العنصرية المترسخة في إسرائيل

عبد-الناصر-نجار
حجم الخط

11 تموز 2015

في الدولة التي يدّعون أنها الأكثر ديمقراطيةً تقوم التصنيفات الإثنية على أساس عنصري لا ريب فيه، ويتسنم اليهود الغربيون "الأشكناز" قمة هذه الطبقية الإثنية، يليهم اليهود الشرقيون "السفارديم"، ثم المهاجرون اليهود أو المتهودون من مناطق آسيوية أو إفريقية مثل "الفلاشا"، ثم العرب. 
لم يسلم العرب من تصنيفهم العنصري في قاع هذه الطبقية الإثنية، فقسمتهم هذه الديمقراطية إلى تصنيفات عنصرية أيضاً، تتقدمها الطائفة العربية الدرزية وخاصة من يخدم من أبنائها في الجيش الإسرائيلي، ويتذيلها المتمسكون بفلسطينيتهم وقوميتهم العربية.
التصنيفات العنصرية في هذه "الديمقراطية" ليست حديثة النشأة، بل تضرب جذورها إلى إنشاء إسرائيل في العام 1948، وربما قبل ذلك.. حيث اعتبرت النخبة الأشكنازية الغربية أنها قائدة دولة إسرائيل والقادرة على الحفاظ عليها وترسيخ النموذج الغربي فيها.
طالت العنصرية الإسرائيلية المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية... وحتى نهاية سبعينيات القرن الماضي لم يكن أحد من الطوائف اليهودية الشرقية "السفارديم" قادراً على الوصول إلى الصف الأول من القادة الإسرائيليين سواء ساحة السلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة الإسرائيلية أو ساحة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بما فيها الجيش.
ومع سيطرة حزب الليكود بزعامة مناحيم بيغن في نهاية سبعينيات القرن الماضي على الحكم بدأت المعادلة تتغير جزئياً، ولكن ظلت المظاهر العنصرية داخل إسرائيل كما هي.. بمعنى أن بعض الأشخاص تمكنوا من منافسة لـ"النخبة الغربية"، ولكن لم يتغير ذلك المشهد الإسرائيلي بشكل كبير.
الحديث عن العنصرية بات واضحاً حتى في وسائل الإعلام الإسرائيلية التي جاء كثير من مقالات الرأي فيها، أمس، معبراً عن هذا التوجه العنصري في الدولة الأكثر ديمقراطية؟!!
بعد صمت دام عدة أشهر، أعلنت إسرائيل عن "وجود إسرائيليين محتجزين في غزة. الأول من مجموعات "الفلاشا" أي المهاجرين الأثيوبيين وهم على هامش المجتمع الإسرائيلي، والثاني مواطن بدوي من النقب.
بالنسبة للمواطن البدوي، فحتى الصحافة الإسرائيلية لم تتطرق إلى قصته إلاّ من خلال كلمات مقتضبة ولم تعلن إن كان جندياً في الجيش الإسرائيلي أو هل خدم في الجيش الإسرائيلي، وكيف وصل غزة... أسئلة كثيرة ظلت دون إجابة والمعلومات حول هذا المفقود شبه معدومة.. والمجتمع الإسرائيلي أصلاً غير مهتم بقضيته حتى لو ظل في الأسر إلى موته...
الإسرائيلي الثاني وهو أفراهام منجيستو الذي اجتاز الحدود إلى قطاع غزة الصيف الماضي، أخفت الحكومة الإسرائيلية كل المعلومات حوله ومنعت الصحافة الإسرائيلية من التطرق إلى هذا الموضوع.. ولم تجز الرقابة العسكرية نشر أي معلومة عن هذا الموضوع.
وبعد صدور قرار قضائي يعطي صحيفتي "هآرتس" و"يديعوت أحرونوت" حق النشر، بدأت تتكشف خيوط القضية. 
أكدت الصحف الإسرائيلية الصادرة، أمس، في مجمل مقالاتها أم مفهوم العنصرية الإسرائيلية متجذر. وكان التساؤل الأول لو كان هذا الشخص من النخبة الغربية أي "الأشكناز" هل استطاعت الحكومة والأجهزة الأمنية إخفاء هذا الموضوع فترة طويلة.. والإجابة الحصرية أن السبب وراء عدم الكشف هو النظر بعدم أهمية واستخفاف إلى هذا الشخص.. حتى أن بعض الكتّاب، أيضاً، حذروا من تقديم تنازلات مهما كانت لأن هذا المفقود لا يعني شيئاً للمجتمع الإسرائيلي. أي اليهودي الأثيوبي أو المتهود الأثيوبي لا قيمة له بالمطلق في الدولة الأكثر ديمقراطية..
وكل ما قامت به إسرائيل نحو عائلة المفقود أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أرسل ممثلاً عنه للقاء عائلة المفقود وهو العقيد احتياط ليئور لوتان الذي خاطب العائلة بشكل فوقي واستخدم لغة التهديد والوعيد، وطالبهم بعدم توجيه أي انتقاد إلى نتنياهو من خلال وسائل الإعلام، ورفض تسجيل حديثه أمامهم.
السؤال هنا لو كان هذا الشخص هو شاليت، هل سيتجرّأ ممثل نتنياهو على التحدث أمامهم بهذا الشكل، بصرف النظر عن ظروف الاحتجاز أو الأسر.. دخل بقدمين طوعاً أو أسر خلال مواجهة.. بالطبع لا لن يتحدث بهذه اللغة. وربما لذهب نتنياهو بنفسه إلى العائلة، ولما استطاعت الحكومة أو الأجهزة الأمنية التعتيم على الخبر مدة طويلة.
إذن، نحن أمام تأكيد صارخ على مدى العنصرية الإسرائيلية تجاه أبنائها.. فكيف بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني المحتل.. تصوّروا كيف هو الوضع؟!!