الضغوط والاختبارات الصعبة تتراكم على إيران بشكل متسارع، وإذا كان التصعيد الأمريكي ضد إيران في أعقاب قرار الرئيس دونالد ترامب بانسحاب بلاده من الاتفاق النووي الموقع مع إيران (8 /5 /2018) يبدو مفهوماً أو متوقعاً لدى الإيرانيين، فإن ما يصعب تصديقه هو الموقف المتردد «للحليف الروسي»، ليس فقط إزاء الضغوط الأمريكية على إيران التي أعلنها يوم الاثنين الفائت وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو واستعرض 12 شرطاً لقبول واشنطن بالتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع طهران، ولكن أيضاً إزاء الضربات «الإسرائيلية» القوية ضد الوجود العسكري الإيراني في سوريا.
فإيران لم تواجه، طيلة تاريخها العدائي ل«إسرائيل»، اختباراً صعباً لصدقية تهديداتها وخطاباتها الساخنة كما تواجه هذه الأيام. فقد تعرضت إيران، وعلى مدى عشرة أيام فقط، لثلاث ضربات «إسرائيلية» موجعة في سوريا. كان آخرها فجر الخميس (10 /5 /2018)، وهو الهجوم الذي وصفه ضابط كبير في سلاح الجو «الإسرائيلي» بأنه أكبر هجوم تقوم به «إسرائيل» في عمق الأراضي السورية منذ عام 1974، وأكد أنه حقق أهدافه، هذا الهجوم الذي حدث في أعقاب الزيارة التي قام بها بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة «الإسرائيلية» لروسيا ولقائه الثامن بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدى أقل من عامين، كان مثار افتخار قادة «إسرائيل» بقدر ما أثار من تساؤلات حول ما دار في لقاء نتنياهو - بوتين حول سوريا بشكل عام، وحول الوجود الإيراني العسكري في سوريا والرفض «الإسرائيلي» لهذا الوجود بالمطلق، وحول الموقف الروسي من احتمالات دعم موسكو لطهران إذا تجددت الاعتداءات «الإسرائيلية». كان في مقدمة المفاخرين بهذا الهجوم «الإسرائيلي» على المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا افيجدور ليبرمان وزير الحرب وجلعاد أردان وزير الأمن، ويائير لبيد رئيس حزب «يوجد مستقبل»، وقبلهم بالطبع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
الذين تابعوا التهديدات الإيرانية ضد «إسرائيل» في أعقاب الهجوم «الإسرائيلي» على القاعدة العسكرية قرب حمص التي تحمل اسم«تي- فور» (T-4) والتي تعتبر مخصصة للطائرات الإيرانية المسيرَّة بدون طيار (درونز) اعتقدوا أن أي اعتداء «إسرائيلي» آخر على أي موقع عسكري إيراني في سوريا لن يواجه فقط بضربات مزلزلة ضد «إسرائيل» بل قد يدفع إلى «حرب إقليمية» موسعة تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها، لكن «إسرائيل» شنت هجوماً لا يقل خطورة على مخازن صواريخ إيرانية قرب حلب، لكن الذي حدث هو»لا شيء إيرانياً، وأيضاً «لا شيء روسياً»، رغم كل التحذيرات الروسية السابقة للأمريكيين وغيرهم من أي اعتداء يقع ضد أي من حلفاء روسيا، وهذا ما يدفع إلى التساؤل لماذا؟
ربما يكون التردد الإيراني في الرد على هذه الاعتداءات «الإسرائيلية» هو انشغال إيران بالأزمة المثارة حول الاتفاق النووي وتداعياتها منذ إعلان الرئيس الأمريكي الانسحاب من هذا الاتفاق. حرصت إيران على ضبط النفس، وأعطت الأولوية لإدارة الملف النووي وهذا ما أدركته «إسرائيل» وحرصت على استغلاله أقصى استغلال، وهي على يقين بأن «إيران لن ترد وأن الظروف مواتية للتصعيد» حتى ولو كان هذا التصعيد منضبطاً، لكن السؤال الذي يشغل الكثير هو الموقف الروسي، خصوصاً وأن الاعتداء «الإسرائيلي» الأخير على المواقع العسكرية في سوريا جاء متزامناً مع زيارة نتنياهو لموسكو وحضوره الاستعراض العسكري الكبير الذي قام به الجيش الروسي بمناسبة «عيد النصر» وهناك من يروج لاحتمال حصول نتنياهو على ضوء أخضر من بوتين قبل اتخاذ قرار شن هذا الهجوم الذي أعاد ل«إسرائيل» مجدداً الأخذ بخيار «الضربات الاستباقية» للدفاع عن الأمن والمصالح «الإسرائيلية».
اختيار روسيا موقف الصمت إزاء هذا الهجوم «الإسرائيلي» الأخير وما سبقه من هجمات «إسرائيلية» ضد المواقع العسكرية في سوريا فهمه «الإسرائيليون» على أنه تعرية ل«أكذوبة التحالف» بين موسكو وطهران، وأن ما بينهما ليس أكثر من «زواج منفعة»، وأن ما يربط روسيا ب«إسرائيل» من مصالح قد يوازن، إن لم يكن يزيد، على ما يربط روسيا بإيران.
لذلك يبدو مرجحاً محدودية فرص الدعم الروسي لإيران في سوريا لأسباب كثيرة، منها صراع المصالح بين موسكو وطهران في سوريا، وهو الصراع الذي أخذ يتصاعد مع ظهور مؤشرات على انتهاء الأزمة السورية. لكن هناك أسباب أخرى منها حرص موسكو على عدم التصعيد مع واشنطن في هذه الظروف، وطموح موسكو لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا، وهو الأمر الذي يمكن أن تقوم «إسرائيل» بدور مميز في تسهيله، على نحو ما يطمح الروس، إضافة إلى حرص موسكو على تجنيب الأوضاع في سوريا تداعيات أزمة الملف النووي الإيراني، وكلها أسباب ودوافع تضع روسيا الآن في مأزق المفاضلة بين إيران و«إسرائيل»، الأمر الذي سيكون له تأثيره القوي في حسابات طهران و«تل أبيب» في أي مواجهة محتملة بينهما.
عن الخليج الإماراتية