

 

 

عندما سطرت كتابي المعنون: أساطير اليهود وأرض فلسطين في القرآن الكريم، كان الهاجس الذي يحركني هو حجم الاستغلال لدى العصبة الحاكمة في "اسرائيل" اليوم للغث من المرويات العربية والاسلامية التراثية من جهة، ولقدرة هذه العصبة والمتساوقون معها على غسل دماغ الكثير في الامة عبر المواقع الصهيونية التي توهم الامة بصلة ما بين الأقوام والاثنيات والجنسيات المختلفة التي اعتنقت الديانة اليهودية وبين قبيلة بني اسرائيل العربية المنقرضة.
واضافة لذلك فإن استغلال المواقع الصهيونية ، لا بل وبعض العربية، لآيات القرآن الكريم وتحريفها على عادة كهنة اليهود القدماء، وإدعاء ما لا يستقيم جعل من البحث في رفض التأويلات والتفسيرات المنحرفة التي تنشيء حقا لأقوام متنوعة اعتنقت الديانة اليهودية بأرضنا ولا صلة بين هذا وذاك، فكان الكتاب والذي أشرت فيه لمدى تغلغل "الاسرائيليات" في متون بعض الأحاديث وفي تفاسير القرآن الكريم.
والى ذلك وإثر عثوري على كتاب الشيخ محمد حسين الذهبي الثمين عن: الاسرائيليات في التفسير والحديث، فلقد لخصت أبرز ما فيه وذو صله بالتحريف والمتون الاسرائيلية بالتفاسير للقرآن وذات الصلة بفلسطيننا وقضيتنا بالتبعية، كما نورده هنا، ثم اتبعت ذلك في المقال هذا نقاشا حول آية التفضيل لبني اسرائيل القدماء المنقرضين.
الشيخ الذهبي والاسرائيليات
خلاصة القول في حكم رواية الاسرائيليات كما يقول الشيخ الذهبي[1]:" ان ما جاء موافقا لما في شرعنا صدقناه، وما جاء مخالفا لما في شرعنا كذبناه وحرمت روايته الا لبيان بطلانه، وما سكت عنه شرعنا توقفنا فيه".
اما عن الروايات والاخبار والتاريخ والقصص فيقول بعد تجويز روايته عنهم أن "روايته ليست إلا مجرد حكاية له كما هو موجود في كتبهم او كما يحدثون به بصرف النظر عن كونه حقا او غير حق"، ويقول ابن تيمية ان الاحاديث الاسرائيلية تذكر "للاستشهاد وليس للاعتقاد".
ويقول الشيخ البقاعي أن المقصود بالنقل عن بني اسرائيل أي نقل قصصهم ورواياتهم عن التوراة فقط لغرض "الاستئناس لا الاعتماد"[2]
وفي النقل عن اليهودي عبدالله بن سلام الذي أسلم لاحقا يقول الشيخ الذهبي: "لانزيف كل رواية ولا نقبل كل رواية، بل علينا أن نعرض كل ما يروى عنه على مقياس الصحة المعتبر في باب الرواية، فما صح قبلناه وما لم يصح رفضناه"[3]
ويشير الكاتب مخالفا الى أن أحمد امين والشيخ رشيد رضا [4]يرميان كعب الاحبار ووهب بن منبه اليهوديان اللذين أسلما، ويُنسب لهما الخلط بروايات الحديث والثقافة اليهودية بالكذب، وبالاشارة خاصة لما ينقلانه عن التوراة وهي المحرفة. حيث يدافع الشيخ الذهبي في كتابه هذا عنهما فيقول عن كعب الاحبار أنه مظلوم وهو: "ثقة مأمون وعالم استغل اسمه فنسب اليه روايات معظمها خرافات وأباطيل لتروج بذلك على العامة ويتقبلها الأغمار من الجهلة"[5]
ونضيف مما ننقله عن كتاب الشيخ الذهبي أنه في تفسير الطبري الكثير من الاخبار والقصص الاسرائيلية، وكذلك الامر في تفسير ابن جرير الذي يحتوي أباطيل كثيرة[6]
أما ابن كثير ففي تفسيره الذي يحوي الاسرائيليات الكثير الا أنه يتعامل معها بحذر: "فينبه على ما في التفسير الماثور من منكرات الاسرائيليات وغرائبها، ويحذر منها عامة"[7]
ويشيرالذهبي أيضا الى ان ابن كثير مؤرخ "والمؤرخون يتسامحون في نقل الاخبار ويجمعون في كتبهم الغث والسمين"! وفي هذه العبارة والشهادة من الشيخ الذهبي ما يدعونا للتمحيص بالقبول او الرفض، وهو الأفضل بشأن التعامل مع المرويات الاسرائيلية التي تحف بها كتب التفاسير خاصة ونحن اليوم في صراع مع اباطيل جديدة من امم وقوميات تدعي امتلاك بلادنا فلسطين، ويحاول اعلامها استغلال بعض تفاسير القرآن للاشارة لملكية هذه الأقوام لفلسطين أو أي بلد آخر، او ادعاء الانتساب للقبيلة العربية اليمنية المنقرضة، أوبليّ أعناق الكلمات، خاصة وأن العوام من الناس يقراون القرآن دون تمحيص بالمعاني ولا باللغة العربية.
وحين يشير الشيخ الذهبي لتفسير مقاتل بن سليمان الخراساني،[8] وتفسير الثعلبي فإنه يحذر منهما ففي الثعلبي كتاب "شامل للخرافات والأباطيل " وهو تفسير "مشحون بالاكاذيب والأباطيل ومليء بالقصص الاسرائيلية، وهو مولع بالخرافات والغرائب والأعاجيب"[9] وهي مما يستهوي الناس
ينتقل الشيخ محمد حسين الذهبي لتفسير الآلوسي فيقول أنه "أشد الكتب نقدا للاسرائيليات وعيبا على من توسعوا في أخذها وحشوها في تفاسيرهم"[10] اما تفسير الشيخ محمد رشيد رضا فهو أشد المفسرين انكارا للاسرائيليات و"أعنفهم على من خدعوا بها وروجوا لها"
وفي ختام كتابه الهام يدعو لتنقية كتب التفسير من الاسرائيليات في ص 167 حيث يقول فيها: "كتب التفسير قد حوت من الاسرائيليات كل عجيب وعجيبة، واستوى في ذلك تفاسير المتقدمين والمتاخرين والمتشددين والمتساهلين على تفاوت بينهما في ذلك وقلة وكثرة" ص169
مضيفا أن: كل التفاسير فيها جانب الخطورة على عقول المسلمين وعقائدهم، مشيرا بالتخصيص لابن جرير وابن كثير، لذا يرى المهمة بتحرير كتب التفسير من الاسرائيليات وأن يصدر مجمع البحوث الاسلامية تفسيرا خاليا من الاسرائيليات والأباطيل، ويعمم نشره في جميع الأقطار.
إن كل ماذكرناه سابقا من إشارات وردت في كتاب عالم جليل[11] هو فقط للتدليل على ضرورة رفض المرويات والاخباريات الاسرائيلية التي حفل بها سجل تاريخنا العربي والاسلامي، والتي يحاول البعض أن يحرف فيها الاحاديث الشريفة، ومعاني كلمات القرآن الكريم خاصة فيما يتعلق بقصص قبيلة بني اسرائيل القبيلة العربية المنقرضة، ومحاولات اسقاط قصص القرآن التي جاءت للعبرة والعظة والحكمة فقط -لأقوام انقرضت وليس لاثبات حق عنصري او تاريخي- على تاريخ وجغرافيا اليوم ما هو خرافات وأباطيل وأكاذيب.
ونختم في تقديم الشيخ عبدالحميد السايح لكتاب د.رمزي نعناعة حول الاسرائيليات في كتب التفسير إذ يقول ص 5أن: "الاسرائيليات وضعت في ثنايا التفسير لتوضيح بعض الآيات القرآنية، وهي دخيلة على الاسلام ومنافية لتعاليمه، ومصادمة لبعض قواعده وسمو أهدافه"، وهي كذلك فيما يتعلق بالعقيدة، فكيف وتلك التي تتعلق بالتاريخ والقصص التوراتي المقنبل بالخرافات والاكاذيب والأباطيل؟
أنها كومة من القش تذروها الرياح لا قيمة لها، الى جانب أن العلم الحديث ينكرها، بل وينكر الاستناد للتوراة ككتاب تاريخ معتبر.
بني اسرائيل والفضل
وفي ضوء ما سبق وبسياق الوعي والادراك دعونا نرى حكمة الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، وفي قصة قبيلة اسرائيل حيث يقول الله تعالى في سورة البقرة بخطاب لقبيلة بني اسرائيل العربية اليمنية المنقرضة (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)) والتفضيل هنا بمعنى (بمعنى خصكم) على عالمي زمانكم المنقضي فقط ،بكثرة الأنبياء وبما أنزل عليكم من كتب، وتفضل عليكم هو سبحانه بالهداية، وليس معنى التفضيل كما يفهم السذج أو كما يقول التوراتيون انها أفضلية القبيلة أو العرق مطلقا-أي عنصرية بغيضة، حاشاه-او ما يسمونها خبالا "شعب الله المختار"، وما يتنافى مع التقوى عندالله والتي هي مقياس الاكرام لأي شخص أو فئة عند الله.
وفي موضع آخر في سورة آل عمران تبدو الصورة جلية فالفضل من الله تعالى اذ يقول بالآية74: "يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" ويقول قبلها: "إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"..
يكذب كهنة التوراة وبني اسرائيل المنقرضين، فهم كما قال الله عنهم "باؤوا بغضب على غضب" وهما غضب الجحود بالرسول وغضب تحريف التوراة وتزييفها، فأنى تكون شخوصهم أو قبيلتهم هي المفضلة؟! وكيف نجيز لانفسنا النقل عن قصصهم وما هي الا خرافات واحلام وآمال؟!
والقبيلة العاصية هي من قال سبحانه فيها ايضا "استكبرتم"، و"قالوا قلوبنا غلف-أي مغلقة عن الايمان"، فحكم الله عليهم بالقول "لعنهم الله بكفرهم، فقليلا ما يؤمنون) (البقرة88)
أي أنهم مع ما فضّل (خصّ) الله عليهم بكثرة الانبياء لدعوتهم للحق الا انهم ظلوا مستكبرين جاحدين كاذبين، ومن هنا جاءت التوراة مليئة بالأساطير والخرافات والأكاذيب والاحلام والآمال لا سيما وانها كتبت بعد مئات السنين
كهنة الديانة اليهودية كانوا محرفين للكتاب مزورين-الا من رحم ربي من القبيلة أو القبائل الاخرى المعتنقة للديانة فآمن بالتوحيد- فحق عليهم الغضب واللعنة
وبالطبع -نقول نحن- ومن يسير على درب مزوري وجاحدي هذه القبيلة المنقرضة العاصية من اي ملة او قومية يحق عليهم لعنة الله وغضبه.
أي ان كثرة ذكر قبيلة بني اسرائيل كان للعبرة والحكمة والامثولة لكل ظالم وجاحد وكاذب وعاصي في كل زمان ومكان رغم انقراض قبيلة بني اسرائيل كما انقرضت عاد وثمود وقوم لوط وقوم صالح الخ
وفي قول آخر حول التفضيل في البقرة يقول تعالى عن ابراهيم وبنيه ويعقوب "اسرائيل" وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (132) فالاصطفاء والتفضيل والاكرام مرتبط بالدين والتوحيد والاسلام لله.