شاركت قبل أيام بندوة مسائية في شهر رمضان ــــ بعد صلاة التراويح ــــ نظمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) بعنوان "مسيرات العودة .. التقييم، الدروس والعبر، الأهداف، إلى أين؟" تم الحوار والاستماع من قطاع غزة لممثلين عن الهيئة الوطنية لمسيرة العودة وكسر الحصار عبر تقنية "الفيديو كونفرنس".
خلال فترة استماعي لأغلب المداخلات كان سؤال واحد مؤلم يضرب بداخل عقلي بشكل متكرر: أين الضفة؟ أين الضفة؟ أين الضفة؟ على الرغم من أن التركيز هو على مسيرات العودة بقطاع غزة والحديث عن صفقة القرن؛ إلا أن السؤال الأهم الذي لم يطرح على طاولة المطبخ السياسي، على المؤتمرات والندوات، والفصائل الفلسطينية، وحتى لدى قادة الرأي بجميع أنواعهم: أين الضفة من المعادلة؟
إن ما حدث/ يحدث/ سيحدث في غزة له تأثير ليس فقط على القطاع، وإنما على فلسطين، أرضا وشعبا وهوية جامعة؛ بالتالي واقع الضفة الغربية الذي وصلت له اليوم من جدار واستعمار استيطاني جعل الضفة أيضاً "كانتونات" فما هو شكل الضفة من المشروع القادم أيضاً؟!
لماذا لم يتم استكمال جسم الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة، المصالحة، في الضفة الغربية والشتات كهيئة تنظيمية للعمل الوحدوي في إعادة إحياء جسم "ق.و.م" ـــــ قيادة وطنية موحدة ــــ وما أحوجنا لجسد فعلي ميداني كما كان في سنوات الانتفاضة من أجل تعميم الحراك الشعبي المقاوم لأي سيناريوهات في مناطق الضفة و48 والشتات.
أين الضفة ـــــ ضمن خصوصيتها ـــــ من ابتكار وخلق أدوات نضالية سلمية جديدة تواكب التطورات الأخيرة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي؟ وهل اكتفت بهذا الدور؟ أم إنها فقدت الإيمان بالعمل الجماعي الجماهيري خصوصاً في ظل ضعف المؤسسات المكونة للنظام السياسي الفلسطيني؟ ما أدى الى الاكتفاء بالعمل النضالي التقليدي هنا وهناك!!
واقع قطاع غزة الإنساني وصل مرحلة لا تطاق فهو أشبه ما يكون بالكارثة الإنسانية منذ ما يقارب 12 عاما، وهذه الكارثة جعلتنا نركز هناك بكل حواسنا، ما أفقدنا التركيز بما يحدث هنا من: التهويد شبه النهائي للقدس، الاقتحامات اليومية لمدن وقرى ومخيمات الضفة، سرقة المزيد من الأراضي لمصلحة الاستعمار الاستيطاني، إضعاف المؤسسات الفلسطينية المختلفة، توغل السلطة التنفيذية على اختصاصات السلطات الأخرى، غياب المساءلة والمحاسبة، تدهور حالة الحقوق والحريات العامة، المزيد من التبعية الاقتصادية للسياسات الاحتلالية، والأخطر بأن أصبحنا منقسمين على أنفسنا بقضايا مهمة لكنها فرعية وكأننا بحاجة لمزيد من الانقسامات!!
إن ما حدث/ يحدث/ سيحدث في قطاع غزة يجعل الإجابة عن سؤال أين الضفة؟ ليس مجرد جواب في مقابلة إعلامية لمسؤول ما؛ بقدر ما انه يرسم واقعا مرا بدأت ملامحه تظهر بوضوح، فما يحدث بغزة ليس فقط انقساما بين حركتي فتح وحماس بقدر ما هو ضياع الخارطة المكانية لمفهوم الدولة بالتالي قتل حتى لأقل الحقوق المبنية على اتفاق الأساس "غزة وأريحا أولاً"!!
الـضـفـة فـي خـطـر
12 يناير 2025